الأحد، 14 نوفمبر 2010

المذرذرة أيام طفولتي
وفاء بلا حدود

عندما تكتب العاطفة الجياشة الصادقة بلهفة وإحساس ينعكس ذلك على الكلمات والسطور، فتأسر القلوب والأبصار، وهذا ما فعله الكاتب المحترم محمد عبد الله بزيد في رائعته الحياتية: " المذرذرة أيام طفولتي"..
وكما تلاحظون من العنوان فإن الطفولة كانت روح ذلك الإلهام الذي عرّفنا صاحبه بجزء مشرق من تاريخ مدينته العريقة..

ورغم أنني لم أزر تلك المدينة، إلا أنني أحسست وأنا أقرا كلماته النافذة، أنني أعرفها مثله.. وكمحب لكل بقاع الوطن، وللأيام الغابرة التي خالط الناس فيها البساطة وعرفوا السعادة، وللطفولة الأجمل، انطلقت ألتهم ما كتب دون وعي مني، ملتقطا أنفاسي بين الحين والآخر متخيلا تلك الكثبان البيضاء الرائعة التي تحدث عنها بإنبهار، وتلك الحياة الوادعة، وذلك المرح الطفولي البريء الذي تردد صداه في أرجاء ذلك العالم القديم مبشرا بالسعادة..

بدأ الكاتب بالإشادة بمذرذرة الستينات ذاكرا وداعتها وكيف كان العيش يطيب فيها، وأنهاها بحسرة قائلا: "وأثناء تجوالي حاولت أن أرصد أدنى أثر لما عهدته من قبل.. كانت المذرذرة الممتدة أمام قدمي غريبة عني تماما، والوجه المتجعد الذي كانت تعيده إلي مرآة سيارتي الداخلية لم يكن هو أيضا وجهي.. لقد تبدلت الأمور بعمق مع مرور الزمن.. تغيرت المذرذرة كثيرا وتغيرت أنا أيضا.. عدت أدراجي حائرا مضطربا وأسرعت الأوبة إلى نواكشوط"..

وبين السعادة والحزن أمتعنا الكاتب بقصة طفولته البريئة ولاسيما طفولة في أرض طاهرة نقية.. ذكر بعض أصدقائه الذين شهدوا معه ولادة الحياة.. وعرّفنا على أسر عاشت في تلك الربوع عيشة الخالدين الغافلين عن الزوال.. شخصيات متنوعة ذكّرتني بلغز الحياة الذي لا حل له بدون فهم قوله تعالى: "والعاقبة للمتقين"..
رجل يتنقل على الجمال لتبديل أو إصلاح الأسلاك الهاتفية التي أفسدتها عوامل الطبيعة أو نزوات الأطفال.. وآخر يقود سيارته "الدي شفو" إلى مقر إقامة الحاكم وسط دهشة الأطفال.. وشاحنات تسافر بين المدينتين، تلاقي صعوبات في شق طريقها وسط نباتات كثيفة وافرة، وعلى متنها طلاب مطمئنون لا يملكون أجرة الركوب.. وسيدة عجيبة، لها قدرات خارقة .. أجزم أن الجميع كانوا يهابونها .. وشيخ متواضع كريم يلجأ إلى بيته في كل مساء أطفال لا مأوى لهم فيجدون المأوى و الحماية والمأكل...

أين يمكننا أن نجد تلك البساطة التي أفقدنا التوغل في متاهات التحضر الزائف جمالها..

إننا في معترك الحياة قد نفقد بعض الأصدقاء والأعزاء، وتتساءل: أين هم الآن؟ هل يفكرون فينا كما نفكر فيهم؟ وفجأة يظهر لنا أحدهم كأنما خرج من قمقم مختوم ليعيد إلينا ذلك الجزء المشرق من حياتنا في ساعة قد لا نراه بعدها.. استوقفني قوله: " وترافقت مع بلاه الذي رأيته لأول مرة منذ ربع قرن في طريق العودة من السنغال إلى أن وصلنا إلى تكنت حيث قضينا يوما رائعا مع ذويه".. هل يقدر يوم واحد مهما بلغ جماله أن يعوض ربع قرن؟.. كم تتلاعب الدنيا بنا.. كم تفرحنا وكم تحزننا..

ثم عاد الكاتب في آخر حديثه إلى لؤلؤة حياته ومرتع أحلامه ومنبت طفولته، المذرذرة: " لقد تبدلت الأمور بعمق مع مرور الزمن: تغيرت المذرذرة كثيرا وتغيرت أنا أيضا.

عدت أدراجي حائرا مضطربا وأسرعت الأوبة إلى نواكشوط. ولم يبق لي سوى عزاء واحد: أن احمي بغيرة تلك الصورة الصادقة الحية والمرحة التي أحمل للمذرذرة في قلبي، صورة المذرذرة أيام طفولتي".

ربما كان طفل آخر يجوب الشارع لحظة تجول الكاتب فيه مستحضرا ماضيه السحيق، قد لا يلحظ الأخير وجوده وهو يقفل عائدا مثقلا بحيرته.. من يدري قد يأتي اليوم الذي يجسد فيه ذلك الصغير وفاءه لمدينته على غراره.. يومها قد يمدحها كما يمدح طفولته.. وقد لا يسلم بدوره من الحيرة مثل أستاذه..

سيد محمد ولد اخليل
khlilsidi@yahoo.fr

mederdratoday@gmail.com
Tel 2240979

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

قراءة محترمة

غير معرف يقول...

نطلب من المذرذرة اليوم اجراء تحقيق في عمليات السرقة التي تحدث في المدينة منذ عدة اشهر