الأربعاء، 28 أكتوبر 2009

إجتماع إركيز
هل هي بداية حقبة جديدة ؟

حصلت المذرذرة اليوم على معلومات جديدة تتعلق بإجتماع إركيز الذي دعا له حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم، وتغيب عنه عدد من أطر ومنتخبي مقاطعة المذرذرة، خاصة المنتمين لجناح السيد محسن ولد الحاج، شيخ مقاطعة روصو، ونائب رئيس مجلس الشيوخ.

وقد سجّل حضور الشخصيات التالية للإجتماع:

-السيد محمد سالم ولد محمد سيديا (مي إمّاه) شيخ مقاطعة المذرذرة
-السيد البانون ولد أمينو .. نائب سابق لمقاطعة المذرذرة
-السيد باب ولد أحمد للدّيد
-السيد أحمدو ولد إبراهيم ولد السيد
-السيد المختار ولد سيد أحمد
-السيد بوننّ ولد الشريف .. عمدة تكند السابق
-السيد محمد سيدينا ولد البانون
-السيد الحسن ولد الطالب
-السيد أحمد ولد الدّيد ولد باب
-السيد محمد ولد إبراهيم ولد السّيد

ولوحظ غياب كل عمد مقاطعة المذرذرة المنتمين لحزب الإتحاد من أجل الجمهورية، بإستثناء عمدة تكند المنتمي لحزب التكتل، الأستاذ المامي ولد ابابك.
وحسب معلومات خاصة حصلت عليها المذرذرة اليوم، فإن وزير الإقتصاد والتنمية، السيد سيدي ولد التاه، والوفد المرافق له، وصلوا حدود أربع كبلومترات من مدينة إركيز، قبل أن يعودوا أدراجهم بعد مكالمة هاتفية إستقبلوها ..

وشنّ رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز، هجوما لاذعا على المتخلفين عن إجتماع إركيز، ووصفهم بعدم التمتّع بالروح الحزبية، كما تم إتخاذ إجراءات عقابية ضد نائب رئيس مجلس الشيوخ، السيد محسن ولد الحاج، ومن المفترض أن تطال كل أتباعه، المتخلفين عن إجتماع إركيز.

وتتحدّث المصادر عن تعديل وزاري وشيك، سيطال المتخلفين عن الإجتماع، الأعضاء في حكومة ولد محمد الأغظف، بناءا على توصية من قيادة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.

ويستغرب العديد من المراقبين، تغيّب عدد من أطر ومنتخبي مقاطعة المذرذرة، المنتمين لحزب الإتحاد من أجل الجمهورية، عن إجتماع إركيز، الذي دعا له الحزب، وحضرته قيادته على أعلى المستويات، ممثلة في رئيس الحزب !!

الثلاثاء، 20 أكتوبر 2009

مقاطعة المذرذرة
بين ولد الحاج وولد أحمدوا


علمت المذرذرة اليوم من مصادر إعلامية، أنه تم تجميد عضوية وزير الإقتصاد والتنمية السيد سيدي ولد التاه فى حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم.

وقالت المصادر، إن الحزب قرر تجميد عضوية عدد من وزرائه من بينهم السيد سيدى ولد التاه، وطرد عضوين من المكتب التنفيذي، وذلك على خلفية الصراع الذي نشب مؤخرا داخل الحزب، والذي تمحور بين شخصيتين نافذتين في الحزب على مستوى الولاية، هما السيد عبد الله السالم ولد أحمدوا، والسيد محسن ولد الحاج.

حيث نظّم حزب الإتحاد من أجل الجمهورية مساء السبت يوما تحسيسيا، في مقاطعة إركيز بولاية الترارزه، تحضيرا لإنطلاق الحملة الإنتخابية للتجديد الجزئي لمجلس الشيوخ.

التظاهرة السياسية المنظمة في إركيز، كشفت حجم الخلافات التي يعرفها هذا الحزب الوليد، والذي يحاول أن يخلف الحزب الجمهوري في الساحة، حيث غابت عنها شخصيات من العيار الثقيل في ولاية الترارزة، رغم حضور رئيس الحزب نفسه، خلافا لما جرت عليه العادة في السابق، حيث كان جميع الفرقاء المنضوين تحت لواء "حزب الدولة"، يحضرون الأنشطة، مهما كانت خلافاتهم مع أصحاب المكان الذي تنظم فيه.

وتزامن مع تظاهرة إركيز، مؤتمر في نواكشوط، نظّمته مجموعة من أطر ولاية الترارزه المنضوية تحت لواء حزب الإتحاد من أجل الجمهورية، إنتقدت بشدة النشاط المنظم في إركيز، متهمين المكتب التنفيذي للحزب بالتقصير في عمله.
وتضم المجموعة المحتجة، السيد محمد ولد أبيليل وزير الداخلية، السيد سيدي ولد التاه وزير الشؤون الإقتصادية والتنمية، السيد الشيخ ولد حرمه وزير الصحة، السيد بمب ولد درمان وزير التجارة، إضافة لعدد من المنتخبين والوجهاء.

السيد محسن ولد الحاج نائب رئيس مجلس الشيوخ قال خلال إجتماع عقدته المجموعة المحتجة في فندق "وصال" بنواكشوط مساء السبت إن المكتب التنفيذي المؤقت لحزب الإتحاد من أجل الجمهورية "أثبت عدم قدرته على تحقيق ما يصبو إليه رئيس الجمهورية من تغيير بناء" مضيفا أن "الهدف من هذا اللقاء الأول من نوعه بين القيادة السياسية الفعلية للولاية هو شجب القرار الفردي الذي إتخذه رئيس حزب الإتحاد من أجل الجمهورية، بترؤسه لمهرجان في مقاطعة إركيز، دون مشاورة أصحاب الشأن من أهل الولاية".

وقال ولد الحاج إن من يقفون وراء ما وصفها بـ"مهزلة" الحزب في إركيز "لاعلاقة لهم بهموم سكان الولاية، بل هم مجموعة من الإنتهازيين، بل من المنظّرين المتزلفين لنظام ناصبوه العداء قبل فوز مرشحه في الرئاسيات، وبدونهم "حسب تعبيره.

ونقلت مصادر إعلامية أن الرئيس الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، إجتمع مع رئيس حزب الإتحاد الحاكم، السيد محمد محمود ولد محمد الأمين بالقصر الرئاسي، لتدارس الوضعية الناجمة عن مقاطعة عدد من أطر الترارزة لتظاهرة إركيز، ومطالبتهم بإقالة رئيس الحزب دون سابق إنذار.
كما نفى نائب رئيس حزب الإتحاد من أجل الجمهورية الحاكم في موريتانيا، عمر ولد معطل لوكالة أنباء الأخبار المستقلة اليوم الثلاثاء 20 أكتوبر 2009، "أن يكون حزب الإتحاد من أجل الجهورية قد جمّد عضوية أي من منتسبيه".
وقال ولد معطل في تصريح خاص للأخبار: "لا علم لي بأي قرار بهذا الشأن، وحزبنا لم يصدر قرارا بتمجيد عضوية أي من منتسبيه وزيرا كان أو غيره".
كما إستغرب ولد معطل "الحديث عن تجميد عضوية منتسبين لحزب لم يفتتح حملة الإنتساب حتى الآن".

mederdratoday@gmail.com
الدكتورة مباركة بنت البراء (باتّه)
في مقابلة مع البيان الإماراتية



المتابع لرواياتك يلاحظ تأثرك الواضح بالطبيعة الصحراوية الموريتانية، فإلى أي مدى كانت هذه الطبيعة مؤثرًا قويًا في بناء تجربتك الإبداعية الشعرية؟

باتّه: في البداية هي نشأتي وبيئتي التي تعايشت معها منذ الطفولة؛ لأن جدي كان له أكبر «كُتَّاب» في موريتانيا والذي تتواجد به العديد من الكتب، وتدرّس به كل العلوم والثقافة الإسلامية ولمختلف الأعمار، ولهذا فأنا نشأت في بيئة ثقافية علمية بحتة.

هل إستطعت من خلال دواوينك الشعرية أن تحققي مدارات لغوية ووطنية معبرة عن آلامنا العربية؟

باتّه: من الصعب أن يتحدث الشاعر عن قاموسه اللغوي؛ لأنه قد لا يعيد تشكيله في اللحظة الإبداعية، فمدارات الشعر عندي مختلفة، منها المدار الوطني والإنساني والشعبي، فعبّرت من خلال هذه المدارات عن العديد من الهموم الوطنية، وإستطعت من خلال تجربتي المتواضعة أن أؤسس للرمز الإنساني المحلي، من خلال إستخدام مفردات تتغنى بالوطن والحلم، والجمال الذي أنتظره للم الشمل العربي، ولدي قصيدة «الخيمة العربية» أحلم من خلالها بتوحيد الأمة العربية.

من خلال كتابك النقدي حول الشعر الموريتاني الحديث، تطرقت إلى تجارب كثيرة.. حدّثينا عنها؟

باتّه: قدّمت في هذا الكتاب التجارب الشعرية الموريتانية الحديثة منذ البداية، حيث البدوي والجاهلي والأندلسي والعباسي والأموي، ثم التجارب الأخرى الحديثة التي طرأت عليه، وقمت بدراسة نقدية للشعر الموريتاني منذ الإستقلال وحتى التسعينيات.

يردد البعض من النقاد بأنك صاحبة موقف أدبي من قصيدة النثر.. حدثينا عن ذلك؟

باتّه: أكتب حاليًا القصيدة العمودية والتفعيلة، ولم أكتب قصيدة النثر لأنني أعتبرها صورة ترميزية، فأنا ضد تيار أدبي له رواده في عالمنا العربي، فهي كتابة نثرية وفن جميل ولكنه نثر وليس شعراً.

حصلت على لقب «المفوضة» .. «المستشارة» هل في رأيك أن المرأة الموريتانية وصلت إلى تحقيق أحلامها الاجتماعية؟

باتّه: في رأيي أن المرأة الموريتانية وضعها يختلف عن مثيلاتها في إفريقيا وفي عالمنا العربي؛ لأنها تحتل منذ القدم الصدارة، ولها مكانتها الاجتماعية، ولها دور كبير في النسيج الإجتماعي والعلاقات الإجتماعية الموريتانية، ومن حيث الناحية الفكرية لدينا تجارب في القصة القصيرة والرواية ومحاولات شعرية قليلة، فالمجتمع الموريتاني به حراك ثقافي وإبداعي تشارك فيه المرأة الموريتانية، ورغم ذلك ينقصها الكثير، مقارنة بوضع المرأة العربية في عالمنا العربي .

لكن فيما يتعلق بالمرأة الموريتانية المبدعة.. إلى أي حد وصلت في رأيك؟

باتّه: موريتانيا تتمتع الآن بحرية في الفكر، فلدينا كاتبات وأديبات ومتذوقات للثقافة والفكر بشكل عام في القصة القصيرة، لكن الشاعرات عددهن قليل، لأن المجتمع الموريتاني سمح للمرأة الموريتانية بوجود فن صغير هو «التبراع» أي فن الزجل، وهو فن يعبر عن وجدانياتها، وتتغنى به المرأة الموريتانية عن حبيبها في مجتمع مسلم محافظ، وتتغنى به مع صاحباتها.

خلال مسيرتك الطويلة مع الشعر حصلت على جائزة أنجال هزاع بن زايد آل نهيان لثقافة الطفل .. حدثينا عن هذه التجربة؟

باتّه: تقدمت من خلالها بحكاية من حكاياتي للأطفال بعنوان «حكايات الجدة»، والتي طبعت من خلال 3 أجزاء بتونس، حيث تناولت الحكايات الشعبية المندثرة، فجدتي كانت تحكي لي منذ الصغر عن «الأطفال والحروب وبنت الملك» فكتبتها بشكل من السرد، الحكي، وهو جزء من أدبنا الشعبي، وقد وجدت أن هذا الشكل الأدبي في طريقه للإندثار؛ لذلك قمت بجمع هذه الحكايات الشعبية بلغة تناسب الطفل الحضاري المثقف.
ولا يعرف الكثيرون أن هذا الكتاب فتح أمامي الكثير من الأبواب لجمع كل الحكايات الشعبية المهمة للطفل العربي، حيث إشتركت مع مجموعة من الأساتذة المشتغلين بأدب الطفل العربي لجمع هذه الحكايات، وقمنا بتسجيل صوتي لكل الحكايات الشعبية وتعريبها وإصدارها في مجلدات ضخمة، و فزت بالجائزة من خلال حكاية من حكايات الجدة.

mederdratoday@gmail.com

السبت، 17 أكتوبر 2009

الدكتور أبوبكر ولد إحميِّد
يكتب للمذرذرة اليوم عن الدوشلية (3)





مسجدٌ إكتمل سَمْتُه.. وينقصه الكثير..
لعل أهم مثال حيٍّ على إعتماد سكان قرية الدوشلية على أنفسهم، وعدم إنتظارهم لتدخّل السلطات الإدارية أو المنظمات الخيرية لبناء بنية تحتية لهم، هو بناؤهم لمسجدهم المركزي الكبير مرتين منذ تأسيس قريتهم وحتى اليوم.
ذلك أنهم قاموا بترميم مسجدهم القديم عدة مرات، مع بناء فصل محظري لتدريس القرآن بجانبه،على أن إنتظار سكان القرية أن يحصلوا على مسجد من الدولة لم يستمر إلى الأبد، فبعد سنوات من الإنتظار، قرروا الإعتماد على أنفسهم مرة أخرى، فبدؤوا منذ سنة تقريباً في بناء مسجد جديد أكبر مساحة من مسجدهم القديم، معتمدين فقط على ما تسمح به إمكانياتهم المادية، فأنهوْا إقامة أركانه ودعائمه، لكن منارته لم تُرفع بعد، وهو ما يزال بحاجة للكثير، حتى يكون صالحاً لإقامة الشعائر الدينية، وفي مقدمتها الصلوات المكتوبة.


ثقافة تتألّق.. ثم تختفي..!
لا يبدو الجانب الثقافي أحسن حالاَ في قرية الدوشلية مما سواه؛ ذلك أن إنعدام النوادي الثقافية الجادة والمتمتعة ببنية ثقافية تمكّنها من مزاولة أنشطتها، قد شلَّ الثقافة في هذه القرية، وجعلها تعيش نوعاً من العزلة الثقافية، فهي لا تبدو معنية بالتواصل الثقافي أو حتى الرياضي مع جيرانها، مع أنه حدثت بعض المحاولات الشبابية الخجولة لكسر حالة الجمود والإنعزال هذه، لكن يبدو أن الأمر يتطلب جهداً أكبر مما هو مبذول حتى الآن، وعسى أن يكون ما هو قادم من هذه الجهود خيراً مما مضى.
على أننا نود هنا التفريق بين نوعين من الثقافة، فهناك الثقافة العصرية، والثقافة الدينية التقليدية، وتتمثل الأخيرة في الحرص على تعلّم الواجبات الدينية، من خلال دراسة متون فروع الفقه المالكي المعروفة، إلى جانب السيرة وغيرها، وهذه الثقافة لا تعاني في الدوشلية ـ حسب رأينا ـ من جمود، وإن كنا لا نرضى عن الطريقة الروتينية التي تتم بها، فمن الأفضل أن يُضاف لها نوعٌ من الشمولية، لتشمل الفقه العصري؛ إذ أن بناء المسلم القوي يتطلب إلمامه بمعارف العصر وما يدور في هذا العالم المتقلب من أحداث.
أما ما تعيشه هذه القرية من الناحية الثقافية العصرية، فيمكن تسميته بـ"الثقافة الموسمية"، التي ترتبط عادة بفترات العطل الدراسية، أو بعطل الأعياد الدينية، فأحياناً تنعقد بعض المؤتمرات الشبابية التي تعيد الأمل إلى السكان بإمكانية قيام نهضة ثقافية تشارك فيها النساء بقوة، فتقضي على حالة الجمود الحالية، وتستفيد من مختلف الطاقات المعطلة في هذه القرية، وهناك بعض المبشّرات المهمة في هذا المجال، نذكر منها على سبيل المثال تأسيس "المنتدى العام لشباب قرية الدوشلية" قبل حوالي سنة من الآن، مع إستمرار يشوبه بعض التقطّع، لصدور صحيفته "النهضة"، التي نأمل أن يتوالى صدورها، وأن يشارك جميع سكان هذه القرية في تغذيتها بمقومات البقاء والاستمرار.


خلاصة وختام
من خلال المعطيات التي قدّمناها، نستطيع القول إن قرية الدوشلية، وإن إستطاعت إرادة سكانها مدعومة بما بذله ممثلوهم في بلدية التاكلالت من جهود، أن تفرض تكيّفاً مرحلياً مع مشاكل القرية المعيقة لتنميتها، خلال عمرها الذي يناهز ثلاثة عقود، إلا أن الواقع الذي وصلت إليه اليوم لم يعد قابلاً للإستمرار، فليس من الممكن أن يظل ألف وزيادة من البشر يعيشون بدون أبسط الخدمات الصحية، والوسيلة الوحيدة المتوفرة للعلاج أمامهم هي السفر مسافة مئة كيلومتر أو قريباً من مائتي كيلومتر، مع العلم أن النقل من المشاكل المطروحة لسكان القرية، لكن حلَّ المشكل الصحي يُعدُّ حجر الزاوية في حلّ مشاكل السكان التي طال إنتظارهم لحلها.
فمن الواجب إذا، إستمرار المجلس البلدي للتاكلالت في المطالبة بحل عاجل لمشكلة الصحة فيها، أو على الأقل، إستمرار ممثّلي القرية في هذا المجلس في إستغلال كل حالات التعاطف مع هذه القرية وسكانها، في الحشد وراء هذا المطلب، وأن يسلكوا جميع السبل التي بإمكانها أن تُجبر السلطات الجهوية والمركزية على وضع حد لمعاناة سكان هذه القرية، والمبادرة بوضع الحلول العاجلة لها، ولاسيَّما توفير نقطة صحية لها، فضلاً عن تقديم بعض الشكاوي للسلطات العليا من الوضعية الراهنة لهذه القرية .. لاسيما أن السلطة الحاكمة الآن تقول إنها مهتمة بحل مشاكل المواطنين، ورئيسها يلقبّه أنصاره بـ"رئيس الفقراء".. !
فيا تُرى، هل ستتحرك سلطات موريتانيا الجديدة نحو إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل مواطنيها، ومنهم سكان الدوشلية.. أم أن تحقيق أمر كهذا يتطلب وضعية لم تتوفر عناصرها بعد..؟!


أبوبكر ولد إحميّد
أستاذ جامعي




الخميس، 15 أكتوبر 2009

الدكتور أبوبكر ولد إحميِّد
يكتب للمذرذرة اليوم عن الدوشلية (2)

تعليم مُزدهرٌ .. في أبنية مُتهالكة..!

تعود نشأة المدرسة الإبتدائية اليتيمة في الدوشلية إلى سنة تأسيس القرية أو بعده بقليل؛ إذ أن إرادة السكان الصادقة في الإستقرار والتحضّر جعلتهم يقرّرون في صمود منقطع النظير أن يواجهوا التّحدّي، ويباشروا بأنفسهم إنشاء بنية تحتية تعليمية، وهو ما تكرّس من خلال قيامهم ببناء فصل واحد من أموالهم الخاصة، ليكون النواة الأولى لمشروع المدرسة المتكامل؛ الذي ظلت سلطات المقاطعة ومنتخبوها يبشّرونهم به منذ أيام إستقرارهم الأولى، وما زال يراوح مكانه حتى اليوم؛ إذ كان من الممكن أن يشمل هذا المشروع في حالة تنفيذه إعدادية وثانوية .. وربما جامعة .. لكن الواقع الذي حصل أمرٌمختلفٌ؛ إذ لم تتدخل السلطات المركزية ولا اللامركزية، لتُشيّد لهم مبانٍ لائقة، تقي تلاميذهم ومُعلّميهم الحرَّ والقرَّ؛ بل ظل الأمر متروكاً لمبادرات السكان وإمكانياتهم المادية، التي يُعدُّ تشييد المدرسة واحداً فقط من مظاهرها وتجلّياتها المختلفة، وعلى الرغم من ضعف أبنية فصول مدرسة الدوشلية وتهالكها، إلا أن إرادة القائمين عليها من مُعلّمين وآباء تلاميذ، إستطاعت أن تواجه التّحدي بحزم، وأن تحافظ على السُّمعة الطيّبة لهذه المدرسة، التي عُرفت منذ أيامها الأولى بتميّز تلاميذها، ووفرة معارفهم؛ إذ قلّما يلتحقون بعد تخرّجهم منها بإعداديات أو ثانويات أو معاهد إلا وظلوا مُتفوّقين فيها.

صحةٌ.. لا وجود لها..!

إذا كانت إرادة سكان قرية الدوشلية قد نجحت نوعاً ما في سدِّ فراغ تدخّل السلطات العمومية المفترض في مجال التعليم وتشييد أبنيته الضرورية، إلا أنها لم تستطع حتى الآن سدَّ هذا الفراغ في مجال الصحة وتوفير أبسط متطلبات العلاجات الأولية والخفيفة لأبسط الأمراض، ويبدو أن سبب إنعدام الخدمات الصحية الضرورية في هذه القرية حتى الآن، يعود في الأساس إلى ترك السكان هذا الملف لإرادة السلطات الإدارية ووعودها، وعدم قيامهم بمبادرة خاصة، لبناء مرفق صحي، وربما السبب الرئيسي في هذا "الإنتظار" هو ضعف الإمكانيات المادية للسكان، وعدم قدرتهم على تحمّل أعباء هذا المرفق الباهظة، رغم حاجتهم الشديدة له، مع أن السلطات الإدارية ومنتخبي مقاطعة المذرذرة ـ وهم المسئولون بحكم القانون عن هذه القرية ومشاكلها ـ لم يقطعوا آمال السكان وممثليهم في المجلس البلدي أبداً في هذا المجال .. بل ظلوا دوماً يردّدون لهم كلمتهم المشهورة، وهي: "الطبيب موجودٌ للذهاب إلى الدوشلية .. لكن المشكلة المطروحة أنه لا توجد فيها أبنية، ولا مُعدّات صحية لمزاولة عمله..!".
وقد بدأت قبل سنوات في الجزء الشمال الغربي من القرية، أعمال البناء فيما قيل ساعتها إنه نقطة صحية لهذه القرية، لكن تقاعس الدولة الموريتانية في مجال توفير الخدمات، وتفويضها الكامل لرجال أعمال كبار للتلاعب بهذا المرفق الحيوي الهام، جعلا بعض رجال الأعمال الكبار المعروفين، المقاولين لهذه النقاط الصحية يتلكّؤون في تعهّداتهم المالية للمقاولين المحليّين، وهو ما أدى إلى إيقاف بناء هذه النقاط الصحية من طرف عدد من المقاولين المحليين، وذلك إحتجاجاَ على ما قالوا إنه "تلاعب المتعهّد للمقاولين بعهوده، وعدم مراعاة خسائرهم الكبيرة الناتجة عن إرتفاع أسعار مواد البناء في فترة من الفترات"، لكن قُرًى عديدة حصلت في نقاطها الصحية نفس المشكلة التي عانت منها الدوشلية، لكن السكان تدخّلوا وتعهدوا للوسيط القائم بالعمل، بالتعويض الكامل له عن خسارته، وبعض القرى إستخدم نفوذه لدى السلطات العليا للتعويض للمقاولين المحليين حتى يُكملوا البناء .. أما سكان الدوشلية، فلم يتمكنوا بسبب الأعباء المادية الكبيرة التي تحمّلوها في بناء حنفية ثانية (وهي لم تكتمل بعد أيضاً) من تعويض وسيطهم حتى يُكمل لهم نقطتهم الصحية، كما لم يستخدموا نفوذهم لدى السلطات العليا لإنهاء هذه المشكلة .. ربما لأنه غير موجود .. أو لأنهم ما زالوا يصدّقون ـ أو بعضهم ـ الوعود البرّاقة لبعض ممثلي هذه السلطات، وهي الوعود المبشّرة دائماً بوجوب الإنتظار وعدم الإستعجال؛ لأن ساعة الفرج أصبحت قاب قوسين أو أدنى، وبحلولها المرتقب ستنقشع زوبعة الكابوس المُخيف الذي ظل يُؤرِق سكان هذه القرية مدة عقود، ألا وهو إنعدام الخدمات الصحية.

أبوبكر ولد إحميّد
أستاذ جامعي

الأربعاء، 14 أكتوبر 2009

الدكتور أبوبكر ولد إحميِّد
يكتب للمذرذرة اليوم عن الدوشلية (1)










قرية الدَّوشليَّة .. تنميةٌ مُتعثِّرةٌ.. وإصرارٌ على الصُّمود والبقاء..!
تقع قرية "الدوشلية"، ثاني أكبر القرى ببلدية "التاكلالت" بعد قرية التاكلالت، في أقصى الشمال الغربي لما كان يُعرف قديماً بمنطقة "إيكيدي"، وتبعد عن المذرذره بحوالي 40 كيلومتراً ناحية الشمالية، ومن التاكلالت حوالي 30 كلمتراً من جهة الشمال الغربي، وتحدُّها من الغرب "تنيخلف" و"بقّاس"، ومن الجنوب الغربي "انيفرار"، ومن الشرق "انتيمركاي"، ومن الشمال الغربي "آمنيكير".
ويبلغ عدد سكانها حوالي 1200 نسمة تقريباً.
وتُعيد بعض الروايات الشفوية المتداولة سبب تسمية هذه القرية بـ"الدوشلية" إلى أن من قام بحفر بئرها الأصلية رجل من قبيلة "إِيدَيْشِلِّ" المعروفة؛ إذ نُسبت إليه، فسُميت بـ"الدوشلية"، وذلك في خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تستقرّ في مركزها الحالي بدءاً من العام 1981 من القرن نفسه.


نشأةٌ فرضتها الظروف..!
لا تقف أي أسباب موضوعية، سواء كانت إقتصادية أو سياسية، وراء نشأة قرية الدوشلية في موقعها الحالي؛ بل إن السبب الرئيسي الذي نعتقد أنه أدى إلى إستقرار سكان هذه القرية في موقعهم الحالي يعود إلى ظروف الجفاف الحادِّ الذي عرفته المنطقة عموماً في سبعينيات القرن الماضي؛ الأمر الذي أجبر السكان على الإستقرار فيها، وذلك حفاظاً منهم على بقية مواشيهم التي نجت بأعجوبة من موجة الجفاف الشديد، راضين من الغنيمة بالإياب، ومُفضّلين البقاء ومواجهة الأمر الواقع على تَرحال لا تُحصى أتعابه، ولا تُضمن نتائجه.


واقعٌ ثابتٌ.. رغم المُتّغيّرات..!
لم تعرف قرية الدوشلية منذ نشأتها قبل حوالي ثلاثة عقود أيّ استفادة تُذكر من مشاريع التنمية التي أعلنت عنها الحكومات المتعاقبة على موريتانيا، وظلت تنحصر إستفادتها في الوعود البرّاقة التي يُطلقها ـ عادة ـ بسخاء مُنتخَبو المقاطعة، ومُمتهنُو السياسة فيها؛ لاسيّما في فترات الحملات الإنتخابية، هذا طبعاً إذا استثنينا الحنفيّة الوحيدة التي إستفادتها القرية من مشروع المياه القروية الذي أنجزته اليابان في نهاية العام 1995.
أما مشاريع التنمية الأخرى، من قبيل الخدمات الصحية، وبناء مشاريع تنموية حقيقية، تعليمية، أو زراعية أو غير ذلك، فتلك من المصطلحات الشائعة والمعروفة في الخطابات السياسية لمنتخبي المقاطعة، الذين لا يتذكرون هذه القرية "المنسيّة" إلا عندما تحاصرهم الإنتخابات.. أما السكان فقد سئموا الوعود "الموسمية" التي إقتنعوا أخيراً أنها هي حظهم؛ إذ أصبحوا لا يثقون فيها؛ بل قرّروا في صُمودٍ يشوبُه اليأس، مواجهة واقعهم الصعب، والعزوف عن إستجداء سُلطاتٍ "إنتهازية"، مَلُّوا وعودها الكاذبة، التي "لا تُسمن ولا تُغني من جوع".


أبوبكر ولد إحميّد
أستاذ جامعي


الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

طبل المحصر

يوجد الطبل كرمز للسيادة لدى جل الإمارات، كما توجد طبول فرعية لدى بعض القبائل ذات الشوكة القريبة نسبا أو سياسيا من القبائل الأميرية.
وإن كانت طقوس وأدبيات الطبل الأميري تحتاج إلى البحث المعمق لفك بعض رموزها ومعانيها التاريخية، فإن من أهم ما يميز الطبل في إمارة الترارزه (مثلا) جلده الذي لا يصنع إلا من بقر قبيلة معينة تعظيما لعلاقة كانت قد ربطت إحدى أسرهم بأحد الأمراء الأوائل.
وكانت القبيلة الأميرية في حالة تعذر الحصول على بقرة لتلك القبيلة، بسبب المسافة أو غير ذلك، تشتري بقرة من أي كان وتضع عليها ميسم تلك القبيلة.
توجد داخل طبل الإمارة قطعة من نحاس أول طبل تروزي كان عند الأمير المختار ولد أعمر، كما توجد بداخله تمائم وأدعية ومسائل أخرى.
يلزم على من كلف بتجليد الطبل أن يغمض عينيه كي لا يرى ما بداخله.
يضرب طبل الترارزه ضربا خاصا يعبر عن مختلف الظروف؛ فـ"أراتيم الفزعه" هي "صفارات الإنذار" بالمعنى العسكري الحديث.
و"أراتيم" هو الضربات السريعة، و"الفزعه" مشتقة من "الفزع". و"أراتيم الفزعه": ضربات سريعة متتالية، يستخدم فيها مضربان ولا تتوقف إلا عند اجتماع كل أبناء الحي من القادرين على حمل السلاح بغية الدفاع أو الهجوم.
أما الرحيل فضرباته ثلاث (ضربة وضربتان، ضربة وضربتان)، وتستخدم هذه الصيغة أيضا لتنبيه من ضل الطريق أو من تخلف من الحي على أن تكون الصيغة عكس الأولى: ضربتان فضربة، ضربتان فضربة. ويضرب الطبل للتوقف والمكث بأعداد أقل وأبطأ وتيرة من "أراتيم الفزعة" مع استخدام مضراب واحد.
وكان ضرب الطبل للنفير أو غيره خاص بأبناء نبلاء القبيلة أو المقربين على أن يكون الضارب على قدر من الجمال والطول.

التيسير الثقافي
الصورة لطبل المحصر سنة 1934

mederdratoday@gmail.com

السبت، 10 أكتوبر 2009

روبرت زوليك في التوفيق
إبرايتن وودز والعلك


عندما تسأل موريتانيًا، أين تقع بلدة "التوفيق"؟ .. سيحار، لأن البلاد تحوي عشرات القرى التي تحمل مثل هذا الاسم.. وأسماء أخرى من قبيل "مفتاح الخير"، "زمزم" "الفرات".. كلها أسماء لعديد القرى التي تنام أكثريتها بين كثيبين.
"توفيق" أخرى قفزت إلى الواجهة.. لقد حط روبرت زوليك مدير البنك الدولي بشحمه ولحمه فيها، وإخترقت طائرته العمودية جدار الصمت الذي يسود القرية الوادعة في أطراف "الخط".

"الخط" فضاء جغرافي، هو ميدان صبابات إمحمد ولد هدار الكبير، فـ"أهل إجريفين" كانوا يتربعون "أوهامه"، ولإبن أحمد يوره حكاياه معه، فهو "الدليل" المتمرس بتضاريسه، منذ أن أبدع طلعته، في طريقه إلى "اكدم تنيدر".. وآخرون كانت بصماتهم منغرسة في رمال الخط وقتاده.

الخط، اليوم إحدى خمس بلديات تتبع لمقاطعة المذرذرة، بالإضافة إلى المذرذرة المركزية وتكند وإبير التورس والتاكلالت، يحاول أهله بإستماتة عبور الماضي، الذي تفرضه عليهم عوامل الطبيعة القاسية، إلى بوابة الحاضر المشرعة على القرية الكونية.

المسيّر الأول لأهم مؤسسات "بريتون وودز" تلك التي تحكم الخناق على أعناق دول العالم الثالث التي تحجم عن السير في ركاب "رأس المال" الجشع والجبان في آن واحد، يقف بين أهالي "التوفيق" ويستمع بهدوء إلى خطاب يلقيه العمدة الوقور، وقد إعتمر عمامته البيضاء، وتحدّث باللغة العربية، ومترجم زوليك يستبسل في نقل عبارات الشيخ الشنقيطي إلى لغته اللاتينية، أو إلى لغة مؤسسته السكسونية.
أبو بكر ولد بده عمدة الخط، وهو رجل دين وشاعر، أعاد ناخبوه تنصيبه عمدة للبلدية، يتحدث عن طموحات أهالي بلديته ، إنهم في صراع مرير مع الرمال التي تحاول أن تكسب المعركة ضد القتاد.
القتاد أو "إيروار" كما يلفظه ساكنة المنطقة، أو "أوروار" كما يسميه قاطنو مناطق أخرى من البلد، كان عنوانا للحياة، ولاعبا رئيسا في صراعات الأروبيين على المنكب السائب، الهولنديون بنوا لأجل مقايضة المواد التجارية به ميناء هدي، أو "بور تانديك" كما يفضلون تسميته، ربما هروبا من الإسم الذي يوحي بملامح موريتانية.
الصمغ العربي هو إبن القتاد .. والقتاد هو الشجر الأثيل عند ساكنة المنطقة قديما، كانوا "يفزعون" إليه.. وتمتلئ الجراب بـ"العملة الصعبة".. كاد أن يغدو جزءا من التراث.. ولوحة قديمة في متحف التاريخ الطبيعي الموريتاني.
خاض العلماء الموريتانيون معارك فكرية شرسة حول "طعمية الصمغ من عدمها".. الفقيه الأكبر أحمد ولد العاقل وآخرون رأوه طعاما، فيما ذهب علماء متأخرون عليه زمانيا من قبيل محمد محمود ولد الواثق إلى عدم طعميته، مستدلّين بأن الطعام هو ما صح أن يكون قواما للشخص، كالقمح وما أشبه.. لسنا –على أية حال- بصدد ترجيح أي موقف، لأننا ببساطة لا نمتلك أهلية ذلك، لكن ما نسعى له هو التدليل على ما كان لهذه الشجرة الشوكية من أهمية في حياة الموريتانيين.
بطبيعة الحال، تعكس النوازل الفقهية إهتمامات الشعب الموريتاني، وهي كما يؤكد ذلك الدكتور محمد المختار ولد السعد، المعتكف في محراب التاريخ الموريتاني "مرءاة عاكسة لحياة الموريتانيين الإقتصادية والإجتماعية"، ولد السعد نقّب في مجاميع إفتائية عديدة، إحتل الصمغ فيها مكانته اللائقة.

تساءل ظرفاء موريتانيون، هل يسعى البنك الدولي إلى إعادة ربيع تجارة العلك ؟ سيما وأن له دخولا في صناعات عديدة، من بينها صناعة الدواء.. وقد عرف الموريتانيون ذلك من قديم، عندما كان يحتل مكانا متقدما في عيادة "أهل أوفى" وغيرهم من أسر التطبيب الموريتانية.. "عمدة أوفى" المرجع الطبي الأول بساعد موريتاني، وأحد المتون في المحظرة الموريتانية الجامعة إحتفى بالصمغ.
يمتد مجال الصمغ العربي من الصومال في القرن الإفريقي، وصولا إلى موريتانيا على الشاطئ الأطلسي، مرورا بالسودان وتشاد والنيجر ومالي.. ويبدو أن إمبراطوريته المهيبة قد غربت عنها الشمس.

لم يكن روبرت زوليك يسعى بالتأكيد إلى بعث الروح في تلك التجارة الغابرة.. وإنما كان في زيارة تفقد للإطلاع على سير مشاريع تموّلها مؤسسته في بلدة التوفيق.
لم يتظاهر ساكنة القرية الصغيرة ضد مدير المؤسسة الإستعمارية، كما يسمّيها هيغو تشافيز، رئيس فنزويلا الأحمر، الحمرة ليست من الدم، وإنما من مبادئ ماركس اليسارية، مؤسسات بريتون وودز، التي تقابل بتظاهرات ضخمة في عدة عواصم.. فالقوم لا يسيئون إلى الضيوف، أحرى إن كانوا يموّلون مشاريع تنموية تخدمهم، لأن ذلك ببساطة يدخل في إطار نكران الجميل.

محمد ناجي ولد أحمد
الإرشيف

mederdratoday@gmail.com

الجمعة، 9 أكتوبر 2009

خواطر على طريق الوفاء

لم يتغير الكثير من معالم المشهد اليومي، في تلك القرية الصغيرة التي غادرها منذ خمس سنوات .. بدأت هذه الحقيقة تتأكد لصاحبنا حتى وهو ما يزال في محطة النقل بالعاصمة؛ نفس الوجوه والشخوص ونمط التعامل الذي اعتاده خلال سفراته العديدة بين قريته الأم والعاصمة، بضع سيارات متهالكة فعل فيها تعاقب الغدو والرواح على الطريق الترابي فعله، … جل السائقين أميون احترفوا المهنة صدفة أو كمخرج من أزمة البطالة المستشرية في صفوف شباب القرية كغيرها من حواضر موريتانيا.
إختار صاحبنا مقعده في مقدمة اللاندكريزر، عن يسار فتاة سمراء، إكتشف لاحقا أنها تنتمي لواحدة من أعرق عائلات قريته، وكان السائق منهمكا في توضيب نظاراته السوداء، وشرب سجائر الكونكرس، والإستياك أحيانا بعود إثل طري، دون أن يكلّف نفسه عناء تلطيف الجو بنكتة أو حكاية يسوقها لركابه، يستميلهم بها كزبناء دائمين.
أما الفتاة الواثقة من نفسها -وربما من مكانتها الإجتماعية المرموقة- فهي أبخل بالكلمات من سائقنا الذي كان يضع ساعتين في معصمه الأيسر.
بدا الطريق المعبّد بين نواكشوط وتكند طويلا ومملا، لم تقطع رتابته سوى تلك التجمعات المتفاوتة في حجمها والمتناثرة على جنباته، بعضها يحمل أسماء عريقة كأكفرده - بوجمه - التويرجه … وأغلبها إكتسب تسمياته من طول المسافة التي تفصله عن العاصمة كالكلم 35، 48، 65 …بعض المواضع على هذا الطريق لها بعد تاريخي خاص؛ مثل مقبرة ترتلاس، الوقعة الشهيرة بين الزوايا والمغافرة (ق 11هـ / 17م) التي استشهد ودفن بها الإمام ناصر الدين مع عدد من صحبه، وعند ترتلاس كذلك قبر الأمير خفير السفن عاليت بن المختار بن أعمر بن أعل شنظورة التروزي.
وفي مؤخرة اللاندكريزر إنتظمت شبكة علاقات لمجتمع صغير، أملتها ربما ضرورة التقارب الجسدي في مساحة ضيقة، مجتمع القرية في صورة مصغرة؛ تاجر قطاعي قصد العاصمة ليعود ببضاعة متنوعة، سيدة كانت في رحلة إستشفاء رفقة وليدها، شباب عائدون إلى موطنهم في عطلة نهاية الأسبوع، والمؤكد أن ركاب مؤخرة اللاندكريزر كانوا أكثر أريحية من رفيقي صاحبنا في المقدمة، إذ تناهت إلى سمعه أصوات ضحكاتهم عدة مرات، ربما لأنهم في فضاء مكشوف ومفتوح على الأفق الرحب، في ذلك المساء الآفطوطي اللطيف، وقد يخيل إلى بعضهم -وهم قريبوا عهد بالبداوة- أنه على ظهر جمل يقطع به سهل آفطوط الساحلي، فينشرح صدره وتتهلل أسارير وجهه، على عكس الركاب المحشورين في صندوق المقدمة، الذي يشبه زنزانة سجن ضيقة، لم يخلصهم منها -ولو إلى حين- إلا ظهور قرية تكند الوادعة بمحلاتها وبيوتها المتواضعة.
ومن تكند ينطلق طريق ترابي بطول 48 كلم، أطلق عليه سياسيوا المذرذرة ذات يوم إسم طريق الوفاء، ربما تفاؤلا، وهم على كل حال يسلكونه دوريا وفاء للصنكة.

سليمان ولد حامد‘‘

mederdratoday@gmail.com

الأحد، 4 أكتوبر 2009

مدوّن من نوع آخر
ثلاجته .. دفتر تدوين


حين فقد أعز شخصين في أسرته، هاله الموقف، ومع ذالك بدأت هوايتة في تدوين كل حدث مهما كانت قيمته أو معانيه، رحيل من كان يهفو إلى حضنه، أورثه حب التدوين، وبات بين أهله ومعارفه، مدون الأحداث والعارف بتاريخ الراحلين عن هذه الدنيا.

في العام 1987 بدأت أولى محاولاته التدوينية، وزاده إهتمام الناس بهوايته هذه تمسكا بها، فأصبحت تتصدر إهتماماته، وتثير في نفسه رغبة جامحة في مواصلة فعل قلّ وجود المهتمين به، أو الراغبين فيه، رغم ما للتدوين من أهمية في المحافظة على الذكريات، حلوة كانت أو مرة.
شغفه بالتدوين إضطره إلى إستعماله ثلاجته بواجهاتها الثلاث، على أنها صفحات في مذكرته التي دون فيها قضايا لا يجمع بينها إلا أنها تدوّن منه على ثلاجة مرة، وعلى مقتنيات مكتبية مرات أخر.
قضيته أثارت اللغط، وإنقسم الناس بين معجب بها، وغير مكترث أو واع بقيمتها وأهميتها، ورغم ذلك وإلى هذه اللحظة، ما زال هذا المدون يستحضر الذكريات والتواريخ، ويصنع من كل شيء دفترا وكتابا للتأريخ.

التدوين الغريب
مستبشرا وضاحكا، يجلس المختار ولد الخضر، المولود سنة 1967 في مدينة المذرذرة، وهو يجمع شتات أفكاره، ويبحث عن طريقة لممارسة فعل تتشظى معه ذاته، فيبدع أيّما إبداع، المختار ولد الخضر القاطن في الميناء في حي مكة1 يعتبر أن عمله هذا هواية محبذة، فيها من السحر ما يدفعه لممارستها دون البحث في الطريقة التي معها أو بها يتعامل الناس، رغم غرابتها، ويبين أنه منذ العام 1987 وهي تنمو ويجد فيها من المتعة ما يدفعه للمواصلة رغم مطبّات الطريق، وبيّن المختار أنه بعمله في المعهد الموريتاني للبحث العلمي، وجد ما يدفعه أيضا لممارسة فعل التدوين هذا.
المختار ولد الخضر يؤكد أن إهتمامه بممارسة التدوين، جاء رغبة منه في أن يكون مستقبلا، مؤرخا، ولأنه يرى أن توثيق الأحداث التاريخية أمر مهم، مضيفا أنه يدوّن العديد من المناسبات المهمة على المستوى الدولي، كإغتيال الرئيس الراحل الحريري، الذي إعتبره من بين الأحداث التاريخية التي أولتها وسائل الإعلام العربية والدولية الكثير من الإهتمام، مما بوّءه مكانة خاصة في قلبه، معتبرا أنه بعمله في مجال التدوين بات قبلة السائلين عن تواريخ وأحداث مهمة، خاصة بين أبناء قريته، لأن عمله في هذا المجال سمح للكثيرين بالتعرف على تاريخ حدث مهم في حياتهم، ما كان لهم أن يعرفوا تاريخه لولا إهتمامه هو به.
وأضاف رغم أنه لم يحصل على أي إهتمام من لدن الجهات الرسمية، إلا أنه عازم على المواصلة في عمله هذا، معتبرا أن موريتانيا أرض العلماء والأتقياء، لديها من الأحداث التاريخية ما يستحق أن يتوقف عنده المؤرخون والمهتمون بالتدوين، ذلك أن الحدث أيا كان لا يمكن أن يجد قيمته أو أهميته إلا بتدوينه، لأن التدوين فرصة للأجيال القادمة، لكي تتعرف أكثر على ثقافتها وعلى تاريخها وأهم الأحداث التي غيّرت مسار تاريخها.
المختار ولد الخضر يعتبر من ناحية أخرى أن غياب الإهتمام بأصحاب المواهب في شتى المجالات، أمور من بين أخرى ساهمت في بعض الوقت في تثبيط همته، قياسا إلى أن هوايته هذه تحتاج لمن يبعث فيها الحياة من خلال التشجيع، ولو كان معنويا، لأن في ذلك تعبيرا -حسب ولد الخضر- عن قيمة هذه العملية وأهميتها، مضيفا أن إصراره على ممارسة هوايته -حتى ولو كان ذلك على حساب جمال بعض أدواته المنزلية- أمر يعبّر عن مدى حبه لهذه الهواية، ورغبته الجامحة في أن تصبح مهنة للكثيرين.
المختار ولد الخضر، كان يتمنى أن يتجاوز الإهتمام بهوايته، البسطاء من المواطنين، إلى أصحاب النفوذ، لأنهم القادرون على الإستثمار في مثل هكذا عمل، قائلا أن تدوينه على مختلف الآلات المنزلية فكرة رائعة طالما حبذها العديدون، وتمنوا أن يتم جمعها في مكان، حتى تكون مزارا للمهتمين بالقضايا الغريبة.


بون ولد إميده
رئيس إتحاد المسرحيين