السبت، 14 أغسطس 2010

الدكتور محمد الحافظ ولد اكاه
في مقابلة خاصة (3)

هل من رؤية تقييمية لمنهج المحظرة في التدريس؟


أسمع كثيرا عن ضرورة تطوير المحظرة، المهم عندي أن يحصل التعلم وبأي طريقة توصل إلى نتائج تعليمية مقبولة، وأذكر وأنا طالب في المغرب، يدرّسنا الدكتور أمجد الطرابلسي، وهو وزير سابق للتربية والتعليم في حكومة الوحدة بين مصر وسوريا .. ولما وقع الانقلاب العسكري على الوحدة، كان وقتها في زيارة للمغرب، فمكث فيها أستاذا للنقد في جامعاتها، وكان قد حصل على الدكتوراه سنة 1945 بإشراف الفرنسي ريجيس بلاشير، وكان يدرّسنا النقد، وقرّر علينا كتاب فن الشعر لأرسطو، وكان يدرّسنا عبر نسختين، عربية وأخرى فرنسية رصينة جدا، ويملي علينا مقاطع منها، ثم يطلب منا أن نقرأ مقطعا من المقاطع، ثم يعود إلى كل كلمة منه ويشرحها شرحا مفصّلا، يستوعب كل مضامينه الدلالية، فكنت أقول حينئذ إن أستاذنا الطرابلسي "يدرّسنا كما لو كان شيخا من شيوخ المحاظر في موريتانيا، يجلس على "إلويش".
وأمجد خاطبنا مرة قائلا "بعد بحث طويل، ومران مع كل مناهج التدريس، تبيّن لنا أن هذا المنهج الذي نستخدمه هو الأقوم والأسلم والأقدر على تدريس هذه المعارف" فكانت هذه شهادة للمحظرة من رجل درس في الغرب دراسة التخصص والتعمق.

فترة السبعينيات كانت فترة انتشار للتيارات السياسية والفكرية في البلد أين كنت من ذلك ؟

ولد اكاه: في الثانوية الوطنية التي كنت أدرس فيها، كانت الساحة منقسمة بين اليسار، وحركة القوميين العرب، وكلا الحركتين لم تجتذبني ولله الحمد.

ومتى سيظهر التيار الإسلامي ؟

ولد اكاه: لاحقا .. مع النصف الأخير من السبعينيات، سيظهر التيار الإسلامي في موريتانيا .. وأعتقد أن تلك الظروف مهّدت لها أسباب متعددة من بينها

1- انتشار الشريط، والكتاب الإسلامي، ودخولهما إلى البلاد.
2- انكسار الهالة الناصرية التي كان من ضمن نماذجها الحملة التشويهية ضد الإخوان المسلمين وتقديمهم على أنهم عملاء للولايات المتحدة الأمريكية وللصهاينة.
وأذكر من أوائل الذين حملوا فكر الإسلاميين، وفكر مدرسة الإخوان المسلمين بشكل خاص، الأستاذ الفاضل المفتش محمد يحي ولد بباه، والشيخ الدكتور محمد الأمين ولد مزيد، وأحمد ولد سيدي محمد، وغيرهم .. وكنا نسمّي منزل أهل الأخ محمد يحي ولد بباها في لكصر، بدرا الأرقم.

ماذا عن ظروف النشأة ؟

ولد اكاه: كأي فكرة وكأي دعوة .. ستواجه ظروف النشأة مصاعب كثيرة .. وفي هذا اختبار للشباب الآن، لكي يصونوا هذه الدعوة التي بين أيديهم فيحافظوا على الأساس والفكرة الجامعة.
أنا أذكر مثلا في المغرب عندما كنت طالبا في جامعة يدرس فيها عشرون ألف طالب، كانت هناك فتاة واحدة ملتزمة بالزي الإسلامي، وعندما حاول الشباب الإسلامي هنالك إقامة صلاة الجماعة في ممر السكن الطلابي،ك ان أحد الطلاب يؤذن فجاءت جماعة من الطلاب اليساريين وأسقطوا عليه حجرا ضخما جدا، ولكنه نجا من موت محقّق، وأصبح المؤذن يحتاج إلى حراسة قوية حتى يستطيع إعلان الصلاة.
وأذكر ذات مرة أن دخل بائع متجول يحمل بعض الكتب الإسلامية إلى الجامعة، فضربه بعض الشباب اليساري ضربا مبرّحا، وطردوه من الجامعة، وحينها رد الشباب الإسلامي بتنظيم معرض للكتاب الإسلامي، واتفقوا مع مؤسسات ودور نشر على ذلك، وأعدّوا ساحة عرض، فهاجمتهم أمواج بشرية هائلة، وارتفعت شعارات معادية للإسلام ذاته، وإن كان الشباب فرضوا على المعرض طوقا بشريا، وقاوموا أشد المقاومة.

أذكر شابا سودانيا كان معنا في الجامعة، ولم يكن ملتزما بالشعائر الإسلامية، وفوق ذلك كان ثقيلا جدا، فعندما يأتي إلي في السكن الطلابي، يستلقي على الأسرّة العلوية، ويأخذ كتابا، ويقرأ بصوت مسموع جدا، قبل أن يأخذ منه النعاس فيسقط الكتاب من يديه، فربما سقط على أحد الجالسين، هذا الشاب تحوّل من ذلك اليوم إلى رجل من رجالات الإسلام المعتبرين، وقال لي "هذه حرب على الإسلام"، ودخل في عراك عنيف مع اليساريين، ولم تفض هذه المعركة إلا بتدخل الشرطة.

أذكر كذلك من مظاهر البعد عن الإسلام وروحه، أنه كان لي صديق يدعى عكيف، وكان شابا طيبا يسعى إلى بناء مسجد في حيّه في فاس، وكنت أذهب معه إلى تعاضدية طلابية أيام العطلة الأسبوعية، ومرة ذهبت معه ووجدت معه صديقا مغربيا، وبادرني هذا المغربي قائلا بالدارجة المغربية "ما رأيك أن نذهب إلى المدينة ونأخذ سكرة"، أعاذنا الله وإياكم .. فغضب عكيف، وقال له، ألا تستحي ؟! هذا رجل موريتاني يصلي، وليس من أصحاب السكر .. والتفت إلي عكيف، وقال لي "هذا شخص استنفد كل سنوات الرسوب في أكثر التخصصات ،وهو الآن طالب في كلية الشريعة ولقد انتخبت معه في تعاضدية طلابية وسأنسحب منها نتيجة لسلوكه"، فرد عليه الشاب قائلا "واخا غادي نروح عند العميد اديالنا وسوف يسحبك"، بمعنى يصادق على انسحابك، فضحكت من غرابة هذا العربية الغريبة .

وبالتالي، بناء على ذلك يمكن أن تتصور صعوبة البدايات .. وبالنسبة لموريتانيا، فقد كان مجرد اسم الإخوان المسلمين، أو الإخونجيين، يعني لدى بعض المغرورين للأسف "العملاء"، وكان ذلك جزءا من حملة الإيذاء والتشويه التي تعرّض لها الإخوان المسلمون في مصر، والتي أصبحت جزءا من أدبيات التصور السياسي والفكري المناوئ للإسلاميين، وللفكرة الإسلامية في تلك الحقبة، ثم إن قلة الأفراد الذين يحملون هذا التوجه الفكري، وكونهم في الغالب من قطاع التعليم، طلابا أو معلمين أو أساتذة، كان له دور في محدودية الإنتشار حينئذ، رغم ما عاد به من فوائد جمة لاحقا.


mederdratoday@gmail.com
Tel 2240979

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

مقابلة محترمة