المذرذرة اليوم
من غريب الصدف
من غريب الصدف بعد الإبحار في بعض المواقع الالكترونية الاطلاع على موقع المذرذة اليوم، وقد انبهرت بثراء هذا الموقع وانفتاحه على رواده والمواضيع التي يعالجها، وأستوقفني بحث يتناول صاحبه احد أهم القضايا الاجتماعية المسكوت عنها ألا وهي: (شريحة الصناع) "لمعلمين "، والنظرة الاقصائية والتهميشية الممارسين على نطاق واسع في حقهم من مختلف الأوساط الإجتماعية.
ويبدو أن كاتب المقال أو البحث الأخ محمد فال ولد بومبيرد قد تناول الموضوع بقدر من الاسهاب والتفصيل، مذكرا ببعض تلك الانتهاكات في حق هذه الشريحة العريضة من المجتمع الموريتانى محاولا إبراز اسباب هذا الظلم والحيف في حقهم، وقد أضطلعت على بعض الردود والتعليقات وان اختلفت اختلافا بينا في نظرتها للموضوع، وهذا لايفسد للود قضية فطبيعة هذه المواضيع الحساسة كما ينظرإليها البعض لا يوجد فيها اجماع في الرأي، و قد خلصت الى ملاحظتين اساسيتين:
- الملاحظة الأولي: أنني أشيد بكل الذين علقوا على هذا البحث بكثير من الايجاب ودعوا الى اثرائه وتحليله متملصين من تلك النزعة العنصرية والطبقية الضيقة المقيتة التي أوصلتنا الى ما نحن فيه من عدم الانسجام بيننا والأحقاد الدفينة في نسيج بعض مكوناتنا الاجتماعية. فالجميع يعلم تلك التيارات والقوميات التي أتخذت هذا التفاوت الطبقي مشعلا للنضال من أجل قضايا أزعجت الكثير.
لقد آن الأوان ان نبتعد عن الهواجس والحساسيات وتعمد التعتيم على بعض الظواهر السيئة في مجتمعنا والمنافية لقيم ديننا الحنيف الداعى الى المساواة إلا في التقوى، يقول الله تعالى: (ان أكرمكم عند الله أتقيكم)، وعدم السخرية من الآخر، يقول تعالى: (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خير منهم و لا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا من هن...).
وان كنت هنا لست في موقع يخولني تفضيل فئة على أخرى, فتناول هذا الموضوع و إثراؤه والغوص في اشكالياته ومبرراته لاشك سيساهم ليس فقط في تبيان الحق من الباطل بل في القضاء على بعض الظواهر الاجماعية الاقصائية والنظرة الدونية الغير مبررة التي ينظر بيها البعض الى شرائح أخرى نعرفها جميعا دون ذكرها وبالتالي ستكون مساهمة قيمة في خلق تجانس مبني على اخوة الدين والعرق بين مختلف مكونات مجتمعنا المسلم.
فشريحة ما يوصف محليا استهتارا و ازدراءا ب( لمعلمين) عانت علي مدى عقود كثيرة قدرا كبيرا من الظلم وزيف الحقائق والتهميش, والغريب في الأمر أن هذا الاقصاء والنظرة الدونية ليسا ناتجان عن اختلاف عقائدي أو مذهبي كما هو حاصل في مجتمعات أخرى البعض منها مازال يكتوي بنار هذه الخلافات العقائدية والمذهبية وتهدد كياناتها كدول. كما أن التسامح و التآخي اللذين يطبعان المجتمع الموريتاني في تشبثه لدينه الحنيف وقيمه النبيلة لم يشفعا لهذه الشريحة في نيل قسط من الانصاف والتقدير.
- الملاحظة الثانية: أنني أهيب بالذين أظهروا بعض امتعاضهم من هذا البحث أن لا ينظروا اليه من الزوايا التقليدية القائمة على التوجس والحساسية كما كان معمولا به في قضايا أخرى نعرفها جميعا رغم احترامي المطلق لأرائهم فالموضوع لايعدو كونه إرثا اجتماعيا سيئا شأنه شأن باقى الأمراض الاجتماعية السيئة التي تجب معالجتها في إطار من الود والتروي بعيدا عن الهروب من الواقع والتعتيم والسكوت, حتى من أبرز مثقفينا للأسف شأنه في ذلك شأن باقى الأمراض الاجتماعية الأخرى من عنصرية - وطبقية – وقبلية - وجهوية... التي مورست على شرائح عديدة أخرى تنتمي إلى هذا الوطن الغالى علينا جميعا.
أما الاتهامات الجزافية التي أوصلت البعض إلى تشبيه صاحبه البحث ببعض رموز التيارات الأخرى، أمرا في غير محله ومجاف للحقائق وان كنت هنا لا ألوم أصحاب هذا الطرح لأنهم ربما يكونوا مازالوا للأسف حبيسى تلك الأطروحات الطبقيه الضيقة. وفي هذا المضمار أشيد بالمقال الذي كتبه الصحفى الكبير أمربيه ولد الديد في هذا الموضوع بما ورد فيه من تجرد للذات وموضوعية عهدناها في كتاباته.
فدعونا نعترف بأن هنالك كثيرا من التجنى على هذه الشريحة رغم ما ساهمت به على مر العصور من بناء هذا المجتمع و اثراء موروثه الحضارى والثقافى قبل أن ترى الدولة وكيانها النور. ولكم أن تتصوروا ما كان يوفره الصانع التقليدي رغم شح الوسائل من مقومات الحياة للأسر الموريتانية بشكل خاص و المجتمع الموريتاني بصفة عامة في ظروف كانت جد قاسية, و إن كان البعض من المنصفين يرون أنه لم يرد له هذا الجميل بشكل صارخ.
هناك تعليق واحد:
أعلم يا استاذ أن التاريخ مر بحيثيات يصعب علينا اليوم تقييمها إلا أننا نعلم أن مجتمع أجدادنا تعامل معها كما لو كانت مفروضة.
ثم إن هـــذه الحيثيات تركت مخلفات يعاني منها الجميع :
فذكاء لمغافرة الثقافي و العلمي الذي نشهده اليوم تنكرت له تلك الحقبة.
و شجاعة الزواياو خبرتهم في القيادة التي عرفناها منذ الإستقلال تنكرت لها كذلك تلك الحقبة.
و تفوق إيكاون الإجتماعي و خبرتهم في التعبير و الإتصال لم تهتم بها تلك الحقبة.
و لا شك أننا اليوم لا نزال ضحية مخلفات تلك الحقبة و لمعلمين شريحة من مجتمعنا عانت مما عانينا منه.
و أنا لا أشك أن لمغافرة سيأخذون مكانهم في الثقافة و العلم و الفقه و المعرفة و أن الزوايا سيهتمون أكثر بالأمر العام و أن لمعلمين سيأخذون حظهم كاملا من الشهادات و المناصب بذكائهم الخارق للعادة و يتجاوزون العقدة و ليست كتابات محمدفال إلا بداية التطلع إلى دورهم و الله الموفق
إرسال تعليق