الاثنين، 9 مارس 2009

أدب البشير
1869 - 1935

البشير بن عبد الله بن "امباريكي" بكاف منعقدة وأصلها" المبارك"من علماء منطقة "المذرذرة" المشهورين، ولد سنة 1286هـ/ 1869 م وسط "إكيدي".
نشأ البشير نشأة زاهرة مفعمة بالجد وعلو الهمة والنهم في التحصيل ، فاستطاع بعد حفظ القرآن المجيد في سن مبكرة أن يمر على أغلــــب النصوص "المحظرية " في فترة قياسية للبشير ديوان شعر محقق يضم مجمل الأغراض المتداولة عند العلماء الموريتانيين، لكن أغلبه في المديح النبوي ويمتاز المديح عنه من بين أمور أخرى، أنه وظف بعض النصوص الجاهلية لمدح الرسول صلي الله عليه وسلم، كمعلقة امرئ القيس ومعلقة النابغة
كما قام ب"تشطير" قصيدة كعب بن زهير"بانت سعاد"..

مع قصيدة امرئ القيس/
ألا يا معين النفس في كل معضل***"قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل"
بجنبي ثنيات الوداع يلـــــوح لا ***"بسقط اللوى بين الدخول فحومل"

مع قصيدة النابغـــــة /
أشتاق مكة بين الغيل والسّعّـــــدِ ***"لا دار ميّة بالعلياء فالسنـــــــــدِ
وجدي حنيني إلى دور بطيبة قد ***"أقوت وطال عليها سالف الأبــد"

مع قصيدة كعب/
"بانت سعاد فقلبي اليوم متبول" ***والنوم والسهد مقطوع وموصول
والجسم بعد سعاد مدنف وصف***"متيم إثرها لم يفد مكبــــــــــــــول"

كما أن لديه مقطوعات"شعبية" مرصعة بكلمات من اللهجة "الحسا نية" وأخر من اللهجة "الألفية" حيث نظم بعضها وهو في "السينغال"
فيقول على سبيل المثال :

نرجٍّى من الرحمن من بعد"سِنْغانِ"***وبعد اضطجاعيّ بين"أحواشِ فلان"
وأصناف خلق غير مألوفة اللغــي ***وقول بني حام لنا "جَمٌنْكَ افْنــــانِ "
وأطعمة لم يألف الطبع أكلهــــــــا ****بها يسحر"البِزْ كِيٌ"عن أهل وأقران
كحامض ألبان وماسخ "كسكــس"****وكرش ومصران وعيش من"إيكجان"

ويقول أيضا:
ألاهل نري محضا حليبا"بِتِيدَاتِ"***بعيد قطيرات تباع "ببُوشــــــاتِ"
ينادي عليها كل علج ب"كولخٍ" ****فيدعي أيا "ابرُمّ مَيْوٍ"فيــــــــاتي
تخال تناديهم ب"مَيْوٍ" عتيمـــة ****تناديّ بومات الفلاة "بمومـــات"
نرجو من الله اجتماعا لشملنــا *****وصفو الليالي بعد ذي الكـــدرات

ويقول أيضا :
ليس التعلم موقوف على" النشب"****ولا بكثرة مايساق للحلــــــــــب
ولاب"درٌاعة"راقت خياطتهـــــا*****ولاب"تاسفرة" للوح والكتـــــــب
ولا"مزاود زرع" أنت تحملهــــــا****فخرا فتنفقها في اللهو واللعــــــب
هيهات هيهات لاتطمع به أبــــدا*****دون التواضع والأسفار والتعـــب
وهمةلاتزال الدهر تطلبهـــــــــا*****في حالة "الشطنة" والأكداروالتعب

من أشهر شعر البشير، مرثيته التي رثى بها الشيخ سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل القلقمي، وغنّتها الفنانة الكبيرة / النعمة بنت الشويخ في مقام" فاغو":

ألاياصحبتي عجوا فحيـــوا****ربوعا مابمربضهن حي
قفوا بالربع وابكوا فهو رشد***وبله ربوع عزة فهوغي
أيحسن بالمحب جمودُ عين****وقد لاح المنازل والنـــؤي
أياربعا بذي البركات أقوى****وغودر فيك سنا سنـــــي

إلي أن يقول :
فإما كنت شبرا فيك بحـر****وطود شامخ بدر بهـــــــي
فذا القرآن يجمعه جفيــــر****صغير الحجم تمثيل جلي

لكن هذين البيتين قد أدخلا البشير حرجا كبيرا ومحنة عظيمة حيث رماه أحد معاصريه بالردّة، عندما سمع القصيدة حيث قال - بحضرة صديق البشير محمد فاضل بن أحمد ليل اليعقوبي - ينبغي للبشير أن يجدد عقده ، فكتب محمد فاضل إلى البشير رسالة جاء فيها:

أما بعد / فيا خليلي البشير، فإني بالنصيحة عليك أشير، إدرأ عن نفسك بالحق في مرثيتك التي فيها أن شيخنا بحر ضمه قبر ومثل الضام الجفير الذي ضم القرآن فإن محمذباب بن ............في هذه الشتوة أتيته و معي محمد بن عبد الصمد... وسألني في تلك المسألة فقلت لابأس به لأن فهمي أنه يريد أن الضمتين متماثلتان لاأنه يريد مماثلة المضمومين، فأبى ...وقال " ينبغي للبشير أن يجدد العقد"... فإدرأ عن نفسك، وهذه نصيحة لا نميمة ...كتبه/
محمد فاضل بن أحمد دليل /عام ثلاث وأربعين بعد الألف والمائتين .

فلما وصلت الرسالة إلى البشير، كتب رسالة إلى العلماء جاء فيها /
... ساداتنا العلماء وفّقكم الله، نلتمس جوابكم فيمن قال في مرثية رجل مخاطبا لقبر بقوله :
فإما كنت شبرا فيك بحر****وطود شامخ بدر بهـــــي
فذا القرآن يجمعه جفير*****صغير الحجم تمثيل جلي

ومراده ضرب المثل لإمكان ما أدٌعِيّ من إحتواء الظرف الصغير على الشيء النفيس، مع علم هذا القائل، أن ضرب المثل عند البيانيين أقسام، والتشبيه لايقتضي مماثلة كل مفردة من مفردات المشبه للمشبه به ...

ومن مرافعات العلماء عن البشير-عندما وصلتهم رسالته- المرافعتان التاليتان:

كتب العلامة حامد بن محنض بابه بن عبيد ...
فإن مثل البشير لايحمل كلامه إلا على أحسن محامله، وأبعدها عن ما يؤدي إلى الطعن، وقصد الإستدلال على إمكان إحتواء حاو صغير على عظيم القدر، وبيان أن لاغرابة في ذلك بوقوعه في الجفير الحاوي للقرآن العظيم البالغ من عظم القدر إلى حد لايقدّر قدره ...

وكتب العلامة محمد سالم بن ألما...
فقد تأمّلت بيتي العالم الأبر، الحاج حامل كتاب الله تعالى وتاليه آناء الليل وأطراف النهار شيخنا البشير، نفعنا الله ببركته وبركة علومه، فإذا أنا لم يظهر لي مما تقُوٌل عليه فيهم قليل ولاكثير ... وما قلت هذا حسن خلق، بل هو الذي عندي ...

للبشير فتاوى عدة، يعتبرها الدارسون من جملة النصوص الثمينة، ومن أهم فتاويه، تلك المتعلقة بعدم طعمية "العلك" الصمغ لعربي، الذي أثارت نوازله جدلا حادا بين الفقهاء في منطقة "الكبلة" خلال القرنين الماضيين مع الطفــــرة التي عرفتها التجارة بين أصحاب "لبضولة" والمستعمر الأوربي، فإنقســـــم الفقهاء إلى فريقين، فريق يرى أن العلك طعام ولا تجوز "بديلته" بطعام آخر، أما الفريق الثاني فيرى عكس ذلك، وكان لكل منهما أدلته.

توفي البشير يوم الثلاثاء 14من ربيع الثاني سنة 1354هــ/الموافق 1935 م

يقول المختار بن المحبوبي في نظمه "وفيات الأعيان" مؤرخا لوفاة البشير
وعام"ند"موت الإمام أحمدِ****نجل محمد سليل أحمدِ
****************
والعالم بن "امباركي" البشير****مات به وحجه شهيـــر
من خشية الرحمن ذا بكــــاء*****كان وكان كامل الذكاء

محمد فاضل ولد الحسن
المذرذرة اليوم


mederdratoday@gmail.com

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

كنت أسمع ابيات البشير، التي تغنيها النعمة، لكن لم أكن أعرف قائلها ..