الأحد، 5 أبريل 2009

المذرذرة بين الأمس واليوم

تبدو لزائر المذرذرة للوهلة الأولى جدران المحصر وقد فجفجتها العاديات، ومحجة الحمويين شجرة الشيخ حماه الله) وقد انحنت للزمن الرديء، أوراق تنجغماجك الصفراء وقد تناثرت بفعل الشتاء، قبر زوجة الحاكم الفرنسي ( جبي) وقد نسقته الرياح، مشاهد سيناريوا تراجيديا مدينة المذرذرة عاصمة إمارة الترارزة قديما وقلعة الفرنسيين الأولى في موريتانيا، مدينة السيف والقلم.
المذرذرة إسم قريب وإن كان يوحي بتساقط شيء ما، إلا أن تتالي أحرفه وتكرار بعضها يجعل ناطقه يحس حركية تاريخ طويل.. تاريخ استمد ثراه وحركيته من صراع وتعايش حضارتين متنافرتين، هنا انطلقت الشرارة الأولى للنضال والثورة، هنا سطر النهضويون أفكارهم،و هنا خبأت النساء البنادق والقنابل في خدورهن.
فرض نظام ولد داده النظام الأول قبضته على المذرذرة وأذاقها الأمرين، فسجن أبناءها وعذبهم وشردهم وغربهم، سنين و يرحل الرعيل الأول بعد أن أدى دوره في واجب النضال ليبدأ الكادحون دفع عجلة التاريخ الوطني
والمفارقة أن الاستعمار الفرنسي كان أكرم مع المذرذرة من الأنظمة التي تلته، فقد ترك- وربما عن غير قصد ثقافة الثورتين الفرنسية والبلشفية ليكون هذا الزاد سببا بعد الاستقلال لرفض أبنائها لكل الصيحات الشوفينية التي نادى بها بعض المثقفين آنذاك من قومية وعنصرية، ولهذا كانت المدينة مسرحا لهذه الثورة التي دعت إلى وحدة وطنية حقيقية وتوزيع عادل للثروة، وجدران المذرذرة العتيقة مازالت حتى وقت كتابة هذه الأسطر شاهدا على ذلك، وكرد فعل على هذه الثورة بدأت مرحلة أخرى من ضييق الخناق على خشبة النضال، فامتلأت السجون، وحين لم تخمد الثورة وجد أن آخر حل لإيقاف اللهب هو تغيب المدينة عن الأنظار فطالتها سياسة التغييب والمقاطعة، ووضعت وراء الخط الأحمر خط الهامش ليعيش أهل الصنكة أعوام الحزن في الشعاب ليس لهم من طعام إلا قطع لحم يشترونها بما تبقى لديهم من الكتب والمدرافع، لم يفكر أحد في نقض الصحيفة صحيفة القطيعة ولم تأكلها الأرض، فكان لا بد من معجزة لإنقاذ المدينة المحاصرة والتي قاطعها النظام مع سبق الإصرار والترصد، فقد رفض أن يشيد فيها إعدادية، بل مدرستها الإبتدائية ( فالانفاه) التي بناها المستعمر سنة 1908 قد حولت قبل ذلك إلى قلعة بتلميت الجديدة سنة 1912 بعد تقرب الفرنسيين من باب ولد الشيخ سيديا.
إذن فالعوامل تضافرت بماضيها وحاضرها لمحو المذرذرة من الخريطة لكن سكانها لم يخلدوا للنوم ولم يحتسوا الانهزام وإنما واصلوا النضال، جاء النظام العسكري بلون جديد من التجبر أعم وأشد، وبالطبع وكعادتهم لم يطيقوه، وانتظمو في حركات سرية، لعل أهمها حركة التحالف من أجل موريتانيا ديمقراطية التي كان على رأس جناحها العسكري ابن الصنكة العقيد أحمد سالم ولد سيدي الذي قتل على يد النظام وكان برفقته فتية من أبناء المدينة، ولعل تعب النضال، وإحساس المذرذيين بأنهم شمعة بدأت تذبل بعد أن اشتعلت كثيرا لتضيء الآخرين، ومبادرة رئيس السابق ( ولد الطايع) بمسالمتهم والتقرب إليهم، كانت عوامل مهادنة هي الأولى من نوعها لكنها لم تثمر كثيرا.
المذرذرة اليوم

تقع مدينة المذرذرة على بعد 150 كلم جنوب شرقي نواكشوط ويربطها طريق من تراب المحسن بطريق روصو نواكشوط. وتضم مقاطعة المذرذرة خمس بلديات هي تكند. التاكلالت، ابير التورس. الخط. فضلا عن بلدية المذرذرة المركزية التي يتوزع سكانها في ثلاثة أحياء رئيسية هي: الدشره. "ملكاش" . والمدينة والكود.
يعتمد سكان المذرذرة بالدرجة الأولي على منتوج اليد العاملة بنواكشوط وانواذيو وخارج الوطن. إضافة إلى اعتماد النسبي على الثروة الحيوانية وبعض النشاطات التجارية الصغيرة كالدكاكين. وقد حدثت طفرة منذ 1998 في عالم تجارة المرأة حيث تسابقت النساء إلى فتح المحلات تبيع أغراض النساء بالدرجة الأولى.
والمتتبع لشوارع هذه المدينة يلاحظ تخطيطا عمرانيا مميزا يقوم على خطة شطرنجية واضحة. غير أن بعض السلطات الإدارية السابقة ف المدينة قد شوهت هذه الصورة ببيعها وتوزيعها الأراضي والساحات العمومية بطرق غير مدروسة. ولا مقننة. ودون مراعاة التخطيط المعد سلفا وحيث أغلق الشوارع والممرات في العديد من الأحياء. وخصوصا في منطقة "افرير" ناهيك عن بيعه لجميع الساحات الواقعة في الحيز الجغرافي للمقاطعة. الشيء الذي قابله السكان بالرفض والتظلم دون جدوى.

الماء أولا

ترك الفرنسيون بعد ذهابهم من المدينة خزائن لمياه يعتبر الأول من نوعه سنة 1956 في موريتانيا. يضخ بواسطة شبكة تغطي جميع أحياء المدينة.
لكن توسع هذه الأحياء وتنامي تعاونيات الزراعية بها واستهلاك السكان المفرط للمياه كل ذلك أسفر عن عجز هذه الخزائن عن تلبية الحاجيات المتزايدة مما اضطر الشركة الوطنية إلى إعداد توسعة لشبكة المياه. وبناء خزائن جديدة وحفر بئرين وإعداد المركز الجديد للضخ.
وقد قامت بلدية المذرذرة ببناء خزائن في منطقة المنبع ـ نهاية حدودها الغربية ـ لتزويد سكان أحياء المقام. الدار البيضاء. المنار. المنبع. با جليلال. بالماء الشروب ، لكن تلك العملية سرعان ما توقفت بعد اكتشاف أن الكميات التي تظهر في الأعداد الكبيرة تختلف عن مجموعها في الإعدادات الفرعية. الشيء الذي أدي إلى الإفلاس هذا المشروع الذي توقف أكثر من شهرين ويعيش السكان على أمل تزويد مدينتهم بالكهرباء الذي تحدثت المصادر في الشركة المكلفة بتنفيذ أشغاله عن اكتمال إجراءاته وتجهيزاته منذ بعض الوقت. ويبقي السؤال هو لماذا تأخرت الكهرباء بعد اكتمال تلك الأشغال.

التعليم: ربما احسن القطاعات

يوجد في المقاطعة 69 مدرسة . ثلاث منها مجمدة. فيما تمارس ال 65 الباقية عملها بطاقم التدريس يبلغ 212 معلم. يمثل مدرسو العربية 136 منها . فيما تضم 41 معلم فرنسية و35 معلم مزدوج.
وتشهد المدينة نشاطا محموما خلال السنة الدراسية. حيث تتقاطع عليها الأفواج التلاميذ وذويهم من البوادي والأحياء القريبة مما يزيد عدد السكان المدينة في فترة الدارسة ب 10 في المائة وتوجد بها 4 مدارس ابتدائية. أولها مدرسة "فالانفاه" والثانية مدرسة رقم 2 بالمدينة كما توجد مدرستان في المنطقة الكود.
وعلى مستوى التعليم الثانوي تضم المقاطعة أربع إعداديات في تكند والخط والتاكلالت والمذرذرة . فضل عن ثانوية المذرذرة. وفي مجال محو الأمية والتعليم الأصلي أنشأ مركز محو الأمية . أما فيما يخص التعليم الأصلي فتنشط بعض المحاظر والكتاتيب الأهلية. غير أن أغلب هذه المحاظر توجد خارج المدينة.

الصحة مثال الأسوأ

يوجد بالمدينة مركز صحي والآخر للأمومة والطفولة ويعمل في المركز الصحي طبيب عام . وطيب أسنان وممرضان وبعض العمال العقد ويين كما تتوفر المصحة على سيارة إسعاف كثيرا ما تستخدم للأغراض ...............
ومن ناحية أخرى يشكو سكان المذرذرة صعوبة النقل وغلاء تذكرة 2000أوقية من والي نواكشوط للشخص بينما لا تزيد المسافة بينهما على 150كلم، فيما لا تتجاوز تذكر كيفة عن نواكشوط 600كلم 5000أوقية. هذا مع العلم أن أغلب السيارات التي تمارس النقل في هذه المجال غير مريحة ولا تتبع أبسط احتياطات السلامة .

إمربيه ولد الديد
mederdratoday@gmail.com

هناك 6 تعليقات:

ولد المذرذرة يقول...

تحقيق في المستوى ..

شكرا للسيد إمربيه الذي أقرأ له لأول مرة ..

غير معرف يقول...

أمربيه بارك الله فيك هذا تحقيق متميز

عاشق المذرذرة يقول...

شكرا لك اخي امربيه انت دائما وفي للمذرذرة

المذرذرة اليوم يقول...

ننوه إلى أن الكاتب لم يكن يعني في مقاله العمدة الحالي للمقاطعة ولا الفريق الصحي الحالي..

غير معرف يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.
Unknown يقول...

أقرأ هذا التحقيق وبين وبين المذرذرة آلاف الكيلوات... فتسرح بي المخيلة إلى ذلك العالم الصنكوي...أتجول على رمال المدينة ثم أنزل إلى الكود لأجده أشد وطء.. وأقل صخبا خاصة بعد إغلاق محطة الضخ، أمر على الثانوية فأقبل ذا الجدار,,, خلاصة القول أخي امربيه أو امغبيه على لغة هذيل، لقد فتحت في مخيلتي قوسا لما تجد أختها مثل قوس الواردة في بداية المقال.
kanonist@gmail.com