الثلاثاء، 1 سبتمبر 2009

الشيخ راشد الغنوشي
الأمة ورمضان (2)

4- إن الأمة تقاوم فتصمد في مواطن، صمود شوامخ الجبال، حال أهل غزة الأبطال ومقاومتها الباسلة، وكذا أخواتها في لبنان وفي العراق وفي أفغانستان، متصدية لخذلان القريب بالصبر والمداراة والسياسة، وبالجهاد لقوى الاحتلال الغاشمة، التي تضرب الإسلام عن قوس واحدة، ومستعينة بحكومات ظالمة موالية لها، وما كان لقوى المقاومة أن تصمد وتحقق بطولات، لولا ما يتوافر لها من حاضنة شعبية تعمرها صحوة عارمة وقوى روحية هائلة من نبع لا ينضب، بالتوجه إلى مالك الملك بالصوم والصلاة والدعاء وتجديد الشوق إلى الظفر بالشهادة، بما يفاجئ أعداء الله وأولياءهم المطمئنين لميزان القوة المادي المختل لصالح العدو -غافلين عن الميزان الروحي.. ميزان الإيمان، إنه صاحب الكلمة الأخيرة كلما حضر "وقل جاء الحق وزهق الباطل" (17/80)- يفاجئهم بنماذج من المقاومة منعت المنتصرين حتى من إتمام الاحتفال "بالنصر" في العراق وأفغانستان فتحول مأتما، واحتلالهم فخّا، ما يدرون للخروج منه سبيلا.

5- إن ظواهر التخريب والتفكيك والتدمير في أمتنا والبشرية تعمل ليل نهار، وقد كفت أيدي الدعاة عن الإصلاح، فما تلبث تلك السياسات الواعدة بالنصر والازدهار حتى تتكشف عن كوارث ما كانت لتخطر على البال: ملايين من العاطلين رغم ضخامة الثروات، وهجرات جماعية لما يربو عن نصف الخريجين، فضلا عن الهجرة عبر قوارب الموت. وكان من نتائج السياسات المعتمدة في الاقتصاد ومصادرة الحريات وتهميش الإسلام بمنعه من القيام بأي دور سياسي واجتماعي ومحاصرة تيار الاعتدال وهو التيار الرئيسي، أن فشت جماعات التكفير والعنف العشوائي الذي يضرب في كل اتجاه باسم الجهاد، استحلالا لدماء وأموال معصومة، مما لا سند لها من شرع ولا من عقل ومصلحة، بقدر ما هو ثمرة لخلل في فقه الدين والواقع وانتقاص من فعالية الدعوة والمقاومة وسلاح في يد أعدائها.. حماقات تأتيها جماعات تنتسب للإسلام، تخريبا لمنشآت وإشاعة لفتن، من مثل ما حصل الآونة الأخيرة في نيجيريا وإندونيسيا واليمن والعراق والجزائر، وفي غزة..
أعمال لا سند لها من "فقه الجهاد في الإسلام" كما بينته نصوص الكتاب والسنة وشرحه جمهور علماء المسلمين، حيث جاء النص صريحا على أن القتال إنما شرع لرد العدوان ومنع الفتنة على المؤمنين والدفاع عن المستضعفين. قال تعالى "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" (2-189)، ولم يكن قط سبيلا للدعوة وفرض الإسلام على من لا يؤمن به، فالسلم هو الأصل في علاقة المسلمين بغيرهم، بما يجعل الأعمال الطائشة التي تأتيها جماعة تنتسب إلى الإسلام باسم الجهاد استباحة للدماء -حتى في الشهر المعظم- وترويعا للآمنين عارية من كل مشروعية إسلامية أو أخلاقية، لا يجني الإسلام وأهله منها غير الخسار وسوء السمعة، الكاسب الأوحد منها هم أعداؤه المتربصون به ولم يدخروا جهدا في اختراق تلك الجماعات لإغرائها بالإمعان في الطريق المسدود المهلك، بما يقدم المزيد من الذرائع لدول الكفر لاحتلال بلاد الإسلام، ولأنظمة الاستبداد لأن تحكم قبضتها على رقاب الناس وأرزاقهم بذريعة التصدي للإرهاب، وتكميم الأفواه وتأبيد الاستبداد، وهكذا يفعل الأحمق بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه.
ولقد أحسن الشيخ العلامة يوسف القرضاوي إذ قدم للأمة وهي تستشرف رمضان، موسم التقوى والوحدة الإسلامية والتراحم بين المسلمين، سفرا قيما عن فقه الجهاد في الإسلام "أودعه عصارة علمه وخبرته في فقه الجهاد ومناهج التغيير والعلاقات الدولية، حري بكل طالب حق مستبرئ لدينه في مسألة الجهاد أن يتأمل جيدا محتوياته، إذ لا يزال المؤمن في فسحة من دينه حتى يقع في دم امرئ مسلم أو غير مسلم بغير حق، حذّر الرسول عليه السلام من ذلك، ولم يأت في القرآن تفظيع لجرم تفظيعه لهدر نفس بغير حق "فكأنما قتل الناس جميعا" (4/31).

6- صمود غزة: رمضان آخر يأتي و1.5 مليون شخص من أهل غزة تحت وطأة حصار خانق أثيم يتولى كبره من كان المعول عليه رفعه بحكم حقوق الجوار والدين والمصلحة القومية، يفعل ذلك استجابة لضغوط العدو الصهيوني وحلفائه الأميركيين والأوروبيين. وكما صمدت غزة المجاهدة صمودا أسطوريا في وجه أعتى قوة دمار في المنطقة حتى ردته على أعقابه مجللا بالعار، فقد صمدت في وجه الحصار الخانق شاهدة على أصالة وبطولة ونبل أهلها، مقيمة الحجة على كل متخاذل مسائلة يوم القيامة كل قادر على مد العون لها، لم يفعل وهي تنوب عن الأمة كلها في الوقوف في وجه الطغيان المتحفز للسيطرة على المنطقة كلها؟
ويجدر التنبيه في هذا الصدد أن واجب ولي الأمر في غزة في حفظ الأمن يقتضيه واجب الاقتصاد في الدماء إلا لضرورة قصوى لا تندفع بغير ذلك، والمرجح أنه كان يمكن دفع شر المجموعة السلفية المتنطعة بإعلانها الأهوج غزة إمارة إسلامية بأقل مما حصل، وهو ما يفرض تحقيقا مستقلا.

mederdratoday@gmail.com

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

رجاء عرفونا بالغنوشي هذا من هو الغنوشي؟

لم نسمع به لا تنقيصا منه

ولد التاكلالت يقول...

الشيخ الغنوشي، مفكر إسلامي تونسي مشهور، صمد في وجه بورقيبة وبن علي، ويعيش الآن في بريطانيا، وهو زعيم حركة النهضة التونسية .. معروف بأصالة وعمق الفكر.