الجمعة، 28 أغسطس 2009

الشيخ راشد الغنوشي
الأمة ورمضان (1)

1- أهنئ أمة الإسلام، وخصوصا المنخرطين في هذه العبادة العظيمة لأول مرة في حياتهم، سواء بأثر توب أو ترشّد أو إهتداء، أن مدّ الرحمن في الآجال حتى أدركنا رمضان، موسم الخير والبركات، فننهل من ينابيعه الصافية، صياما لأيامه، وقياما للياليه، وتعهّدا لكتابه، وتوقيرا لحرماته، وأداء للأمانات، فنكون في خواتمه من الفائزين بالمغفرة والرحمة والعتق من النيران وشهادة التقوى، المقصد الأسنى لهذه العبادة "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"ش(2/183).

والتحقق بالتقوى، من حيث هي خشية الله سبحانه، وحضوره الدائم في شعورنا ووعينا وفي كل مسالكنا، هو المقصد الأعظم لكل عبادات الإسلام "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" (51/55) العبادة بمعناها الشامل، تذللا وانقيادا عن وعي واختيار، ومحبة لله عز وجل وقياما بشرائعه واجتنابا لنواهيه، وسعيا في ملكه بالإصلاح أمرا بمعروف ونهيا عن منكر وعمارة للأرض بالعدل ومقاومة فردية وجماعية للظلم والظالمين، بما يحدث تجديدا هائلا في النفوس وفي العلاقات الاجتماعية، إقبالا على الله سبحانه، وتوبا، وارتيادا لبيوت الله، وجودا بالخير اقتداء برسول الإسلام عليه الصلاة والسلام الذي كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في شهر رمضان، حتى لكأنه السحاب المرسلة.

والتحقق بالتقوى هو أيضا تجديد للأواصر الاجتماعية والأخوية: تصالحا بين الناس وتغافرا وشحذا لقوى المقاومة والبذل على كل المستويات الفردية والاجتماعية، فلم يكن عجبا أن شهد رمضان أعظم انتصارات الأمة عبر التاريخ، ولا عجب أن اعتبرته منظمات الإغاثة ومنظروها أعظم المواسم.

"
2- يقدم هذا الموسم العظيم على الأمة وهي تكدح صاعدة تقاوم جواذب الانحطاط والتسلط الدولي، فتجاهد جهادا ناصبا على أكثر من صعيد، وذلك في ظل ميزان قوى دولي مختل لصالح أعدائها، فتحقق صمودا في مواطن وانتصارات في أخرى وانسدادا وحتى تراجعا في ساحات ثالثة.
ويلحقها في كل ذلك حجم ضخم من الأذى والدمار ونقص من الأموال والأنفس، إلا أنه لا يفتّ في عضد مدّ صحوتها المتصاعد في أرجاء المعمورة ولأنه -بسبب أن إرادة المهيمن جل جلاله في حفظ هذا الدين وظهوره على الدين كله اقتضت أن يتم ذلك وفق سنة الأسباب- كان لزاما أن يبتلى المؤمنون على يد أولياء الشيطان من الطغاة الكافرين والمنافقين، فنألم كما يألمون ونصيب منهم ويصيبون، فذلك هو السلّم الضروري الذي يتسنّمه عباد الله بلوغا إلى منازل من القرب وفي الجنة، لا يبلغونها بغير ذلك.

تلك هي زاوية النظر الشرعي والفلسفي والتاريخي لمشاهد الآلام والمرارات التي يتلظى بها عباد الله الصالحون على امتداد المعمورة: احتلال ودمار ومجازر في فلسطين والعراق والصومال وأفغانستان وفلسطين وتركستان.. وأنظمة جبر تغطي معظم دار الإسلام، وسجون تزدحم بصفوة خلق الله يسامون الهوان والقتل البطيء، ومئات الملايين من الفقراء والبطالين تجتاحهم الأوبئة ويعز الدواء، مع ما خوله الله لهذه الأمة من وافر الخيرات إقامة للصلوات "ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون" (14/36)، ودعاة بلا عدّ على أبواب جهنم دائبون بالليل والنهار ترغيبا فيها، واجدين دعما غير مجذوذ من حكومات ذات دعاوى عريضة انتسابا للإسلام، وملايين من المومنين هجروا دار الإسلام طلبا للسلامة أو الرزق أو العلم خارجها، ما تفتأ حكوماتهم "الإسلامية" تتعقبهم.. شرائع معطلة ومظالم كقطع الليل المظلم، وبلاد ممزقة يسرح ويمرح في مياهها وأجوائها ومواردها الأعداء، بلا رادع.

3- غير أن روافع مد الإسلام، من عقائد نفضت عنها الغبار صحوة الإسلام، وشعائر انبثقت عنها، أخذت تحرك فعاليات المسلم المعطلة فعلا في نفسه وفي التاريخ، ومنها مدرسة رمضان التي تفتح أبوابها لمدة شهر سنويا مترعة بالخيرات: ضبطا للشهوات وتجديدا للعهد مع الله سبحانه وكتابه وبيوته ومجاهدة للأنفس وللأعداء، بما يفضي إلى باب الريان الذي لا يلج منه إلى جنات النعيم غير الصائمين، فلا ينقضي الموسم إلا وقد تجددت الدماء في شرايين الأمة في مستويات مختلفة بحسب صدق الإقبال على هذه المدرسة بما يمد قوى المقاومة في الأنفس وفي سائر الميادين بمدد عظيم للصمود ولمغالبة هوى النفوس وشحها وجبنها وبخلها وعزلتها وأثرتها، وكذا مغالبة شياطين الجن والإنس وقوى الشر والظلم والاستبداد.

mederdratoday@gmail.com

هناك 3 تعليقات:

أحمد ولد أحمدسالم يقول...

تحية للشيخ الغنوشي

غير معرف يقول...

من أفضل ما قرأت

مقال مفيد

غير معرف يقول...

أينت عاد الغنوشي واحد امنهل اكيدي، وتجيب المذرذرة اليوم مقالات، والل هو اثر واحد اهل الجنوب التونسي أعدت جارين القرابة,
حكل فسرون ذا شنه معناه ، انتوم ذ أخباركم أخبار، وينكال عنكم ما تخرج بالمسايل، كولون اصه ذا شنه معناه، انعرف بعد عني أدور نتوف بي لغب ما اجبرت حد ايجاوبن، يغير يسو، اندور بعد تفتر أنتوم بيكم تخراض كلكم ألوخر ، أنتوم مافيكم ألاه اسول عن معناه خايف لا يعود سولان ماه متروش,
أنيو حوشولكم ذاك