الثلاثاء، 16 فبراير 2010

العبودية وإشكالية الوهم والسهو

يبدو أن صرخات المظلومين، مع صيحات الناصحين، لم تزد أسياد العبيد والسلطات "الحاضنة" إلا تماديا في الإصرار على التغاضي عن الجـُـرم. فإلى متى و"النعامة" السائبة تدفن رأسها أمام كل التحديات الكبرى!.. ومتى سننتبه إلى أن السفينة المهترئة تتجه بالبلاد نحو غرق لا محيد عنه في ظل تبسيط معضل العبودية ؟ ..
مسألتان تشكلان حائطا يفتأ يتحطم عليه كل وعي بخطورة هذا المعضل المزلزل قريبا: جنونُ الوهـْـم وسُـكــْـــر السهو.
وَهـْـم القوة الخارقة مسيطر على العقول تراكميا بحيث يمنع أي تحليل للواقع .. وهـْـم القوة الخارقة يشل التفكير في أسباب تغيير موازين القوة ذاتها .. إنها ثقافة متراكمة متراصة من الوهم المانع لكل تفكير في الكفة الديموغرافية المائلة أو الصائرة إلى مَـيـَـلان حتمي .. وهـْـم يجعل ملاك العبيد والسلطات المتعاقبة يتصورون أنفسهم غولا قادرا على البطش تحت كل الظروف دونما نظر إلى القفزات النوعية والكمية لمجتمع الضحايا المظلومين.
وأما السهو ففي التقاتل على السلطة، والإستئثار بها، وحبها المفرط، والإصرار على ما تخوله من إحتكار للثروة والجاه .. بينما يُجَمـّـد المهيمنون عقولهم في ثلاجة التعالي، غير متسائلين عن فائدة السلطة، ومعنى الدولة نفسها، إن لم تكونا لحماية وجود ومصالح الأجيال ؟؟ (ذلك ما إستوعبه نظام لابارتايد، ففضّل حياة الجميع على موت الجميع) .. لست أقارن نظاما بنظام، ولا مجتمعا بمجتمع .. لم يعد الوقت كاف لإجراء مقارنات وإنشاءات من هذا القبيل، لكنه كاف لأن نستنبط من تاريخ الشعوب، فنفهم أنه خير لنا أن نـُـخـَلــّــف للأجيال القادمة تحابُــبا ونفطا يتجمع، من أن نخلف لهم تباغضا ودماءا تتطاير.

العبودية -مهما قال المحافظون- موجودة .. وآهات العبيد -مهما تصامم الآمرون- مسموعة .. ففي الأرياف نجد أرقاء خانعين، وفي بعض الدوائر الدينية نرى عبيدا قانطين إلا من جنة مغلوطة أسبابها .. ولدى بعض القبائل والأسر والمشيخات ثمة عبيد مُـنـَـوّمون. ورغم ذلك تمتنع السُّـلــَــط، كل السلط، في كل الأزمنة (ولأسباب مبهمة غريبة) عن مواجهة هذا الواقع المر؛ فلا تـُـجَـرّم ممارسا للرق، ولا تسجن مالكا للعبيد، ولا تنتزع عبدا مسترقا، ولا تدمج ضحية واحدة .. تصاممٌ أغرب من الخيال؛ خاصة أنهم لو أنفقوا في حل معضل العبودية نصفَ ما ينفقون في إنكار وجودها لحلوها وأراحونا برميهم لهذا الإرث وراء ربوة النسيان.

كم ورّطـنا رجال الدين الأوائل حين جعلوا من العبودية ما يشبه "الطابو"، يـُـحظر الحديثُ عنه بغير ما يؤكده .. حين صنعوا منه أيديولوجية مقدسة، تنزل بمجتمع بأكمله إلى مجرد أدوات للإنتاج .. حين لم يقولوا للعامة إن العبد في بلادنا لا علاقة له بعبد الشرع، وأن أصله الخطف والغزو والشراء .. أي كل ما هو بعيد من الجهاد شكلا ومضمونا.
كم جنوا علينا لمّا لم يتجاوزوا أنانيتهم، بالتأكيد على أن الزهّاد العارفين، إذا لزمهم تحرير رقبة، يتورعون عن عتق عبد أسود، لأن الجهاد لم يصل الأمم السوداء، وبالتالي لا يوجد عبد أسود بالمعنى الشرعي، وحتى في عصر الفتوحات، وفي صدر الإسلام وما أعقبه، فالغالبية العظمى من العبيد بيض. فما كان أبسط أن يقول لنا الفقهاء الموريتانيون إن الجهاد إستهدف شعوبا بيضاء كالفرس والروم والصقالبة والترك والأقباط، وأن كل العبيد (من أسرى الجهاد) كانوا من هذه الشعوب، وأنه بالتالي لا وجود للعبد الأسود.
ومن ألقى نظرة على الموروث العربي (الديني والأدبي) فاجأته جمل وعبارات من قبيل .. "كانت أمّـه جارية سوداء"، و"أرسل عبده الأسود فتعقــّـبه وقتله".
إنه منطق الندرة .. فلو شكّل العبيد السود غالبية لما إحتاج الروّاة إلى تحديد لونهم.
والحقيقة أنهم نادرون بالمقارنة مع العبيد البيض لدرجة جعلت تحديد لونهم ضروريا.
ألم تتحدث بعض المصادر عن أن غنائم موسى بن نصير، في عهد الدولة الأموية (سنة 91هـ) بلغت في أفريقية (تونس حاليا) 300.000 "رأس" من السبي (ما بين البربر والبيزنطيين)، فبعث خمسها إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك، وإستقدم معه إلى دمشق 30.000 جارية بيضاء عذراء من الأسر القوطية النبيلة ؟ .. ألم تكن لدى الخليفة العباسي، المتوكل، أربعة آلاف جارية بيضاء ؟ .. أليس من المعروف أن الألمان (لبروسيين خصوصا) كانوا يغزون شرقي أوربا فيأتون بآلاف الأسرى السّْـلافيين فيبيعونهم في أسواق الأندلس، ومنها يدخلون البلاد العربية كعبيد وإيماء، أبعد ما يكونون من سواد البشرة ؟ .. وما معنى أن يقول عبد الملك بن مروان: "من أراد أن يتخذ جارية للتلذذ فليتخذها بربرية، ومن أراد أن يتخذها للولد فليتخذها فارسية، ومن أراد أن يتخذها للخدمة فليتخذها رومية" ؟ .. واضح جدا أنه لا مجال للجاريات السوداوات: لندرتهن أولا، وإحتراما لشريعة لم تستعبدهن ثانيا.
ولعل في ثقافة تفسير الأحلام لدى العرب والمسلمين ما هو أنصع كمثال؛ إذ يقولون إن "الطست في المنام عبارة عن جارية، فمَن رأى أنه يستعمل طستاً من نحاس فإنه يشتري جارية من الترك، فإن كان الطست من فضة فإن الجارية رومية جميلة، وإن كان من زجاج فإن الجارية صقلبية، وإن كان من ذهب فهي إمرأة حرة جميلة، تطالبه بما لا يطيق من النفقة فينفقه كرهاً".. أين الجواري السوداوات إذن ؟ .. لا أثر لهن (تقريبا) في اللاوعي العربي الإسلامي القديم، لأن ملكهن -ببساطة- لم يكن شرعيا، وإن شـُـرّع لاحقا بإستخدام نفس المبررات الدينية المانعة له.

تاريخ الدولة الإسلامية مليء بالأمثلة المؤكدة لغياب العبد الأسود في الإسلام؛ فالخليفة العباسي الأول (أبو العباس السفاح) أمُّه جارية أفغانية، والخليفة الثاني أبو جعفر المنصور أمه جارية بربرية. والخليفة الرابع (أبو محمد موسى الهادي بن المهدي) أمه جارية بربرية إسمها الخيزران، والخليفة هارون الرشيد أمه الجارية نفسـها (الخيزران). والخليفة أبو جعفر هارون الواثق بالله أمه جارية رومية إسمها قراطيس، والخليفة أبو جعفر محمد المنتصر بالله، أمه جارية رومية إسمها حبيشة، والخليفة أبو عبد الله محمد المعتز بالله أمه جارية رومية لقبها قبيحة، والخليفة أبو العباس أحمد المعتمد على الله أمه جارية رومية إسمها فتيان، والخليفة أبو محمد علي المكتفي بالله بن المعتضد أمه جارية تركية إسمها جاجيك، والخليفة أبو الفضل جعفر المقتدر بالله أمه جارية رومية إسمها شغب، والخليفة أبو العباس محمد الراضي، أمه جارية رومية اسمها ظلوم، والخليفة أبو جعفر عبد الله القائم بأمر الله أمه جارية أرمنية لقبها بدر الدجى، والخليفة أبو المظفر يوسف المستنجد بالله أمه جارية كردية إسمها طاووس، والخليفة أبو محمد الحسن المستضيء بأمر الله أمه جارية أرمنية إسمها غضَّه، والخليفة أبو العباس أحمد الناصر لدين الله، أمه جارية تركية إسمها زمرد، والخليفة أبو جعفر المستنصر بالله أمه جارية تركية .. كذا المتوكل فأمه جارية من خوارزم، والمستعين أمه "مخارق"، جارية رومية.
ومعروف أن أمهات جل أئمة الشيعة الإثنى عشرية كن جوار بيضاوات؛ فأم أبو محمد علي بن الحسين العدل جارية إسمها شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار، وأبو القاسم محمد بن الحسن، أمه جارية إسمها نرجس بنت يشوعا بن قيصر (ملك الروم)، وكذلك السلطان يعقوب المنصور (أبرز ملوك دولة الموحدين) أمه جارية رومية إسمها سحر، وهلمّ جرا.
لم يقل لنا الفقهاء الموريتانيون، إن العبودية حرام بمنطق المصلحة العامة (فالشرع جاء للحفاظ على المصالح البشرية)، ولم يقولوا لنا إن العبودية في بلادنا على وجه الخصوص حرام لأن العبد الأسود غير موجود بالمعنى الشرعي المبني على فقه الجهاد.
فالإسلام في هذه الربوع دخل عن طريق القوافل أساسا، فلم تشهد البلاد أي جهاد غير بدايات المد المرابطي وعمليات مسلحة عرفتها التخوم (فطالت ضفاف النهر) على يد جيوش الحاج عمر تال، فأما المرابطون فإستقروا في المغرب والأندلس (بعيدا عن أرض السود على الأقل)، وأما الفوتي فقد هاجم بالفعل عددا كبيرا من القبائل الزنجية الوثنية، وأخذ من أبنائها عشرات الأسرى (ما لا يزيد على الخمسمائة في مناوشات ومجابهات متفرقة)، ولا أحد يشك في أنه إتخذهم عبيدا وباعهم في أسواق النخاسة .. لكن لمن ؟ .. سؤال جوهري للتأكيد على أن عبد الشرع لم يوجد قط في بلادنا، ففي أيام غلبة الفوتي كانت أساطيل البرتغاليين تجوب شواطئ المحيط في أوج إزدهار تجارة الرقيق، ولم يكن بمقدور "البيظان" أن ينافسوا أثمانا باهظة يقدمها البرتغاليون لشراء "أسرى الفوتي"، بل لم يكن بإستطاعة أي منهم حتى منافسة الأوربيين في مجرد العـُـمولات والهدايا التي يمنحون لوسطائهم من الزنوج أنفسهم، الذين يشكلون جسرهم التجاري نحو الفوتي، وبالتالي فإن كل العبيد -ممن سقطوا أسرى في يد الفوتي- هـُـجّروا للعمل في ضيعات بأمريكا، ومزارع في البرازيل، وبقي عبيد هذه البلاد مجرد جماعات غير محظوظة من ضحايا الخطف والتبادل التجاري مع زنوج الجوار (وبالطبع كانت البضاعة أطفالا ومراهقين مسلمين).

ومهما يكن فإن حل معضل العبودية بات ملحا .. وليس منــْـــــعُ تمديد جواز سفر المناضل بيرام ولد إعبيدي إلا تخبـُّطا أعمى، وإحتقارا حقيرا لوضعية تزداد سخونة وخطورة. إننا نعيش على مشارف هاوية مدلهمة، نتخبط بين طين السلطة ومستنقع الثروة، نشرب من كأس وهـْــم القوة والسهو (في مطبات السلطة) خمرا يكاد سـُـكرها يعصف بالتعايش السلمي ورغم ذلك لا أحد يصرخ: "واعَـدالتاهُ، وامـُـسْــتقبلاهْ".

محمد فال ولد سيدي ميله

mederdratoday@gmail.com

هناك 4 تعليقات:

ابوبكر ولد اباه يقول...

لم أفهم ما يريد الكاتب أن يصل إليه من أن العبودية لموجودة في موريتانيا أو كانت موجودة ليس لها أساس شرعي? . بغض النظر عن الاتفاق و الاختلاف في و جهات النظر حول العبودية في موريتانيا أعتقد أن المناضلين من إنعتاق فئة العبيد في موريتانيا هم شرذمة من المصلحين بدأ بمسعود،ولد يالي،ساموري ،بيرام, و أعتقد أن الذي ينتظر بيرام عن السكوت و الانضمام إلي قائمة المناضلين السابقين ،مسعود،ولد يالي، هو الحصول على منصب محترم,
و أعتقد كذالك أن الذي شوه قضية الإحراطين العادلة هم محاموها الفاشلون,
شكرا للكاتب

متابع يقول...

اكاد لا افهم لماذا يدافع محمدفال ول سيدي ميله عن بيرام ولا اقول لحراطين او العبيد وانما اخص بيرام الذي لم يعد يخفي علي احد ان له اهدافا خفية بغطاء الدفاع عن حقوق هؤلاء
وتقريراللجنة الافريقية الاخير اكبر دليل علي ذلك.
دع عنك بيرام يا ول سيدي ميله فلك اشغال اهم من ذلك وله مدافعون كثر

ولد امسيكه يقول...

Ce que veut dire Md vall, c’est que l’origine de l’esclavage en Mauritanie et très floue surtout du point de vue de l’islam. Et il est bien placé pour connaitre la réalité des choses, surtout que ce sont ses ancêtres qui étaient à l’origine de tout. Refoulés d’Arabie, chassés successivement par les souverains égyptiens et par les sultans mérinides du Maroc, ces tribus arabes dont le principal groupe ethnique est représenté par les Benou-hassanes, guerriers puissamment armés et bien organisés vont se lancer à la conquête des berbères et des noirs de Mauritanie …. Défaites, les tribus berbères ont été affectées à des tâches purement religieuses, tandis que des contingents nouveaux des populations noires encore en liberté, vont grossir le lot des esclaves, le reste étant refoulé plus au Sud. Cette invasion arabe va donner à la Mauritanie sa contexture sociale et/ou ethnique dont la trame est constituée d’arabes de berbères, d’esclaves noirs, et de noirs libres n’ayant jamais connu l’esclavage (Likwar). Les tribus Benou-hassanes vont contribuer au développement de la traite saharienne. Ils s’adonneront à de nombreux rapts et réduire ainsi des populations noires à l’esclavage. Ces pratiques permettront d’alimenter le commerce d’esclaves en Afrique du Nord et au Moyen-Orient. Tous les groupes noirs de la région seront touchés par cette traite. Tandis que les Berbères qui se sont convertis en pouvoir législatif vont instrumentaliser cette chasse aux esclaves pour dire qu’elle rentre dans le cadre du JIHAD !!!!!!

غير معرف يقول...

هو ذ اشمخيل عن . هيكل و الل عبدالبار عطوان