السبت، 10 أكتوبر 2009

روبرت زوليك في التوفيق
إبرايتن وودز والعلك


عندما تسأل موريتانيًا، أين تقع بلدة "التوفيق"؟ .. سيحار، لأن البلاد تحوي عشرات القرى التي تحمل مثل هذا الاسم.. وأسماء أخرى من قبيل "مفتاح الخير"، "زمزم" "الفرات".. كلها أسماء لعديد القرى التي تنام أكثريتها بين كثيبين.
"توفيق" أخرى قفزت إلى الواجهة.. لقد حط روبرت زوليك مدير البنك الدولي بشحمه ولحمه فيها، وإخترقت طائرته العمودية جدار الصمت الذي يسود القرية الوادعة في أطراف "الخط".

"الخط" فضاء جغرافي، هو ميدان صبابات إمحمد ولد هدار الكبير، فـ"أهل إجريفين" كانوا يتربعون "أوهامه"، ولإبن أحمد يوره حكاياه معه، فهو "الدليل" المتمرس بتضاريسه، منذ أن أبدع طلعته، في طريقه إلى "اكدم تنيدر".. وآخرون كانت بصماتهم منغرسة في رمال الخط وقتاده.

الخط، اليوم إحدى خمس بلديات تتبع لمقاطعة المذرذرة، بالإضافة إلى المذرذرة المركزية وتكند وإبير التورس والتاكلالت، يحاول أهله بإستماتة عبور الماضي، الذي تفرضه عليهم عوامل الطبيعة القاسية، إلى بوابة الحاضر المشرعة على القرية الكونية.

المسيّر الأول لأهم مؤسسات "بريتون وودز" تلك التي تحكم الخناق على أعناق دول العالم الثالث التي تحجم عن السير في ركاب "رأس المال" الجشع والجبان في آن واحد، يقف بين أهالي "التوفيق" ويستمع بهدوء إلى خطاب يلقيه العمدة الوقور، وقد إعتمر عمامته البيضاء، وتحدّث باللغة العربية، ومترجم زوليك يستبسل في نقل عبارات الشيخ الشنقيطي إلى لغته اللاتينية، أو إلى لغة مؤسسته السكسونية.
أبو بكر ولد بده عمدة الخط، وهو رجل دين وشاعر، أعاد ناخبوه تنصيبه عمدة للبلدية، يتحدث عن طموحات أهالي بلديته ، إنهم في صراع مرير مع الرمال التي تحاول أن تكسب المعركة ضد القتاد.
القتاد أو "إيروار" كما يلفظه ساكنة المنطقة، أو "أوروار" كما يسميه قاطنو مناطق أخرى من البلد، كان عنوانا للحياة، ولاعبا رئيسا في صراعات الأروبيين على المنكب السائب، الهولنديون بنوا لأجل مقايضة المواد التجارية به ميناء هدي، أو "بور تانديك" كما يفضلون تسميته، ربما هروبا من الإسم الذي يوحي بملامح موريتانية.
الصمغ العربي هو إبن القتاد .. والقتاد هو الشجر الأثيل عند ساكنة المنطقة قديما، كانوا "يفزعون" إليه.. وتمتلئ الجراب بـ"العملة الصعبة".. كاد أن يغدو جزءا من التراث.. ولوحة قديمة في متحف التاريخ الطبيعي الموريتاني.
خاض العلماء الموريتانيون معارك فكرية شرسة حول "طعمية الصمغ من عدمها".. الفقيه الأكبر أحمد ولد العاقل وآخرون رأوه طعاما، فيما ذهب علماء متأخرون عليه زمانيا من قبيل محمد محمود ولد الواثق إلى عدم طعميته، مستدلّين بأن الطعام هو ما صح أن يكون قواما للشخص، كالقمح وما أشبه.. لسنا –على أية حال- بصدد ترجيح أي موقف، لأننا ببساطة لا نمتلك أهلية ذلك، لكن ما نسعى له هو التدليل على ما كان لهذه الشجرة الشوكية من أهمية في حياة الموريتانيين.
بطبيعة الحال، تعكس النوازل الفقهية إهتمامات الشعب الموريتاني، وهي كما يؤكد ذلك الدكتور محمد المختار ولد السعد، المعتكف في محراب التاريخ الموريتاني "مرءاة عاكسة لحياة الموريتانيين الإقتصادية والإجتماعية"، ولد السعد نقّب في مجاميع إفتائية عديدة، إحتل الصمغ فيها مكانته اللائقة.

تساءل ظرفاء موريتانيون، هل يسعى البنك الدولي إلى إعادة ربيع تجارة العلك ؟ سيما وأن له دخولا في صناعات عديدة، من بينها صناعة الدواء.. وقد عرف الموريتانيون ذلك من قديم، عندما كان يحتل مكانا متقدما في عيادة "أهل أوفى" وغيرهم من أسر التطبيب الموريتانية.. "عمدة أوفى" المرجع الطبي الأول بساعد موريتاني، وأحد المتون في المحظرة الموريتانية الجامعة إحتفى بالصمغ.
يمتد مجال الصمغ العربي من الصومال في القرن الإفريقي، وصولا إلى موريتانيا على الشاطئ الأطلسي، مرورا بالسودان وتشاد والنيجر ومالي.. ويبدو أن إمبراطوريته المهيبة قد غربت عنها الشمس.

لم يكن روبرت زوليك يسعى بالتأكيد إلى بعث الروح في تلك التجارة الغابرة.. وإنما كان في زيارة تفقد للإطلاع على سير مشاريع تموّلها مؤسسته في بلدة التوفيق.
لم يتظاهر ساكنة القرية الصغيرة ضد مدير المؤسسة الإستعمارية، كما يسمّيها هيغو تشافيز، رئيس فنزويلا الأحمر، الحمرة ليست من الدم، وإنما من مبادئ ماركس اليسارية، مؤسسات بريتون وودز، التي تقابل بتظاهرات ضخمة في عدة عواصم.. فالقوم لا يسيئون إلى الضيوف، أحرى إن كانوا يموّلون مشاريع تنموية تخدمهم، لأن ذلك ببساطة يدخل في إطار نكران الجميل.

محمد ناجي ولد أحمد
الإرشيف

mederdratoday@gmail.com

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

علي ذكر بلدية الخط فلم تكتبوا شيئا عن حادث سير كانت قد شهدته القرية منذ حوالي عشرة ايام وجرح علي اثره بعض الشباب الذين كانوا يقومون ببعض الحركات البهلوانية في حفل زفــاف
ولم تكن هناك ضحايا لله الحمد رغم انه حادث مروع حول الفرحة الي مأساة