الجمعة، 31 أكتوبر 2008


أحمد ولد الديد
1881-1944

أحمد ولد محمد فال ولد سيد ولد محمد لحبيب يرجع نسبه إلى قبيلة أولاد أحمد بن دمان وخاصة إلى البيت المشهور أهل محمد لحبيب الذي يمثل الفرع الثاني من ذرية الأمير المهيب أعل شنظوره، وقد تربعت أسرة أهل شنظورة منذ ما يزيد على قرنين من الزمن على عرش إمارة اترارزة ، أما أمه فتنتمي إلى قبيلة "أولا اللب" الموجودة بأكجوجت، وتجمعه رحم من جهة جده من الأم بقبيلة "الكرع" وهي قبيلة عربية تتمركز في منطقة انواذيبو، وبنسبه هذا حاز ولد الديد ما يؤهله ليكون رجلا من علية بني حسان وأشرافهم ونعني بذلك إدراك المكانة السامقة بين حملة السلاح، فكانت حياته زاخرة بالكر والفر،

عرف هذا الأمير بإسم "ولد الديد" وحاز شهرته بهذا اللقب، وأهل الديد أسرة من حلفاء الأسرة الأميرية، ووفاء لصلة الرضاعة رأت الأسرة الأميرية أن تسند ولدها وتضيفه إلى الأسرة التي ارتضع أثداء نسائها،
تأسست إمارة اترارزة في الجنوب الغربي من موريتانيا، وأطلق عليهم اترارزة نسبة إلى جدهم تروز ابن هداج، وكان لهذه الإمارة دور متميز في الحياة الثقافية والإجتماعية والسياسية، وبدأ دور هذه الإمارة يظهر ويقوي مع أحمد بن دمان المتوفى سنة 1636م والذي طار ذكره في معركة انتيتام التي وضعت حدا لنفوذ قبائل بني رزك على المنطقة، وبقيت الإمارة في ذريته وخاصة في ذرية حفيده أعل شنظوره المتوفى 1727م ، وانقسم أبناء أعل شنطورة إلى فرعين هما أهل أعمر ولد إعل شنظوره وتولى الإمارة ستة منهم وإستمر ملكهم من 1727 –1800 ومن مشاهير أمرائهم أعمر ولد أعل وأعل الكوري ولد اعمر ولد أعل والمختار ولد اعمر ولد اعل وقد قام المختار بدور أساسي من أجل بقاء هيبة الإمارة وتخليصها من هيمنة البراكنة وقد خصه سلطان المغرب الأقصى محمد بن عبد الله بطبل النحاس وشارة السراوايل البيضاء أما الفرع الثاني فقد أسسه اعمر ولد المختار ولد الشرقي ولد اعل شنظوره وبدأ ملكهم من سنة 1800 واستمر بعد الاحتلال الفرنسي، ومن مشاهير أمرائهم أعمر ولد المختار وقد وطد أركان إمارته، ولعل أعظم أمرائهم هو الأمير محمد لحبيب الذي ملك من سنة 1830-1860 وخلفه إبنه سيد ولد محمد لحبيب من 1860-1871 واشتهر بالعدل وحب العلماء وتقديرهم.

ولد ولد الديد في فترة لم تعرف إمارة اترارزة مثلها، فقد تكالب الأعداء على الإمارة وإنتشر اغتيال الأمراء، فأرسل ولد الديد وهو في المهد إلى منطقتي أكجوجت وانواذيبو فرار به من شر الأعداء المتربصين بأهل بيته، فنشأ وشب في كفالة أخواله من قبيلتي أولاد اللب والكرع،
ودرب ولد الديد منذ الصغر على قيم الفروسية فتفتقت مواهبه بسرعة وأبان عن قدرة خارقة على الصبر والتحمل، وكان فارع القامة كثير الصبر لا يعرف جسمه الفتي إرهاقا ولا ضجرا من طول السفر على ظهور العيس في مجاهل الصحراء، وكان وسيما ذا عينين حوراوين تشعان جمالا وتضفيان على شخصه مهابة وجلالا، وكان حسن الجمة سيدا قويا، وحين أعلمه أخوه من أبيه سيد ولد سيدي بنبأ اغتيال والدهما محمد فال جمع رجاله وقرب راحلته وغادر أرض أخواله وجد في السير ممتطيا ظهر جمله الأبيض الجميل في طريقه إلى أرض اترارزة، وهكذا فتح صفحة جديدة في حياته وبدأت أكمام عبقريته القيادية والقتالية تتفتق فشد المئزر لإستعادة مآثر آبائه، وتميز منذ اللحظات الأولي بالشجاعة وبمهارته الفائقة ولم تبطأ مواهبه تظهر وتتأكد فشأى أقرانه في أول المشاهد والمعارك التي شهدها وهي "اتويدمري" "امبجندي" و"اخريبكه" و " جيكينه"، ووافقت بداية ظهور عبقرية ولد الديد الفترة التي انصرفت فيها عناية السلطات الفرنسية المقيمة بسيلوي إلى فرض الإستقرار في بلاد البيظان، وهذا ما لم يشغل بال ولد الديد فظل يواصل كفاحه ضد المستعمر واستمر كذلك على منابذة وقتال أمراء اترارزة ، وفي هذا السياق وقعت معركة "لكويشيش" في 28 نوفمبر سنة 1908 م، وكانت لولد الديد معرفة تامة ببلاد البيظان وكان يحيط نفسه بحلفاء متعلقين بشخصه كل التعلق، فكان لا يحل إلا ارتحل وكان لا يسلك فجا إلا وملأ القلوب خوفا ورعبا وفي هذا الجو رأت السلطات الفرنسية ضرورة التدخل لوضع حد لموجة الفوضى، وفي هذا الخضم وقعت معركة "لكويشيش" والتي كان سببها غارة شنها ولد الديد ورجاله في منطقة المذرذرة وغنموا غنيمة كبيرة وانسحبوا إلى جهة الشمال متخذين من السهل الساحلي ملاذا آمنا لأنفسهم وأموالهم، وعندما وصل الخبر الملازم جان رابول خرج بنفسه على رأس مفرزة من الفرسان وعسكروا مساء 28 نوفمبر في ضواحي معدن الملح المسمي "انتيررت" غير بعيد من "اندجمارم " ولم يلبثوا أن وصلهم نبأ يفيد أن ولد الديد ورجاله قد وردوا ماء لكويشيش لسقي ماشيتهم وإتفق الفرسان والخيالة على مهاجمة العدو فجر اليوم الموالي، فما كان من ولد الديد إلا أن إنسحب إلى الجبال الساحلية التي تفصل الساحل عن السهل الشاطئي، فأحاط رابول ومن معه بجمال ولد الديد وعهدوا برعيها إلى بعض الرعاة، وتمكن ولد الديد بفضل موقعه حيث كانت تستره أشجار الطرفاء من رؤية العدو وهو يزحف نحوه فأبصر مواقعهم على طول منطقة لكويشيش بمحاذاة آفطوط إلى جهة الغرب فحدد وبدقة المواقع القتالية لأعدائه الذين يسعون إلى محاصرته عن طريق الفرسان من جهتي الجنوب والشمال فاجتاز الفرسان الجبال الساحلية وتمركزوا على الساحل، وتمكن ولد الديد ورجاله بواسطة أسلحتهم النارية التقليدية من منع زحف المهاجمين ولم يلبث الرقيب الذي يقود الفرقة أن قتل فتقدم الملازم رابول وبشجاعة للإستطلاع والكشف عن مواقع العدو فتسلق جبلا عاليا جدا ووقف يرصد مواقع العدو ولم تمض إلا لحظات حتى أصابته طلقتان ناريتان خر على إثرهما صريعا، فأوقف الخيالة القتال وانسحبت فلول جيش رابول مسرعة لا يلوون على شيء ولم يفكروا حتى قي أخذ إبل ولد الديد التي بقيت عند البئر، وأما الفرسان الذين فقدوا قائدهم فقد تجمعوا تحت إمرة ضابطي صف وتوجهوا إلى المذرذرة حاملين معهم نبأ موت الملازم رابول، قتل في معركة لكويشيش 120 فارسا وكانت هذه المعركة من أكثر المعارك خسارة بالنسبة للفرنسيين، وهكذا خرج ولد الديد من هذه المعركة منتصرا وكانت أول وقعة بينه وبين القوات النظامية للجيش الفرنسي فتعاظمت هيبته، إلا أنه إستشعر في قرارة نفسه ما قد يترتب على هذه المعركة من إنعكاسات سلبية فعزم على المصالحة مع السلطات الفرنسية وبذل جهودا دبلوماسية ما كان يعتقد أن تصدر عن مثل هذا المقاتل الفذ، وساعده في بحثه عن السلم، الشيخ سيديا باب الذي أهمه تسيب بلاده وكان لا يألو جهدا من أجل استتباب الأمن، فآتت هذه المساعي أكلها ووقّع ولد الديد بنفسه على ابرتكول سلام في شهر يناير من سنة 1910م بأبي تلميت، وصفح الحاكم الفرنسي عما بدر منه وأحيل للإقامة بإمارة اترارزة كما فعل بسيد ولد سيد من قبل، وتقاسم السلطة بالسوية مع الأمير أحمد سالم ولد إبراهيم السالم، وفي سنة 1930م تربع على عرش الإمارة ولبس "السروال الأبيض"، وتوفي ولد الديد بعد حياة مضطربة ومليئة بالمغامرات عن 63 سنة ، فقد أنحل جسمه جولاته وصولاته في مهامه الصحراوية وما تعرض له من الأخطار، وإن وسمه الزمان بميسمه فقد بقي وجهه الجميل محتفظا بجماله وبنظرته المريعة وكأن شفتاه تنبئان عن قوة وحزم، وكانت هذه آخر صورة أراه عليها قبل أيام من موته وكان خفيف شعر العارضين يصل شعره إلى مستوى صدغيه وكان يخضب شعر رأسه الكثيف، وكان يمشي الهوينى ويخطو بتؤدة ليظهر لون السروال الأبيض القصير الذي لا يحق لغيره أن يلبسه في الصحراء الموريتانية.

Christian Laigret

بتصرف

mederdratoday@gmail.com

هناك تعليقان (2):

غير معرف يقول...

بطل ورمز من رموز المقاومة، رغم قصر فترة مقاومته للفرنسيين

عبد الله

غير معرف يقول...

...
يقول سييديا ول هدار في مدح الامير احمد الديد
راهو سيديا بعد راح
واتمنوك واركب للرواح
واح عاد ابدلها باااح
عاكب دللي ل كامل شاك
امل اليلة كون راح
ول الديد لماك

09 نوفمبر, 2008