يكتب عن الشعر الحساني
بين واقع الإمتهان ومحاولات الإتقان
(1)
مقدمة الدراسة
أشار محمد ولد أحمد ولد الميداح في مقدمة دراسته إلى أن "للشعر مكانته الخاصة في قلوب كل العرب، و في بلادنا على وجه الخصوص، فإن له مكانة لم تستطع الفنون الثقافية الأخرى أن تصل إليها...
و لست من الذين يجعلون من المقارنة بين الشعر الفصيح وبين الشعر اللهجي، مادة فكرية خصبة، و موضوعا لنقاشات عقيمة، لأن لغة الخطاب لا تعدو عندي كونها أداة، تستمد جودتها من محتوى ما تشير اليه من معان و دلالات، و لكنني أقول جازما، إن الجماعة العربية التي تعرف بالبيظان، لها تعلّق منقطع النظير بالنمط الشعري المسمّى (لغنَ).
و لا غرابة في ذلك، لأنه يعبّر عن أحاسيسها، و تفهم معانيه دون أي مجهود فكري.
و أخيرا وبعد موجة من الإضطرابات الفكرية و الإيديولوجية، أدرك المثقفون الموريتانيون، أن الهوية الوطنية لا يمكن الحفاظ عليها غير محصّنة بالمميزات الثقافية لهذا البلد...
ومن إيجابيات هذا التوجّه، أن كل المثقفين في بلادنا، أصبحوا اليوم مهتمين بآدابهم الشعبية، و لكن الإيجابيات تصاحبها سلبيات لا مفر منها، و من أهمها تحول الشعر الحسّاني من شعر نخبوي لا يجرأ على ممارسته إلا من أهداهم المجتمع صفة "الفتي"، التي لا تنال إلا بشق الأنفس، إلى شعر شعبي، يوصف بالبراعة في فنونه كلُّ من فبرك كلمات لا ترقى بالضرورة إلى مستوى الخطاب الشعري، ومن الطبيعي أن تنمو هذه الظاهرة في غياب النقد البنّاء، و عدم تقنين معايير التقويم.
أشار محمد ولد أحمد ولد الميداح في مقدمة دراسته إلى أن "للشعر مكانته الخاصة في قلوب كل العرب، و في بلادنا على وجه الخصوص، فإن له مكانة لم تستطع الفنون الثقافية الأخرى أن تصل إليها...
و لست من الذين يجعلون من المقارنة بين الشعر الفصيح وبين الشعر اللهجي، مادة فكرية خصبة، و موضوعا لنقاشات عقيمة، لأن لغة الخطاب لا تعدو عندي كونها أداة، تستمد جودتها من محتوى ما تشير اليه من معان و دلالات، و لكنني أقول جازما، إن الجماعة العربية التي تعرف بالبيظان، لها تعلّق منقطع النظير بالنمط الشعري المسمّى (لغنَ).
و لا غرابة في ذلك، لأنه يعبّر عن أحاسيسها، و تفهم معانيه دون أي مجهود فكري.
و أخيرا وبعد موجة من الإضطرابات الفكرية و الإيديولوجية، أدرك المثقفون الموريتانيون، أن الهوية الوطنية لا يمكن الحفاظ عليها غير محصّنة بالمميزات الثقافية لهذا البلد...
ومن إيجابيات هذا التوجّه، أن كل المثقفين في بلادنا، أصبحوا اليوم مهتمين بآدابهم الشعبية، و لكن الإيجابيات تصاحبها سلبيات لا مفر منها، و من أهمها تحول الشعر الحسّاني من شعر نخبوي لا يجرأ على ممارسته إلا من أهداهم المجتمع صفة "الفتي"، التي لا تنال إلا بشق الأنفس، إلى شعر شعبي، يوصف بالبراعة في فنونه كلُّ من فبرك كلمات لا ترقى بالضرورة إلى مستوى الخطاب الشعري، ومن الطبيعي أن تنمو هذه الظاهرة في غياب النقد البنّاء، و عدم تقنين معايير التقويم.
الدور الباهت لوسائل الإعلام
ويزيد هذه الوضعية إستفحالا، أن وسائل الإعلام الرسمية -وهي التي يثق الناس بها أكثر من ثقتهم بغيرها من المصادر، نتيجة لعاملي البداوة و الإنبهار بكل ما هو تقني وجديد- لم تفكّر يوما من الأيام، في إنشاء هيئة رقابة على ما يقدّم عبرها، بل أصرّت طوال مسيرتها، على تقديم عشوائي لنصوص شعرية هي المثال الساطع للخلط بين الجيد و الرديء...
و في خضم عدوى الديمقراطية، وشعارات "تساوي الفرص"، فإن مقدّمي البرامج لم يجدوا بُدا من إنتداب قائمة من الشعراء، المنحدرين من كل المناطق الموريتانية، بحصص متساوية، وبغض النظرعن تفاوتهم في جودة الإنتاج، وغالبا ما يُقدّم أولئك "المقدّمون" نصوصا شعرية لإرضاء جهة ما...
ويمكن القول إن "الجهوية الثقافية" قد تجذرت بفعل "برامج الأدب الشعبي"، التي يتّصل بها المستمعون عبر الهواتف، لطلب "شي لَهْـلْ المقاطعة الفلانية"... سواء في ذلك المذرذرة، عاصمة "إكيدي" الثقافية، أو تمبدغة، عاصمة الأدب في منطقة الحوضين، أو "بابابي" التي لا يتحدث سكانها بالحسّانية...
ويروّج أولئك "الصحفيون" المعايير القبلية صراحة، عندما يقدّمون مثلا، الشاعر ولد المبارك ولد اليمين، كواحد من شعراء مقاطعة "واد الناكه"، أو ولد محمد آسكر من مقاطعة كرمسين.. و كان أولى بهم أن يقولوا إن الأول من "تاكنانت" و إن الثاني من "لغلال"، لأن المقاطعتين المذكورتين، ظهرتا بزمن طويل بعد وفاة هذين الشاعرين، الذيْن كانت بلاد "البيظان" كلها مقاطعة لهما..
و قد نبّهنا مرارا و تكرارا على ما لهذا الإنحراف من خطورة بالغة، على حاضر و مستقبل الشعر، منطلقين من مسلّمة مفادها، أن مبدأ المحاصصة لا يمكن إعتماده في تناول العلوم الإنسانية..
وحاولنا أن نلفت أنظار الجميع، إلى أن الأدب الموريتاني ملك لكل الموريتانيين، من جميع الأعراق و القبائل و الجهات .. ولكن مقالات ننشرها في الصفحات الداخلية من إحدى جرائد نواكشوط، ونقاشات نجريها أحيانا مع بعض"المثقفين"، لا وزن لها أمام الوسائل الرسمية والأكاديمية، ذات التأثير المباشر والتلقائي على عقليات الناس ..
ومن جهة أخرى، فقد ظهر باحثون آخرون، يتعاملون مع الشعر تعاملا مثيرا للجدل، و تعدّدت المراجع والإحالات، وأصبح كل من هبّ ودبّ، بإمكانه أن يتبوّأ المكانة الأدبية التي يريدها لنفسه، بمجرد أن يكتب مقالا، أو يقدّم بحثا عن الشعر الحسّاني، معتمدا على ما يمليه عليه خياله الجيّاش، أو على بحوث سبقه لكتابتها "باحثون" آخرون، يعتمدون نفس الأساليب التي يعتمدها هو.
وإننا، وإن كنا نحمّل إذاعة موريتانيا جزءا كبيرا من المسؤولية عن هذه الخلبطة الثقافية، فإننا نعترف لها بجهود جبّارة بذلتها في البحث عن شوارد الشعر الحسّاني، و في تعليم مبادئه عبر الأثير ..
ويزيد هذه الوضعية إستفحالا، أن وسائل الإعلام الرسمية -وهي التي يثق الناس بها أكثر من ثقتهم بغيرها من المصادر، نتيجة لعاملي البداوة و الإنبهار بكل ما هو تقني وجديد- لم تفكّر يوما من الأيام، في إنشاء هيئة رقابة على ما يقدّم عبرها، بل أصرّت طوال مسيرتها، على تقديم عشوائي لنصوص شعرية هي المثال الساطع للخلط بين الجيد و الرديء...
و في خضم عدوى الديمقراطية، وشعارات "تساوي الفرص"، فإن مقدّمي البرامج لم يجدوا بُدا من إنتداب قائمة من الشعراء، المنحدرين من كل المناطق الموريتانية، بحصص متساوية، وبغض النظرعن تفاوتهم في جودة الإنتاج، وغالبا ما يُقدّم أولئك "المقدّمون" نصوصا شعرية لإرضاء جهة ما...
ويمكن القول إن "الجهوية الثقافية" قد تجذرت بفعل "برامج الأدب الشعبي"، التي يتّصل بها المستمعون عبر الهواتف، لطلب "شي لَهْـلْ المقاطعة الفلانية"... سواء في ذلك المذرذرة، عاصمة "إكيدي" الثقافية، أو تمبدغة، عاصمة الأدب في منطقة الحوضين، أو "بابابي" التي لا يتحدث سكانها بالحسّانية...
ويروّج أولئك "الصحفيون" المعايير القبلية صراحة، عندما يقدّمون مثلا، الشاعر ولد المبارك ولد اليمين، كواحد من شعراء مقاطعة "واد الناكه"، أو ولد محمد آسكر من مقاطعة كرمسين.. و كان أولى بهم أن يقولوا إن الأول من "تاكنانت" و إن الثاني من "لغلال"، لأن المقاطعتين المذكورتين، ظهرتا بزمن طويل بعد وفاة هذين الشاعرين، الذيْن كانت بلاد "البيظان" كلها مقاطعة لهما..
و قد نبّهنا مرارا و تكرارا على ما لهذا الإنحراف من خطورة بالغة، على حاضر و مستقبل الشعر، منطلقين من مسلّمة مفادها، أن مبدأ المحاصصة لا يمكن إعتماده في تناول العلوم الإنسانية..
وحاولنا أن نلفت أنظار الجميع، إلى أن الأدب الموريتاني ملك لكل الموريتانيين، من جميع الأعراق و القبائل و الجهات .. ولكن مقالات ننشرها في الصفحات الداخلية من إحدى جرائد نواكشوط، ونقاشات نجريها أحيانا مع بعض"المثقفين"، لا وزن لها أمام الوسائل الرسمية والأكاديمية، ذات التأثير المباشر والتلقائي على عقليات الناس ..
ومن جهة أخرى، فقد ظهر باحثون آخرون، يتعاملون مع الشعر تعاملا مثيرا للجدل، و تعدّدت المراجع والإحالات، وأصبح كل من هبّ ودبّ، بإمكانه أن يتبوّأ المكانة الأدبية التي يريدها لنفسه، بمجرد أن يكتب مقالا، أو يقدّم بحثا عن الشعر الحسّاني، معتمدا على ما يمليه عليه خياله الجيّاش، أو على بحوث سبقه لكتابتها "باحثون" آخرون، يعتمدون نفس الأساليب التي يعتمدها هو.
وإننا، وإن كنا نحمّل إذاعة موريتانيا جزءا كبيرا من المسؤولية عن هذه الخلبطة الثقافية، فإننا نعترف لها بجهود جبّارة بذلتها في البحث عن شوارد الشعر الحسّاني، و في تعليم مبادئه عبر الأثير ..
تقديم
بون ولد إميدّه
نقيب المسرحيين الموريتانيين
mederdratoday@gmail.com
هناك تعليق واحد:
مساهمة نقدية مهمة
إرسال تعليق