الجمعة، 31 أكتوبر 2008


أحمد ولد الديد
1881-1944

أحمد ولد محمد فال ولد سيد ولد محمد لحبيب يرجع نسبه إلى قبيلة أولاد أحمد بن دمان وخاصة إلى البيت المشهور أهل محمد لحبيب الذي يمثل الفرع الثاني من ذرية الأمير المهيب أعل شنظوره، وقد تربعت أسرة أهل شنظورة منذ ما يزيد على قرنين من الزمن على عرش إمارة اترارزة ، أما أمه فتنتمي إلى قبيلة "أولا اللب" الموجودة بأكجوجت، وتجمعه رحم من جهة جده من الأم بقبيلة "الكرع" وهي قبيلة عربية تتمركز في منطقة انواذيبو، وبنسبه هذا حاز ولد الديد ما يؤهله ليكون رجلا من علية بني حسان وأشرافهم ونعني بذلك إدراك المكانة السامقة بين حملة السلاح، فكانت حياته زاخرة بالكر والفر،

عرف هذا الأمير بإسم "ولد الديد" وحاز شهرته بهذا اللقب، وأهل الديد أسرة من حلفاء الأسرة الأميرية، ووفاء لصلة الرضاعة رأت الأسرة الأميرية أن تسند ولدها وتضيفه إلى الأسرة التي ارتضع أثداء نسائها،
تأسست إمارة اترارزة في الجنوب الغربي من موريتانيا، وأطلق عليهم اترارزة نسبة إلى جدهم تروز ابن هداج، وكان لهذه الإمارة دور متميز في الحياة الثقافية والإجتماعية والسياسية، وبدأ دور هذه الإمارة يظهر ويقوي مع أحمد بن دمان المتوفى سنة 1636م والذي طار ذكره في معركة انتيتام التي وضعت حدا لنفوذ قبائل بني رزك على المنطقة، وبقيت الإمارة في ذريته وخاصة في ذرية حفيده أعل شنظوره المتوفى 1727م ، وانقسم أبناء أعل شنطورة إلى فرعين هما أهل أعمر ولد إعل شنظوره وتولى الإمارة ستة منهم وإستمر ملكهم من 1727 –1800 ومن مشاهير أمرائهم أعمر ولد أعل وأعل الكوري ولد اعمر ولد أعل والمختار ولد اعمر ولد اعل وقد قام المختار بدور أساسي من أجل بقاء هيبة الإمارة وتخليصها من هيمنة البراكنة وقد خصه سلطان المغرب الأقصى محمد بن عبد الله بطبل النحاس وشارة السراوايل البيضاء أما الفرع الثاني فقد أسسه اعمر ولد المختار ولد الشرقي ولد اعل شنظوره وبدأ ملكهم من سنة 1800 واستمر بعد الاحتلال الفرنسي، ومن مشاهير أمرائهم أعمر ولد المختار وقد وطد أركان إمارته، ولعل أعظم أمرائهم هو الأمير محمد لحبيب الذي ملك من سنة 1830-1860 وخلفه إبنه سيد ولد محمد لحبيب من 1860-1871 واشتهر بالعدل وحب العلماء وتقديرهم.

ولد ولد الديد في فترة لم تعرف إمارة اترارزة مثلها، فقد تكالب الأعداء على الإمارة وإنتشر اغتيال الأمراء، فأرسل ولد الديد وهو في المهد إلى منطقتي أكجوجت وانواذيبو فرار به من شر الأعداء المتربصين بأهل بيته، فنشأ وشب في كفالة أخواله من قبيلتي أولاد اللب والكرع،
ودرب ولد الديد منذ الصغر على قيم الفروسية فتفتقت مواهبه بسرعة وأبان عن قدرة خارقة على الصبر والتحمل، وكان فارع القامة كثير الصبر لا يعرف جسمه الفتي إرهاقا ولا ضجرا من طول السفر على ظهور العيس في مجاهل الصحراء، وكان وسيما ذا عينين حوراوين تشعان جمالا وتضفيان على شخصه مهابة وجلالا، وكان حسن الجمة سيدا قويا، وحين أعلمه أخوه من أبيه سيد ولد سيدي بنبأ اغتيال والدهما محمد فال جمع رجاله وقرب راحلته وغادر أرض أخواله وجد في السير ممتطيا ظهر جمله الأبيض الجميل في طريقه إلى أرض اترارزة، وهكذا فتح صفحة جديدة في حياته وبدأت أكمام عبقريته القيادية والقتالية تتفتق فشد المئزر لإستعادة مآثر آبائه، وتميز منذ اللحظات الأولي بالشجاعة وبمهارته الفائقة ولم تبطأ مواهبه تظهر وتتأكد فشأى أقرانه في أول المشاهد والمعارك التي شهدها وهي "اتويدمري" "امبجندي" و"اخريبكه" و " جيكينه"، ووافقت بداية ظهور عبقرية ولد الديد الفترة التي انصرفت فيها عناية السلطات الفرنسية المقيمة بسيلوي إلى فرض الإستقرار في بلاد البيظان، وهذا ما لم يشغل بال ولد الديد فظل يواصل كفاحه ضد المستعمر واستمر كذلك على منابذة وقتال أمراء اترارزة ، وفي هذا السياق وقعت معركة "لكويشيش" في 28 نوفمبر سنة 1908 م، وكانت لولد الديد معرفة تامة ببلاد البيظان وكان يحيط نفسه بحلفاء متعلقين بشخصه كل التعلق، فكان لا يحل إلا ارتحل وكان لا يسلك فجا إلا وملأ القلوب خوفا ورعبا وفي هذا الجو رأت السلطات الفرنسية ضرورة التدخل لوضع حد لموجة الفوضى، وفي هذا الخضم وقعت معركة "لكويشيش" والتي كان سببها غارة شنها ولد الديد ورجاله في منطقة المذرذرة وغنموا غنيمة كبيرة وانسحبوا إلى جهة الشمال متخذين من السهل الساحلي ملاذا آمنا لأنفسهم وأموالهم، وعندما وصل الخبر الملازم جان رابول خرج بنفسه على رأس مفرزة من الفرسان وعسكروا مساء 28 نوفمبر في ضواحي معدن الملح المسمي "انتيررت" غير بعيد من "اندجمارم " ولم يلبثوا أن وصلهم نبأ يفيد أن ولد الديد ورجاله قد وردوا ماء لكويشيش لسقي ماشيتهم وإتفق الفرسان والخيالة على مهاجمة العدو فجر اليوم الموالي، فما كان من ولد الديد إلا أن إنسحب إلى الجبال الساحلية التي تفصل الساحل عن السهل الشاطئي، فأحاط رابول ومن معه بجمال ولد الديد وعهدوا برعيها إلى بعض الرعاة، وتمكن ولد الديد بفضل موقعه حيث كانت تستره أشجار الطرفاء من رؤية العدو وهو يزحف نحوه فأبصر مواقعهم على طول منطقة لكويشيش بمحاذاة آفطوط إلى جهة الغرب فحدد وبدقة المواقع القتالية لأعدائه الذين يسعون إلى محاصرته عن طريق الفرسان من جهتي الجنوب والشمال فاجتاز الفرسان الجبال الساحلية وتمركزوا على الساحل، وتمكن ولد الديد ورجاله بواسطة أسلحتهم النارية التقليدية من منع زحف المهاجمين ولم يلبث الرقيب الذي يقود الفرقة أن قتل فتقدم الملازم رابول وبشجاعة للإستطلاع والكشف عن مواقع العدو فتسلق جبلا عاليا جدا ووقف يرصد مواقع العدو ولم تمض إلا لحظات حتى أصابته طلقتان ناريتان خر على إثرهما صريعا، فأوقف الخيالة القتال وانسحبت فلول جيش رابول مسرعة لا يلوون على شيء ولم يفكروا حتى قي أخذ إبل ولد الديد التي بقيت عند البئر، وأما الفرسان الذين فقدوا قائدهم فقد تجمعوا تحت إمرة ضابطي صف وتوجهوا إلى المذرذرة حاملين معهم نبأ موت الملازم رابول، قتل في معركة لكويشيش 120 فارسا وكانت هذه المعركة من أكثر المعارك خسارة بالنسبة للفرنسيين، وهكذا خرج ولد الديد من هذه المعركة منتصرا وكانت أول وقعة بينه وبين القوات النظامية للجيش الفرنسي فتعاظمت هيبته، إلا أنه إستشعر في قرارة نفسه ما قد يترتب على هذه المعركة من إنعكاسات سلبية فعزم على المصالحة مع السلطات الفرنسية وبذل جهودا دبلوماسية ما كان يعتقد أن تصدر عن مثل هذا المقاتل الفذ، وساعده في بحثه عن السلم، الشيخ سيديا باب الذي أهمه تسيب بلاده وكان لا يألو جهدا من أجل استتباب الأمن، فآتت هذه المساعي أكلها ووقّع ولد الديد بنفسه على ابرتكول سلام في شهر يناير من سنة 1910م بأبي تلميت، وصفح الحاكم الفرنسي عما بدر منه وأحيل للإقامة بإمارة اترارزة كما فعل بسيد ولد سيد من قبل، وتقاسم السلطة بالسوية مع الأمير أحمد سالم ولد إبراهيم السالم، وفي سنة 1930م تربع على عرش الإمارة ولبس "السروال الأبيض"، وتوفي ولد الديد بعد حياة مضطربة ومليئة بالمغامرات عن 63 سنة ، فقد أنحل جسمه جولاته وصولاته في مهامه الصحراوية وما تعرض له من الأخطار، وإن وسمه الزمان بميسمه فقد بقي وجهه الجميل محتفظا بجماله وبنظرته المريعة وكأن شفتاه تنبئان عن قوة وحزم، وكانت هذه آخر صورة أراه عليها قبل أيام من موته وكان خفيف شعر العارضين يصل شعره إلى مستوى صدغيه وكان يخضب شعر رأسه الكثيف، وكان يمشي الهوينى ويخطو بتؤدة ليظهر لون السروال الأبيض القصير الذي لا يحق لغيره أن يلبسه في الصحراء الموريتانية.

Christian Laigret

بتصرف

mederdratoday@gmail.com

الخميس، 30 أكتوبر 2008


عمدة المذرذرة
"ميزانية البلدية عاجزة عن خدمة سكان المدينة"

شارك عمدة بلدية المذرذرة أحمدو ولد المؤيد قبل البارحة فى برنامج "تحت الضوء" الذي يبثه التلفزيون الموريتاني،وقد أبدى العمدة عدم رضاه عن وضع بلديته مؤكدا أن من بين مدارسها مدارس تم تشييدها منذ العام 1940 دون أن تستفيد من أي ترميم.
وقال ولد المؤيد أن ميزانية بلديته لا تتجاوز مبلغ مليوني أوقية سنويا وهو ما يجعل البلدية عاجزة عن القيام بأي إنجازات، وتحدث العمدة عن غياب المنشآت الثقافية والرياضية فى المدينة مطالبا بتحسين وضع البلديات وإمدادها بالوسائل التي تمكنها من التدخل اللازم، وإلا فإن الروح الوطنية لدى هؤلاء السكان ستضعف يوما بعد يوم على حد تعبير ولد المؤيد.
جدير بالذكر أن أحمدو ولد المؤيد تم انتخابه عمدة لبلدية المذرذرة خلال الانتخابات البلدية الماضية التي جرت فى عهد المجلس العسكري، وكان ينتمي حينها لحزب تكتل القوى الديمقراطية الذي خرج منه مغاضبا بعد موقف الحزب المتردد فى دعم انقلاب السادس أغسطس.

إمام الدين ولد احمدو
المذرذرة اليوم
mederdratoday@gmail.com

الاثنين، 27 أكتوبر 2008


ولد إمسيكه
بين الأسطورة والحقيقة


ولد محمد ولد إمسيكه مطلع القرن الماضي في ضواحي المذرذرة،
وألتحق في بداية مشوار حياته بالشركة الفرنسية التي كانت تتولي تشييد الطريق الرابط بين لقوارب، روصو حاليا ومدينة نواكشوط التي ستصبح عاصمة البلاد فيما بعد ، فدخل الشاب الطموح "ولدامسيكة" شركة "صنب طلي "، وأكتتب عاملا "منيفر" فعمل مع الفرنسيين بجد وتفاني، ساعدته عليهما همته وبنيته الجسدية القوية،
توقع ولد إمسيكه المكافأة والترقية، لكن الفرنسيين خيبوا آماله، حيث كانوا يستغلون قوة القوي ونشاط المتحمس وهمة المجد، فيزيدون عليهم العمل دون حقوق أو إمتيازات، بل كانوا يجبرون الأهالي على الحفر والردم دون أي مقابل وكان "كوميات " أعوان الفرنسيين من الموريتانيين يتولون إرغام الناس على العمل ويستعملون لذلك كافة وسائل الظلم ليثبتوا إخلاصهم وكفاءتهم وولاءهم للفرنسيين وكان الأهالي يخفون أولادهم وإذا عثر عليهم "كوميات" يتعرضون للتنكيل والتعذيب.
ذاق ولد إمسيكه مرارة الظلم والجور وشاهد تعذيب أبناء جنسه، فأمتلأ صدره حقدا وغيظا على الفرنسيين وأعوانهم "كوميات"، فعقد العزم على محاربتهم والقعود لهم بالمرصاد.
كان ولد إمسيكة قوي البنية شجاعا مقداما راميا، له قدرة فائقة على التخفي عن أعين الأعداء، يحن على الضعيف ويواسي المحتاج على قلة مافي يده في أغلب الأحوال، وكان الناس يحبونه ويتعاطفون معه.
أغار ولد إمسيكه على الفرنسيين غارات عديدة وسلب منهم السلاح ونهب الأموال وكانت دائرة تحركه بين ثلاث ولايات من الولايات الموجودة اليوم هي "اترارزة والبراكنة وكوركل" فمن ضواحي نواكشوط وتكنت وروصو والمذرذرة وبوتلميت إلى ألاك ودبانكو وبوكى ولخريزة وأكان إلى كيم ومنكل وشكار ومقطع لحجار، وكان يقوم بعملية في المنطقة الشرقية وفي اليوم الموالي يقوم بأخرى في المنطقة الغربية من دائرة عملياته.
كانت عمليات "ولد إمسيكه" في الغالب يكتسيها نوع من الطرافة، ومنها على سبيل المثال أن أحد المخبرين أبلغ مرة أن ولد إمسيكه في مدينة "ألاك" فبعث الفرنسيون مجموعة من "كوميات" للبحث عنه والقبض عليه وصادف ذلك أن كان الفنان الكبير المعروف "لعور ولد إنكذي " يحيي أمسية غنائية في ضواحي المدينة، فذهب "كوميات" إلي الأمسية يتحسسون أخبار ولدامسيكة - حيث كان محبا للأمسيات الشعبية ومداحا من الطراز الأول - وكان هو منظم أمسية "لعور" دون أن يعرفه كوميات، فلما انتهت الأمسية أخذ "ولد إمسيكة " بندقيته وأطلق النار على كوميات مما أفزع الفنان "لعور" وأنهى الأمسية.
إشتدت ضربات ولد إمسيكه على الفرنسيين وأعوانهم، فأستقدموا خبيرا "سينغاليا" متخصصا في تعقب الفارين، يسمي " موسى بيدي" الذي أكد أن مسألة القبض على ولد إمسيكه مسألة وقت فقط.
وفي يوم من الأيام أخبر موسى بوجود ولدامسيكه عند أسرة في بوتلميت يتردد عليها دائما ويقيم عندها ويتزود بالمؤن وتتستر عليه، فأسرع موسى إلى الأسرة المعنية، وبينما هو في الطريق إذ قابله "ولد إمسيكه"، فسأله إذا كان يبحث عن ولد إمسيكه، فرد موسي بالتأكيد، فقال له ولد إمسيكه إتبعني أدلك على ولد امسيكه وراء هذا الكثيب، فلما تواريا خلف الكثيب إنتزع منه بندقيته وجرده من ملابسه وأخذ جمله الذي كان يمتطيه وقيد يديه وتركه، فما راع الناس إلا موسي وهو ينزل من الكثيب مقيد اليدين عاريا وكان الوقت ضحوة.
قبض مرة علي ولد امسيكة ونقل إلي "ألاك" تحت حراسة مشددة، فأدخل علي الحاكم الفرنسي وقام بينهما المترجم فقال ل"ولد إمسيكه "الحاكم يقول لك إنك ستسجن في هذا السجن حتى تحاكم .. ونحن على أبوب الخريف و"ألاك" في الخريف شديد الحرارة والرطوبة وكثير البعوض .. فتبسم ولد إمسيكه وقال قولته المشهورة التي أصبحت مثلا سائرا بين الناس "كول ذاك إلحد أمخرّف هون " وفي تلك الليلة كسر باب السجن وذهب لشأنه.
رصد الفرنسيون جائزة مغرية لمن يساعد على القبض على "ولد امسيكة " وضاعفوها عدة مرات، لكن الرجل ظل مستعصيا لمهارته الفائقة في أساليب التخفي من جهة ولتعاطف السكان معه من جهة أخرى وحبهم الشديد له، ولكن لكل أمرنهاية ولكل قاعدة شذوذ،
فكان سبب القبض على ولد إمسيكه هو الجشع وحب المال اللذين لاتصمد أمامهما قاعدة مع أصحاب النفوس الضعيفة
بينما كان ولدامسيكة في يوم من الأيام يعد الشاي تحت سمرة في فلاة - كعادته - في ولاية البراكنة قرب منطقة لخريزه، إذ رأى رجلين مقبلين، فأمتشق خماسيته وأخذ موقعه، فلما إقترب الرجلان إذا بهما صديقين قديمين له يعرفهما في بوتلميت فتبادل السلام والحديث معهما، ثم قال لهما أنا لاأثق في أحد .. فقالا له كيف تشك في صديقيك "سام وعبدات" ؟ فوافق "ولد امسيكة" بعدما أعطياه موثقا من الله أن لايخبرا عنه أحدا، فبدأ كعادته بإكرام ضيفيه، وعلق خماسيته على شجرة قريبة وبدأ يشوي اللحم لصديقيه، لكن "عبدات" تذكر أن الجائزة مغرية فتبادل مع زميله "سام" النظرات والهمسات وكان "ولد إمسيكه" على بعد أمتار منهما، فقفز "عبدات" إلي خماسية ولد إمسيكة المعلقة على الشجرة، وصوبها نحو مضيفه الذي أخذ منه العهد والأمان، فأرداه قتيلا وقطعا رأسه وحملاه إلى الحاكم الفرنسي في "ألاك" حيث تنتظرهما الجائزة حسب إعتقادهما، لكن الحاكم الفرنسي ثارت ثائرته وأستشاط غضبا وأمر بسجن القاتلين وقال لهما أنا أريده حيا لأنه مطلوب في "باريس" ولوكنا نريد قتله لقتلناه .. ووفرنا الجائزة لكننا كنا ندرك صعوبة إعتقاله.
في تلك الصائفة شهدت البلاد ريحا، عرفت "بإريفي ولد إمسيكه" وصار يؤرخ بها، وتوافق سنة 1950م ودفن البطل "ولدامسيكة" في ألاك بعيدا عن مسقط رأسه في ضواحي" المذرذرة".
بعد مقتل ولد امسيكة رآه أحد أصدقائه في المنام وهو ينشد
كول إلسام أكول إلعبدات
والقوم إلليّ كبظو بيدي
عن يوم الدني راه فات
نلكاهم يوم الوعيــد

محمد فاضل ولد الحسن
المشهد الموريتاني بتصرف
المذرذرة اليوم

الجمعة، 24 أكتوبر 2008


الطرق والسكان
تطور شبكة الطرق البرية بمقاطعة المذرذرة وعلاقته بالتحولات السكانية

مقاطعة المذرذرة هي إحدى المقاطعات الست المكونة لولاية الترارزة، وتعد المذرذرة تاريخيا القلب السياسي والثقافي لبلاد الترارزة؛ فهي مركز بيت الإمارة والمسرح الجغرافي لأهم أحداثها السياسية. وتضم المقاطعة اليوم خمس بلديات هي: الخط، والمذرذرة، والتاكلالت، وأبير التورس، وتكند.
وتقع مدينة المذرذرة –عاصمة المقاطعة- في الطرف الجنوبي لمنطقة إيكيدي، وتعود تسمية "المذرذرة" (أي المتهدمة) إلى سرعة تهدم محفرها الأول، الذي حفر حول موقع بئر قديمة كانت تدعى "أنذيكرتن" أي "بئر ذيكرتن" وهم بطن من قبيلة "أنكادس" (ابن أحمد يورة - 1992، ص: 56) وهي قبيلة صنهاجية منقرضة تعد من أقدم مجموعات القبلة.
ولقد عرفت المقاطعة –كغيرها من مناطق موريتانيا- تحولات سكانية ومجالية عميقة خلال العقود الأربعة الأخيرة. ولعل من أبرز مظاهر تلك التحولات ما هو متصل بتطور شبكة النقل والمبادلات، وتغير الخريطة السكانية. لذلك تحاول هذه الورقة معالجة هذه الجوانب من زاوية جغرافية.
وانطلاقا من المعطيات المتوفرة والمصادر المعتمدة تلقي هذه المعالجة الضوء على التطور التاريخي لشبكة الطرق البرية في المنطقة المعنية منذ العهد الوسيط وحتى الاستقلال. ثم تحاول رسم صورة للخريطة الحالية للطرق البرية، على أن تخلص في المحور الأخير إلى محاولة رصد أهم التحولات السكانية من حيث الحجم والتوزيع.
نظرة على التطور التاريخي لشبكة الطرق البرية
يعود البدء في تشييد أول طريق معبد يعبر مقاطعة المذرذرة إلى سنة 1967، لكن مجال المقاطعة الحالي عرف ظهور عدد من الدروب والمسالك الترابية منذ عهود قديمة؛ ولعل أهم تلك الدروب طريق القوافل الساحلي الذي كان يصل في العصر الوسيط مملحة آوليل بنول لمطة، وطريق آوليل – آوداغست.
عرفت هذه الدروب والمسالك تغيرات عديدة بفعل عوامل متنوعة لعل أهمها المبادلات التجارية الأطلسية بين السكان المحليين والقوى الأوربية، خاصة فرنسا التي بسطت نفوذها على البلاد تدريجيا، واختطت إدارتها الاستعمارية طريقا بريا يربط بين السنغال والجزائر عبر موريتانيا.
الطريق الساحلي: آوليل – نول لمطة
وكان ينطلق من نول لمطة (واد نون) في جنوب السوس الأقصى على الساحل الأطلسي للمغرب، ويتجه جنوبا ليصل إلى مملحة آوليل. وكانت القوافل تقطعه خلال شهرين، ويربط بعض الباحثين ظهور هذا الطريق بالرحلات البحرية القرطاجية خلال القرن 5 ق. م (ولد الحسين - 2007، ص: 271).
وتعد مملحة آوليل من بين أشهر الممالح التي عرفت رواجا تجاريا كبيرا خلال العصر الوسيط كما تعتبر من أقدم الممالح استغلالا (ولد الحسين - 2007، ص: 52-53). وقد ذكر ابن حوقل في القرن العاشر أن حمل الجمل من ملح آوليل كان يباع بثمن يتراويح ما بين 200 و300 مثقال من الذهب (ولد الحسين - 2007، ص: 88).
لقد اختلف المؤرخون في تحديد الموقع الحالي لمملحة آوليل فهو قد يكون <<معدن "الخشيم" الذي يبعد نحو تسعين كلم شمال نواكشوط، أو معدن "أنتررت" الذي يبعد نحو مائة كلم جنوبه، أو معدن "جوز" (الجريدة) الذي يبعد نحو ثلاثين كلم إلى الشمالي الغربي من نواكشوط>> (ابن حامدن - 2000، ص: 27). ومن المرجح أن مملحة آوليل هي بالفعل التي تحمل في الوقت الحالي اسم "أنتررت" (ولد الحسين - 2007، ص: 427) والواقعة بالقرب من مدينة تكند.
طريق آوليل - آوداغست
كانت تنطلق من نهاية الطريق الساحلي الجنوبية (آوليل) طريق أخرى تتجه من الغرب إلى الشرق، مسافة شهر من السير تؤدي إلى آوداغست. ويعتقد أن القوافل المحملة بملح آوليل كانت تستغل المنخفضات الواقعة بين الكثبان الرملية حتى تصل إلى الحدود الجنوبية لآوكار الغربي، لتتجه شرقا بين آوكار ولبراكنة، وتصل إلى الحوض (آوداغست) بعد أن تعبر مضيق جوك بين هضبة تكانت والعصابة، من الموقع الذي يمر به الطريق المعبد الحالي "طريق الأمل" (ولد الحسين - 2007، ص: 272).
الطريق الامبريالي:
مثل احتلال الفرنسيين لموريتانيا منذ 1903م منعطفا هاما في تاريخ النقل البري في البلاد كغيرها من أقطار المنطقة. حيث ارتكزت السياسة الفرنسية على إقامة نقاط قوية على السواحل ثم التوغل تدريجيا نحو الداخل، بحثا عن مصادر الثروة وتقوية للسيطرة السياسية الاستعمارية. وهي خطة مشابهة لتلك التي اتبعتها في معظم دول إفريقيا الغربية الفرنسية (A.O.F.).
وهكذا أقام الفرنسيون عند المذرذرة مركزا عسكريا وإدرايا سنة 1325 هـ (ابن حامدن - 1993، ص: 160)، حيث ارتبطت كغيرها من المراكز العسكرية والإدارية بمسالك جديدة. وفي سنة 1927 تمت أول رحلة بالسيارات بين "روصو" و"أطار" (ODETTE (D.P.) - 1954, p:7.)، وشكلت هذه الرحلة بداية ظهور أهم مسلك خلال الفترة الاستعمارية عرف باسم "الطريق الإمبريالي".
ففي سنة 1934 وبعد القضاء على المقاومة المسلحة في موريتانيا سعت فرنسا إلى ربط مستعمراتها في شمال إفريقيا بمثيلتها في غربها بطريق يعبر موريتانيا، حيث دأب المسؤولون الفرنسيون في البلاد على التنويه بالأهمية الحيوية لطريق كهذا ودوره في تنمية المبادلات التجارية (ODETTE (D.P.) - 1954, p:7.).
وكانت تهيئة الطريق الامبريالي ومعلمته قد سهلت للقوات الفرنسية في كل من الجزائر والمغرب وموريتانيا التواصل والتنسيق فيما بينها، كما ضمنت تزويد الحاميات العسكرية بالمؤن والذخيرة. وفضلا عن الدور العسكري-الاستراتيجي للطريق فقد ساهم في بعث حركية تجارية ساعدت على نمو بعض المراكز على طوله وكان يعبر الأجزاء الغربية من مقاطعة المذرذرة الحالية.
ثانيا: الخريطة البرية بمقاطعة المذرذرة
يخترق مقاطعة المذرذرة محوران رئيسيان للنقل البري؛ يتمثل أولهما في الطريق المعبد نواكشوط – روصو وهو ذو امتداد شمالي – جنوبي. أما المحور الثاني فهو طريق ممهد ذو امتداد شرقي – غربي ويتألف من ثلاثة مقاطع هي: تكند – الأطلسي، وتكند – المذرذرة، والمذرذرة – الركيز.
1- طريق نواكشوط – روصو
بنيت هذه الطريق بين سنتي 1967 و1970 بتمويل مشترك بين الدولة الموريتانية والصندوق الأوربي للتنمية، وهي تخترق الأجزاء الغربية من مقاطعة المذرذرة (بلدية تكند).
وجاء رصف هذه الطريق تلبية لاحتياجات اقتصادية ملحة ألا وهي تموين مدينة نواكشوط ومن خلالها مناطق الشمال والوسط بالسلع والمواد المستوردة عبر ميناء دكار الذي كانت تمر منه وقتئذ كل واردات البلاد تقريبا. إضافة لذلك توفر الطريق الاتصال بالمناطق الزراعية والرعوية في الجنوب والجنوب الشرقي التي ينتظر أن تكون ظهيرا يزود مدينة نواكشوط بمنتجاته الفلاحية، وسوقا تستخدم مرفأ نواكشوط المنشأ سنة 1966 لاستيراد حاجياتها وتصدير منتجاتها، مما سيسمح تدريجيا بالحد من البضائع القادمة من دكار ويدفع بـ"مرتنة" قطاع النقل الطرقي وقطع التبعية الاقتصادية للسنغال.
إن أهمية ودور الطريق ظلا وثيقي الصلة بنشاط منشآت نواكشوط البحرية, لذلك تناقص حجم الحركة القادمة من الجنوب بارتفاع حجم واردات مرفأ نواكشوط. وفي المقابل زاد حجم الحمولة المتجهة جنوبا عبر الطريق. ولأنها لا تمتد على مسافة طويلة وتكاد تكون طريقا دولية لاعتمادها على التبادل الدولي أكثر من المحلي، فإنها فقدت جزءا كبيرا من حيويتها مع افتتاح ميناء الصداقة والأزمة مع السنغال وما تبعها من إغلاق للحدود بين البلدين سنة 1989.
2 - طريق تكند - المذرذرة
يبلغ طوله 48 كلم من التربة المدعمة، وقد بنيت هذه الطريق بين سنتي 1995 و1997، بتمويل كامل من ميزانية الدولة. وكان ينتظر منها تثبيت السكان وفك عزلة المقاطعة، التي شهدت خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات؛ موجة نزوح شديدة بسب الجفاف والتصحر.
لقد ساهمت هذه الطريق في تخفيض التكلفة المادية والزمنية للرحلة بين مدينتي المذرذرة ونواكشوط، حيث انخفضت مدة الرحلة إلى النصف. كما أصبح في مقدور مختلف أصناف السيارات الوصول إلى مدينة المذرذرة على مدار السنة. واليوم وبعد عقد من اكتمال تشييد طريق "الوفاء"؛ إلا أن غياب الصيانة الدائمة يؤثر سلبا على كفاءتها.
3 - طريق المذرذرة – التاكلالت- الركيز
بدأت أشغال هذا الطريق يوم 12 مايو 2005، ويبلغ طوله 56 كلم من التربة المدعمة، بتمويل كامل من ميزانية الدولة بلغ 510 مليون أوقية. وتولت تنفيذ أشغاله شركة EBTR الوطنية.
ويمثل طريق المذرذرة - اركيز امتدادا لطريق تكند – المذرذرة، وقد ربط من جهة مدينة الركيز بمحور نواكشوط – روصو، ومن جهة أخرى مكن هذا الطريق من فك العزلة عن عشرات آلاف السكان في بعض القرى والتجمعات السكنية في المقاطعتين، وساهم في استغلال الموارد الزراعية والرعوية لمختلف تلك المناطق.
4- طريق تكند – المحيط الأطلسي
يبلغ طوله 16 كلم من التربة المدعمة، وقد بدأت أشغال إنجازه مع سابقه يوم 12 مايو 2005، بتكلفة 194 مليون أوقية من ميزانية الدولة. وتولت تنفيذه شركة TRANCTT الوطنية.
وكان طريق تكند – الأطلسي يهدف إلى تزويد مناطق تكنت وروصو والمذرذرة واركيز وكل القرى المجاورة بالمنتجات السمكية، كما انتظر منه أن يساهم في تنمية وتطوير البنى التحتية السياحية على مستوى "تكند" و"لكليته" على الساحل الأطلسي. وكذلك في توسع مدينة تكند ونموها الحضري أفقيا ذلك أن غالبية المدن والقرى تنحصر في شريط ضيق حول الطريق المعبد.
ومن المؤمل أن يلعب هذا الطريق دورا مهما في تنمية الصيد التقليدي والسياحة في المقاطعة، وبالتالي تحسين الأحوال الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية للسكان.
ثالثا: بعض ملامح التحولات السكانية
يمكن ملاحظة التحولات السكانية في مقاطعة المذرذرة من خلال تطور العدد الإجمالي لسكانها ونمط إقامة هؤلاء السكان. فقد أدت العزلة التي عانت منها أجزاء واسعة من المقاطعة إلى نزوح سكاني كبير لم تخف وتيرته إلا منذ منتصف التسعينيات. وفي المقابل ساهم بناء الطرق البرية المعبدة والممهدة في تعزيز ظاهرة التقري بين السكان.

1- الحجم السكاني لمقاطعة المذرذرة؛ بين التناقص والانتعاش
عرف عدد سكان المقاطعة تناقصا حادا خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات، حيث انتقل من 42306 نسمة سنة 1977 إلى 27158 نسمة سنة 1988؛ أي بمعدل نمو سكاني سالب بلغ 35.8- %. ويرجع هذا التناقص إلى اشتداد موجات الجفاف التي توالت على المنطقة منذ مطلع السبعينيات، إضافة إلى عزلة أجزاء واسعة من المقاطعة.
لكن بناء طريق تكند – المذرذرة ساهم في ظهور عدد من التجمعات السكانية الجديدة على طوله، مثل "المقام" و"أم أجنيح" و"تندغيدسات"، وكذلك "الدار البيضاء" التي أعيد إعمارها بعد إنشاء الطريق. وقد بلغ مجموع سكان هذه التجمعات سنة 2000 حوالي 1000 نسمة. هذا فضلا عن عدة تجمعات سكانية أخرى؛ ظهرت على طول الطريق بعد عام 2000.
كما شهدت مدينة المذرذرة و"حواضر" أخرى كانت قائمة عودة بعض قدماء سكانها في شكل هجرة عكسية. لذلك عاد نمو سكان المقاطعة إلى الارتفاع مجددا ليصل 37278 نسمة في تعداد 2000 مسجلا زيادة معتبرة تصل إلى 37.2 % مقارنة بتعداد 1988.
التقري وتناقص نسبة الرحّل
أدى تشييد طريق نواكشوط – روصو؛ إلى تغيير كبير في خريطة توزيع السكان بمقاطعة المذرذرة، وذلك من خلال نزوح سكان عدة تجمعات للاستقرار على جنبات الطريق، وبتشجيع ظاهرة التقري بين السكان الرحل.
لقد عرفت نسبة السكان الرحل في مقاطعة المذرذرة تناقصا مستمرا خلال العقود الثلاثة الأخيرة. حيث تراجعت من 58.5 % سنة 1977، إلى 22.9 % سنة 1988، لتصل سنة 2000 إلى نسبة 14.8 % من سكان المقاطعة.
ورغم هذا التراجع في نسبة السكان الرحل إلا أن مقاطعة المذرذرة سجلت سنة 2000 أعلى نسبة من السكان الرحل بين نظيراتها في الولاية، بعد أن كانت تحتل المرتبة الرابعة سنة 1977 مسبوقة بمقاطعات واد الناقة وبتلميت وكرمسين على التوالي. وفي سنة 1988 احتلت المرتبة الثانية بين مقاطعات الترارزة من حيث نسبة الرحل من ساكنتها مسبوقة بمقاطعة كرمسين.
رغم ارتباط عاصمة مقاطعة المذرذرة بشبكة الطرق البرية الوطنية من خلال طريق ممهد، فإن سكان المدينة يتطلعون إلى اليوم الذي تصلهم فيه طريق معبدة. وفي انتظار ذلك ربما يجد أبناء المذرذرة أملا جديدا في مشروع سكة الحديد المزمع بناؤها بين نواكشوط ومنجم "بوفال" والتي ينتظر أن تخترق بلديات المقاطعة الشمالية.
....................
المصادر والمراجع
- ابن أحمد يوره (أمحمد) - 1992: إخبار الأحبار بأخبار الآبار، تحقيق: أحمد (جمال) ولد الحسن، منشورات معهد الدراسات الإفريقية، جامعة محمد الخامس، الرباط، 76 صفحة
- ابن حامد (المختار) - 1993: حياة موريتانيا <<الجغرافيا>>، منشورات معهد الدراسات الافريقية، جامعة محمد الخامس، الرباط، 348 صفحة.
- ابن حامد (المختار) – 2000: موسوعة حياة موريتانيا (1)، التاريخ السياسي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 393 صفحة.
- ولد حامدن (سليمان) - 2002: تنظيم النقل الطرقي وتنظيم المجال بموريتانيا، بحث لنيل شهادة الدراسات المعمقة (الماجستير) في الجغرافيا، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة تونس، 230 صفحة.
- ولد الحسين (الناني) – 2007: صحراء الملثمين؛ دراسة لتاريخ موريتانيا وتفاعلها مع محيطها الإقليمي خلال العصر الوسيط، دار المدار الإسلامي، بيروت، 576 صفحة.
- المكتب الوطني للإحصاء، نتائج التعدادات 1977، 1988، 2000.
- ODETTE (D.P.) – 1954: la Piste Maroc-Sénégal, Librairie Plon, Paris, 314p.
........................
سليمان ولد حامدن
أستاذ جامعي

المذرذرة اليوم

الثلاثاء، 21 أكتوبر 2008

جمال ولد الحسن
عطاء غزير في عمر قصير


خريف 1981 كانت جامعة نواكشوط قد فتحت أبوابها لأول مرة، ومع بدء الدروس فيها، استقبلت مدارجها وقاعات محاضراتها استاذا لامعا للآداب، لم يكن رغم حداثة سنه التي لم تتجاوز الاثنتين والعشرين بالنكرة، بل كان جمال ولد الحسن (وهو المقصود هنا) قد عرف قبل عودته من تونس ـ متخرجا بتفوق أذهل اساتذته ـ شاعرا مرموقا، وكاتبا متميزا، من مؤسسي رابطة الأدباء والكتاب الموريتانيين، ومن رموز الحركة الشعرية آنذاك، لا تفتأ اذاعة موريتانيا وصحيفتها اليومية الوحيدة متابعة نشاطه الثري، ونشر ثمرات ابداعه الغزير.ولذا فإن السنوات الخمس التي قضاها في الجامعة التونسية، لم تزده شهرة ولا تألقاً، حتى ولو كان استطاع الفوز بالمركز الأول في مسابقة التبريز في الآداب، التي لم يكن النجاح فيها متاحا لغالبية الطلبة، بل محصورا في صفوف نخبة قليلة متميزة.
ومن تونس عاد المدرس الشاب يحدوه طموح لا حدود له لدفع الدرس الاكاديمي والبحث العلمي في بلاده، ذات التراث الثقافي والديني العريق، وان كانت تعوزها التقاليد التربوية الحديثة، ويندر فيها الانتاج الفكري المعاصر، ولا يزال ارثها العلمي مطمورا في المكتبات الاهلية البدوية، غير متوفر للباحث والمثقف، مجهولا لدى غير الموريتانيين. وسرعان ما رسم ولد الحسن خطة واسعة تنوء بالرجل العادي لبلوغ هدفه المذكور، جمعت بين نشر واستنبات المعارف والمناهج الجديدة في البنية التربوية والثقافية المحلية، وجمع وتحقيق نصوص التراث الموريتاني بالطرق والأساليب الحديثة. وهكذا عرفت قاعات الدرس الأدبي لأول مرة في تاريخ البلاد العلوم اللغوية واللسانية الجديدة، ومناهج التحليل الاسلوبي المعاصرة، ولم تكن جهود ولد الحسن محصورة في الدرس الأدبي، بل تجاوزته الى حقول عديدة، كان اسهامه فيها بارزا، واطلاعه عليها كاملا، مثل الدراسات الاسلامية، وتاريخ وسوسيولوجيا المجتمع الموريتاني، واتجاهات الفكر العربي والعالمي.وفي عشرين سنة قضاها متنقلا بين التدريس والبحث، استطاع علم موريتانيا البارز تحقيق مطامحه، وتجسيد خطته الطموحة، قبل ان تخطفه يد المنون في ريعان شبابه وأوج عطائه، وقد بكته الاوساط الثقافية والعلمية والادبية بحرقة وألم، ورأت في رحيله المفاجئ نكبة أليمة لبلد اعطاه سنوات عمره العريضة وان كانت قصيرة حسب عبارة أحد نادبيه والمقربين إليه.ويذهل المرء من حجم انتاجه الغزير، في عمر لا يتجاوز اثنتين واربعين سنة، لم يعرف فيها طفولة الأطفال، ومراهقة المراهقين، وكأن حكمة الشيوخ وتبصرهم قد ولدا معه.فإلى جانب إنتاجه الشعري والذي لم يسع يوما لتدوينه، ولم يكن يراه ـ على أهميته الفائقة ـ سوى نمط من الهواية ترك الفقيد أعمالا عديدة، توزعت بين التحقيقات والدراسات والترجمات، تنضاف اليها دروسه ومحاضراته التي لم تكن أقل أهمية، ولا أقل تأثيرا من كتاباته المنشورة.ولقد وفق الراحل في نشر أهم وأبرز نصوص التراث الموريتاني محققة بالطرق المنهجية الدقيقة المبتكرة، وأشرف على تحقيق عشرات النصوص الأخرى، في سياق المجهود المهم الذي اضطلع به سنوات تدريسه في جامعة نواكشوط ومدرسة المعلمين العليا.ويذكر له الموريتانيون كلهم باعتزاز وامتنان، انه هو الذي عرف بثقافتهم وتراثهم في الوطن العربي، ونجح بذلك في تصحيح صورة الشناقطة في وعي ومخيلة بني قومهم.أما دراساته فقد تمثلت في تقديم محاولات جادة لكتابة تاريخ الثقافة الموريتانية أدبا وفكرا، لا شك في أنها نص مؤسس لتقاليد علمية وبحثية، بدأت تتخذ شكلا مؤسسيا وطيدا. ولا شك ان نجاح هذه الجهود راجع قبل كل شيء إلى شخصية الفقيد المتميزة المركبة، الجامعة بين خصال قل امتزاجها في الافراد العاديين.ومن هذه الخصال قدرة خارقة على الحفظ والاستيعاب، مكنته ـ على طريقة العلماء الشناقطة الأقدمين ـ من حفظ أساسيات التراث العربي الوسيط متونا ونصوصا ودواوين شعرية، حتى ولو لم يكن انتظم إلا في فترات متقطعة في حلقات التعليم المحظري (أي الدراسات التقليدية المحلية التي توفرها المؤسسات الأهلية المسماة محاظر).تنضاف إلى هذه الخصلة، ذاكرة حادة لا تنسى أدق التفاصيل، ولا تفوتها جزئيات الأمور، وقدرة غريبة على البناء والتركيب، وابداع الاطروحات والنظريات التحليلية، واستثمار النصوص والمعطيات في بلورة النماذج البرهانية المحكمة الدقيقة، بما كان يثير دوما اعجاب الدارسين، ويرضي فضول المؤرخين والباحثين في حقل الانسانيات اجمالا.وإلى جانب تكوينه التقليدي الرصين، استطاع الفقيد التسلح بثقافة حديثة قوية، بفضل اطلاعه الواسع على الكتابات الفكرية الاحدث، التي كان يتابعها بانتظام، ويحرص على اقتنائها في لغاتها الأصلية، فتظهر آثارها في أعماله ويستبطنها أسلوبه في الكتابة، الجامع بين وضوح الرؤية ودقة العبارة وجمال الاشارة.وترك الفقيد ورشات علمية عديدة، ومشاريع بحثية تقدم بعضها خطوات كبرى، لا شك ان الثقافة الموريتانية والعربية إجمالا بحاجة الى استكمالها، ولذا كان الحزن عليه مضاعفا، ومصيبة رحيله عصية التحمل.لقد تساءلت مرة في … «لماذا لا يكرم الكاتب العربي إلا بعد رحيله؟»، وأشرت الى نماذج بعينها كان قد كثر الحديث حولها في أعمدة الصحف، ولا شك ان هذا السؤال يتجدد طرحه … بعد رحيل علم اضاعته بلاده، وانتهى به المطاف في جامعات الاشقاء طلبا للرزق في بلاد الغربة، بعد ان استمرأ لفترة الانسحاب عن اضواء الشهرة وبريق المناصب في أماكن قصية من افريقيا الغربية، مكتشفا نوادر وكنوزا من تراثنا العربي الاسلامي في مناطق مجهولة نائية، كانت يوما ما في التاريخ منارات علم واشعاع ديني.وحين رنوت الى الجموع الغفيرة التي توافدت لتشييع جنازته في المقبرة المطلة على قرية البتراء بجنوب موريتانيا، قرأت في العيون الباكية تعبيرا عن الاحساس بالذنب الجماعي تجاه عَلَمٍ اعطى بلده وأمته الكثير، ولم تحفظ له مكانته إلا بعد رحيله.
السيد ولد اباه
كاتب وباحث

الاثنين، 20 أكتوبر 2008

كهرباء المذرذرة

سنوات عدة وهم يلعنون الظلام
سكان المذرذرة يستفيدون من خدمات الكهرباء "الناقصة"


"أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام"، إحدى المسلمات المتعارف عليها بين السواد الأعظم من المتفائلين الحالمين بغد أفضل، لكن الأمر بطبيعة الحال يبدو مختلفا لدى ساكنة مدينة المذرذرة وهم يعيشون السنوات الماضية تحت وطأة الظلام الدامس، إذ تعودوا أكثر أن يلعنون الظلام، وربما يلعنون من تقاعس في مد يد العون لهم ليستفيدوا من خدمات الكهرباء التي طال انتظارها كثيرا، ولأن مصائب قوم عند قوم فوائد، وفي الوقت الذي يعاني فيه سكان العاصمة نواكشوط من رداءة الخدمات والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي على مدار الساعة، فقد أصبح بمقدور سكان مدينة المذرذرة اليوم التباهي بتلك الخدمات التي حرموا منها برهة من الزمن، حدث ذلك عندما انطلق بعد سنتين من التأخير العمل بمشروع إنارة مدينة المذرذرة والذي سيمكن مواطني تلك المدينة من الاستفادة من خدمات حرموا منها طيلة الفترة التي مرت من أعمارهم، ولئن كان هذا المشروع لم تكتمل به فرحة مختلف أحياء وساكنة المدينة فان الاعتقاد السائد لدى هؤلاء المواطنين هو أن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
هذه ورقة تحاول تقديم لمحة عن انطلاقة هذا المشروع الهام.

المواطنون والخوف من المجهول..؟َََ
هذا المشروع الذي قد يكون فاتحة خير على سكان هذه المدينة يتم إنجازه من قبل الوكالة الوطنية لكهربة المدن الريفية "أدير"، وذلك ضمن مشروع إنارة ست مدن في ولايتي آدرار واترارزه بكلفة إجمالية بلغت 960 مليون أوقية، وكان مدير الوكالة الوطنية لكهربة المدن الريفية قد صرح في وقت سابق أن كهربة هذه المدن التي تعتمد على الزراعة بنسبة كبيرة ستغير من الواقع الاقتصادي لها حيث أنها ستسهم في خفض تكاليف سحب مياه الشرب والمياه المستخدمة في الري والتي تتم حاليا عبر مضخات تستخدم الوقود المستورد بأثمان باهظة، مشيرا في الوقت نفسه أن كهربة الريف لم تتجاوز حتى الآن 3% الأمر الذي يتطلب بذل مجهود كبير حتى تتم تغطية أغلب المناطق الريفية.
مدينة المذرذرة شهدت حراكا مستمرا في إطار التعامل مع هذا المشروع الهام حيث أقبل المواطنون على اقتناء الثلاجات وأجهزة التلفاز بشكل منقطع النظير،وهو تصرف يفسر التعامل اللاعقلاني الذي تعود ساكنة المقاطعة أن يستقبلوا به كل جديد كما حدث مع الهاتف الثابت على حد وصف أحد المواطنين الذين أعربت غالبيتهم عن سعادتها بهذا المشروع الذي انتظروه كثيرا، حيث سيساهم في حل مشاكل كثيرة في مقدمتها ادخار المواد الغذائية والتي كثيرا ما تتعرض للتلف خصوصا في فصل الصيف، كما سيسهم هذا المشروع في إيجاد مراكز طبية فعالة ـالمذرذرة بحاجة إليهاـ بالإضافة إلى فتح صيدليات يحتاجها المواطنون بشكل ملح،أضف إلى ذلك أن خدمات الانترنت والفاكس نوعا من الترف الذي لا يفكر المواطنون كثيرا فيه، ولذلك فهم لا يخفون فرحتهم بهذا الإنجاز، وان كانت تلك الفرحة لا تمنعهم من أن يطالبوا بمزيد من تحسين الخدمات وتعميم هذا المشروع ليعم مختلف أجزاء المدينة، كما أنه يتوقف يوميا لمدة تصل لستة ساعات، وهو ما تبدي منه المواطنة مريم العاملة في سوق المدينة تخوفها إذ ترى أن أجهزة التبريد التي تم اقتناؤها من طرف المحلات التجارية لا يمكن أن تصمد أمام الإنقطاعات المستمرة لتيار الكهرباء، وتضيف قائلة نحن سنتعاون مع ساكنة الأجزاء التي لم تصلها الكهرباء، حتى تحصل على حقها في هذه الخدمات التي عملنا جميعا من أجل جلبها لمدينتنا وترى أن أي مشروع هام كمشروع كهربة المذرذرة قد يبدأ ناقصا لكنه مع الوقت ستتم تكملة النواقص ومراجعة الأخطاء التي ربما تظهر هنا أو هناك، وهو نفس الرأي الذي تذهب إليه زميلتها العاملة في نفس السوق والتي تطالب بتعاون مختلف الجهات المعنية والأطر لكي يتم استغلال هذا المشروع على أحسن ما يرام، ولكي نتمكن من أن يستمر هذا المشروع ويتحسن في المستقبل.

عقدة "الوفاء".. !!!
سكان مقاطعة المذرذرة الذين عانوا كثيرا بسبب الطريق الرابط بين تكند والمذرذرة والذي اتفق على تسميته جورا بطريق الوفاء، حيث لا شيء فيه يوحى بذلك، يتمنون أن يسلك هذا المشروع طريقا مغايرا لسابقه وأن يكون بمثابة عودة الأمل الذي يعتبره البعض قد تلاشى كما يتلاشى الآن الطريق الرابط بين تكند والمذرذرة، وهم بذلك يذكرون السلطات المعنية ـوالذكرى تنفع المؤمنين ـ أن يلتزموا وفاءا بتعهداتهم لكي لا تكون الليلة كالبارحة، فالمواطن فى المذرذرة قد سئم وعود عرقوب ـ وما أكثرها ـ.
إمام الدين ولد أحمدو
كاتب صحفي
المذرذرة اليوم

الثلاثاء، 14 أكتوبر 2008

المذرذرة
ماض مشرق في مواجهة النسيان

التصحر وزحف الرمال من أكبر التحديات التي تواجهها مدينة المذرذرة العريقة، وهو ما جعل البعض يجزم بأن الرمال هي الخطر القادم من الشرق إلى تلك المدينة الواقعة في الجزء الجنوب الغربي من البلاد، جنوب شرق العاصمة نواكشوط على بعد 150 كلم، وهي العاصمة التاريخية لإمارة الترارزة، كما أنها تشكل أهم تجمع حضري بمنطقة "إگيدي" المعروفة بإشعاعها الثقافي والديني ،وما اشتهر عنها من إنتاج للقيم الأخلاقية على مستوى موريتانيا.

المذرذرة كما يراها المؤرخون ...
كثيرون كتبوا عن مدينة المذرذرة معرفين بتاريخها وأهم خصائص المنطقة،وحسب الموسوعة الحرة "ويكيبيديا" فإن مدينة المذرذرة عرفت قديما باسم "الصنگه"،وهي كلمة مأخوذة من اللفظ الفرنسي (Cent gas) أي مائة شخص،ففي بداية الاستعمار كانت السلطات الفرنسية عندما تؤسس مركزا عسكريا تترك فيه مائة عسكري على الأقل؛ فانتقل هذا اللفظ من الدلالة على العدد إلى إطلاقه على الوحدة العسكرية حيث كان تواجدها
،وتعتبر المذرذرة من أهم مناطق ولاية اترارزه التي عرفت بإشعاعها الثقافي والعلمي،و أنجبت العديد من الفقهاء والشعراء ولا زالت بعض محاظرها وجهة لطلاب العلم حتى يومنا هذا .
تنقسم مقاطعة المذرذرة إلى خمس بلديات هي:بلدية المذرذرة المركزية، وبلدية التاكلالت،وبلدية ابير التورس، وبلدية الخط وبلدية تكنت
،وكانت للمذرذرة مكانة اقتصادية وتجارية كبيرة ففي غربها سبخة "انترَرْتْ" التي تنتج وتصدر الملح، الذي كان من مصادر الدخل الاقتصادي لفترة طويلة، كما كانت المذرذرة مصدرا هاما لجني وتصدير الصمغ العربي، وتشكل غابات شجر القتاد الكثير "بإگيدي" مصدرا هاما لهذه المادة، وقد جذبت مدينة المذرذرة إليها في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي العديد من التجار واستقروا بها لفترة وخاصة من تجار منطقة آدرار. ظهرت بالمذرذرة وبمنطقة "إگيدي" عموما محاظر كان لها دور بالغ في تأصيل ونشر الثقافة العربية الإسلامية بموريتانيا بل وفي بعض بلدان غرب أفريقيا، وأنجبت المدينة الكثير من الأعلام البارزين الذين ذاع صيتهم أرجاء المعمورة،ومن هؤلاء أحمد بن العاقل، ومحنض بابه بن أعبيد، والشيخ أحمد بن سليمان، وامحمد بن أحمد يوره الديمانيون، وأحمد البدوي مولود بن أغشممت المجلسيان، والمختار بن ابلول، وبابه بن محمذن بن حمدي الحاجيان، والشيخ سعد بوه القلقمي وأبناؤه والمختار بن ألما، والمختار بن المحبوبي، ومحمد اليدالي، والمحفوظ ولد محمودا... وغير هؤلاء ممن شكلوا منارات علمية وصوفية كان لها أبعد التأثير في موريتانيا، وجعلت المنطقة تمتاز بكثرة المؤلفين والشعراء.
وقد عرفت مدينة المذرذرة أسرا فنية عريقة مثل أهل مانو (أهل الميداح) وأهل اعلي وركان وأهل أحمد لولا وأهل انكذي، كانت لها أدوار جليلة في إغناء الفن الموريتاني التقليدي وإعطاء آلة "التدنيت" معنى ومغزى لا يستهان به، ويعتبر الفنان القدير المختار بن الميداح خير مثال على ذالك العطاء الفني التقليدي الغني، ويعرف عن المختار أنه لم يكن فنانا تقليديا فحسب بل كان على مكانة كبيرة من معرفة الفقه والشعر العربي والسيرة النبوية، فكان فصيح اللسان حلو الحديث يجالس العلماء والقضاة ويعطي رأيه في مسائل علمية ودينية، وإلى جانب هذا كان من أعظم الفنانين التقليديين فقد طور الألحان وأكسبها جمالا وروعة بليغين.
وفي مجال الشعر الشعبي عرفت مدينة المذرذرة أسرة أهل هدار المعروفة بأدبائها المبدعين وشعرها الرفيع، فلا يمكن الحديث عن أدب اللهجة الحسا نية إلا وذكرت فضائل أمحمد بن هدار وإخوته سيديا وبابه وعابدين وبزيد وأبناؤهم وأحفادهم الكرماء، فلهذه الأسرة دور لا ينكر في تأصيل الشعر الشعبي الموريتاني والدفع بأساليبه الفنية والأدبية إلى الأمام.

النكبة والنسيان..
مدينة المذرذرة بتاريخها الضارب الجذور في القدم ، والتي شهدت حقبا مزدهرة وأجيالا مستنيرة كانت خير رسل لمشروع حضاري عريق خلفه الأجداد، تحول كل ذلك اليوم هشيما تذروه الرياح، وغابت كل مظاهر البعث والتجديد واختفت المنشآت والمعالم الثقافية والنوادي النشطة وغيرها من عوامل قد تستطيع مجتمعة تحريك المياه الآسنة ، ولئن كان "منتدى الشباب لتطوير الثقافة والديمقراطية" حاول جاهدا بعث الحياة الثقافية وإعطاء مفهوم جديد للممارسة السياسية، فإنه اصطدم بالواقع المتصلب الذي ظل طيلة العقود الماضية صخرة تتحطم عليها كل مساعي الإصلاح والتجديد الصادقة.

الوفاء.. أم الجفاء؟
قبل العام 1994 لم يكن الطريق إلى المذرذرة سهلا ،لقد كان "يتيه سندباد" كما عبر أحد أبناء المدينة حينها في نشوة الفرح المبالغ فيه بذلك الانجاز "الملهاة"، واليوم فإنه بدون شك ليس سالكا أمام السندباد ولا غير سندباد، فالمهزلة التي أهاجت المخيلة الشعرية لكثيرين من أبناء المنطقة، تحولت اليوم إلى برك ومستنقعات تشقي المواطن أكثر مما تسعده ،ولعل ذلك ما يعطي الانطباع أن المدينة على موعد مع "الوفاء الناقص" على رأس كل عشرين سنة ، فبعد عقد من "الوفاء المأساة"،تم تزويد المذرذرة بخدمات الكهرباء "الناقصة"،و الله وحده يعلم مآلها.
المقاطعة العريقة لم تستفد كذلك من خدمات الهاتف، والبث المقوي للتلفزيون الوطني إلا مؤخرا، ورغم كل هذه المظاهر المثيرة لليأس فإن المواطنين لا يزالون يطالبون بتغيير هذا النمط من التعاطي مع القضايا الهامة ،ومن أهم ما يطالبون به اليوم أن يتم تعبيد الطريق الرابط بين تكند والمذرذرة ليكتمل الوفاء ـ وإن بعد فوات الأوان ـ في مظهر آخر من مظاهره، ولكي لا يكون قدرا علي سكان المذرذرة أن يسموا الأشياء بغير مسمياتها.
وبالنسبة لخدمات الكهرباء التي استفادت منها المدينة مؤخرا، فإن الغالبية المحرومة من هذه الخدمات "الناقصة أصلا" يطالبون السلطات الوطنية بإلحاح أن تسارع في إكمال هذا المشروع وجعله في خدمة المواطن ليتم ربط المدينة بباقي مقاطعات ومدن الوطن وليستفيد سكانها من الخدمات البسيطة المتاحة لكل المدن التي تعتبر المذرذرة من أكثرها عراقة على حد تعبير المواطن عبد الرحمن،الذي يطالب السلطات بالاهتمام أكثر بشؤون المواطنين..

خسرت حلما جميلا وما خسرت السبيلا..لئن كان سكان مقاطعة المذرذرة قد خسروا فرصا كثيرة لتغيير واقعهم الصعب، فإنهم بدون شك لم يخسروا السبيل إلى ذلك،وإصرار المواطنين وتشبثهم بالأفضل يبقى هو الحل السحري لما يعانونه من مآسي ألقت بظلالها على مختلف مناحي الحياة،وجعلت لسان حالهم يردد بعد كل إنجاز المثل القائل"أحشفا وسوء كيله".. فهل تحمل الأيام القادمة أملا لسكان المدينة التي تكاد الرمال تطمرها..؟؟

إمام الدين ولد أحمدو
كاتب صحفي
المذرذرة اليوم

الثلاثاء، 7 أكتوبر 2008


طريق المذرذرة
أدت التساقطات المطرية التي شهدتها مقاطعة المذرذرة خلال الأيام الماضية إلى جرف الطريق الرابط بين مركز تكند الإداري ومدينة المذرذرة، وهو ما أدى إلى شبه شلل للحركة من وإلى المدينة، بسبب وعورة الطريق وصعوبتها، حيث تحولت إلى برك ومستنقعات مائية تضر المواطن أكثر مما تساعده، وتهدد بكارثة حقيقية بدأت بوادرها تلوح في الأفق القريب، ولعل ذلك ما دعا سكان المدينة إلى الإلحاح على السلطات العمومية علّها تسرع في إيجاد حل سريع لهذا الداء المشكل، الذي أصبح يؤثر تأثيرا بالغا على حياة المواطنين في مقاطعة المذرذرة.

"الوفاء".. ولكن؟
طريق تكند المذرذرة تم إنشاؤه سنة 1994 بغلاف مالي ناهز 400 مليون من الأوقية، واقترح أطر المدينة حينها تسميته بطريق الوفاء، إذ يعتبرونه تجسيدا للتعهدات التي قطعها النظام القائم حينها على نفسه، ولئن إعتبره أطر المدينة فتحا مبينا، وإنجازا ليس من الممكن عمله، فقد رضوا بالوضعية التي تم بها، حتى وإن كانت بوادر الأزمة قد بدأت مع الأيام الأولى لانطلاق أشغاله، وتبين أن مشاكل وتحديات جمة تعترض الوفاء بإنجاز تلك الطريق الهامة، وظهر شيء من ذلك لحظة تدشين المشروع من قبل الوزير الأول حينها السيد سيد محمد ولد ببكر، فأثناء سير الوفد على المقطع المعد للتدشين اتضح للجميع زيف الوعود التي بشر بها النظام القائم حينها، وطبل لها أطر المدينة المتعطشين لما يصون ماء الوجه، كما أن المشروع توقف لعدة أشهر نتيجة لما أشيع حينها من أن الأموال المخصصة لإنجازه قد صارت في خبر كان، كما هو حال العديد من المشاريع الموجهة للمدينة.
وقد ازدادت صعوبة هذه الطريق خلال الأيام الأخيرة الماضية بسبب التساقطات المطرية،التي حولت هذا الطريق إلى خطر حقيقي يتهدد حياة العشرات من المواطنين الذين يستغلون سيارات النقل التى تربط بين نواكشوط والمذرذرة، والتي تشهد هي الأخرى الكثير من الفوضوية وعدم التنظيم.

حادث سير.. والعناية الإلهية تتدخل...
آخر حوادث السير كانت أمس الأول حين انقلبت سيارة نقل ، كان على متنها حوالي 20 راكبا، وهو ما أدي إلى جراح وكدمات لبعض الركاب، وسبب حالة من الهلع والخوف لدي الركاب، الذين أصيب بعضهم بحال من الهستيريا والرعب، وهو ما دعاهم إلى مطالبة السلطات بالتدخل السريع لإيجاد حل لهذا المعضل، ويقول المواطن عبد الله، أعتقد أن حوادث السير التي تقع بين الفينة والأخرى يجب أن تكون عبرة للسلطات المعنية لتبادر إلى إعادة ترميم وصيانة طريق تكند- المذرذرة، الذي يستخدمه يوميا المئات من المواطنين، ويضيف "أعتبر هذا الطريق من أهم الطرق في البلد، فهو يربط بين مقاطعتين" هامتين من الوطن بالعاصمة نواكشوط، كما أنه يساهم في فك العزلة عن مئات القري والتجمعات السكنية المتواجدة على جانبيه، وذلك ما يؤكد أهميته الاقتصادية الكبيرة، فهو بمثابة شريان حياة للعديد من المدن الواقعة بمحاذاته، ونحن نطالب السلطات المنتخبة والحكومة التي وعدت بذلك أن تعمل في أسرع وقت ممكن على استكمال الأعمال في طريق تكند المذرذرة، وإنهاء أعمال طريق إركيز المذرذرة على أحسن وجه"، ويعتبر أن الوضعية" الحالية تشكل خطرا حقيقيا يتهدد حياة الكثير من المواطنين الذين يجب أن تتدخل الدولة لحمايتهم ووضعهم في ظروف تليق بهم كمواطنين في بلدهم، وتضيف مريم :"إن سكان المدينة" عانوا كثيرا خلال السنوات التي سبقت إنجاز هذا الطريق إلا أنه مع مرور الوقت تبين أن الوضع أصبح أكثر صعوبة مما كان عليه قائلة: في السابق كنا نعاني الرمال وبدون شك هناك صعوبة في السفر لكنها لم يسبق أن كانت في يوم من الأيام خطرا على حياة مواطنينا وممتلكاتهم مثلما تشكله هذه الطريق التي خلفت ضحايا كثر في صفوف المواطنين وخسائر باهظة في ممتلكاتهم"، وتطالب" سلطات البلد باتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد لهذه المأساة التي تتربص بعشرات من المواطنين، ففي كل عام تؤكد السلطات بأنها ستكمل هذا المشروع، لكن للأسف الشديد لا يلوح في الأفق ما يبشر بالحل، ولذلك فنحن نطالب سلطات البلد باتخاذ كل التدابيرلإستكمال هذا المشروع الهام، أو على الأقل إعادة الأمور إلى مجاريها، فنحن نعتبر أن الوضع كان أحسن مما هو عليه اليوم.

قبل فوات الأوان..
في كل عام يعد الوزير الأول في إعلانه للسياسة العامة لحكومته، أنه سيكمل طريق تكند المذرذرة، معددا إيجابياته على المواطنين والنتائج المتوخاة منه، وفي كل مرة يخلف الوعد، ويبقي الوضع كما هو عليه، بل إنه في ظل تقاعس أطر المدينة عن القيام بالأدوار المنوطة بهم يبقي السكان في إنتظار مبادرة وطنية تضع مصالح البلاد فوق كل إعتبار وتسعى لخدمة المواطن وتسهيل الطريق له في أي بقعة من هذا الوطن ـ فقد عثر مرات عديدة ـ ولن يكون ذلك إلا باستكمال أعمال طريق تكند- المذرذرة، التي لا شك أنها تبشر المواطن في المدينة بحياة أكثر ملاءمة، وبها تفك العزلة عن مواطنين كثر لا حول لهم ولا قوة.

إمام الدين ولد أحمدو
كاتب صحفي
المذرذرة اليوم




المذرذرة .. مقدمة تعريفية

التسمية
توجد مدينة المذرذرة في الجنوب الغربي الموريتاني وتقع جنوب شرق العاصمة نواكشوط على بعد 150 كلم. وهي العاصمة التاريخية لإمارة الترارزة وتشكل أهم تجمع حضري بمنطقة إگيدي المعروفة بإشعاعها الثقافي والديني بموريتانيا وما اشتهر عنها من إنتاج للقيم الأخلاقية على مستوى موريتانيا.وعرفت المذرذرة قديما باسم الصنگه وهي كلمة مأخوذة من اللفظ الفرنسي (Cent gas) أي مائة شخص. ففي بداية الاستعمار كانت السلطات الفرنسية عندما تؤسس مركزا عسكريا تترك فيه مائة عسكري على الأقل؛ فانتقل هذا اللفظ من الدلالة على العدد إلى إطلاقه على الوحدة العسكرية حيث كانت.

التاريخ
المذرذرة من أهم مناطق ولاية وهي معروفة بإشعاعها الثقافي والعلمي وقد انجبت العديد من الفقهاء والشعراء ولا زالت في مدينة المذرذرة تأسست إمارة الترارزة أواسط القرن السابع عشر الميلادي على يد الأمير العادل أحمد بن دمان وفي ذريته انحصرت إمارة الترارزة ذات الصيت الشائع. فكان منهم محمد الحبيب المتوفى في 15 سبتمبر 1860م وهو أمير عادل يحب العلماء والصالحين. وقد نصب العالم محنض بابه بن اعبيد الديماني قاضيا للقضاة فطبق الشرع وأزال الجور والظلم. كما جاهد الأمير الحبيب النفوذ الفرنسي في السنغال وكانت له أيام حربية مع الفرنسيين بقيادة الجنرال فدريب. ومن أحفاده الأمير أحمد سالم بن اعلي بن محمد الحبيب المتوفى في أبريل 1905م وكان أول مقاوم أطلق رصاصة في وحوه الفرنسيين وذلك في شتاء سنة 1903م. وقد قتل وهو يحاول تنظيم المقاومة وصد الفرنسيين. ومن أحفاده أيضا أحمد ولد الديد الذي قاد جيوش المقاومة ضد الفرنسيين وكان له معهم أيام من أبرزها يوم الكويشيشي وقد وقع في 28 نوفمبر 1907 وقد قتل ذلك اليوم الرائد ربول (Lieutenant Jean Reboul) الذي أصيب برمية أصابت رأسه وهو يتقدم نحو المقاومين. ومعه عدد من الرماة السنغاليين.أسس الفرنسيون بمدينة المذرذرة مركزا عسكريا وإداريا سنة 1907 وتركوا مركز خروفة للخوف من تعرضه لهجمات المقاومة القادمة من الشمال. كما أسسوا بها الفرنسيون ثالث مدرسة على مستوى الوطن بعد كيهيدي وبتلميت وكان اسمها "مدرسة فولانفان للبنين" (Ecole de Garçons M. Follenfant)، و"فولانفان" مفتش تعليم فرنسي عاش فترة في موريتانيا. وقد درس بهذه المدرسة في عهد الاستعمار الفرنسي العديد من الشخصيات ممن سيكون لهم شأن في تاريخ البلاد كأحمدُ بن حرمة العلوي أول نائب لموريتانيا في الجمعية الوطنية الفرنسية وكسيدي المختار بن يحيى انجاي ثاني نائب موريتاني في الجمعية الوطنية الفرنسية فقد درسا كلاهما بالمذرذرة. وقد درس بها قبلهما المؤرخ المختار بن حامد. وبمدينة المذرذرة نفت السلطات الاستعمارية الفرنسية الشيخ حماه الله سنة 1926 فقضى بها أربع سنين وقد نقلوه منها سنة 1930. وما زالت آثار جدران الدار التي كان مقيما بها ماثلة وكذلك الشجرة "التيشطاية" التي كان يستظل بها، وهما في الغور "الگود" في الجانب الشرقي من المدينة. وكانت جدران السجن الفرنسي الذي حبس فيه العلامة امحمد بن أحمد يورة الديماني في تهاية سنة 1907م وغيره من أعيان الترارزة قائمة إلى عهد قريب قبل أن تبنى فيها دار البلدية مؤخرا.

الإدارة
تنقسم مقاطعة المذرذرة في الوقت الراهن إلى خمس بلديات هي: المذرذرة نفسها وبلدية التاكلالت وبلدية ابير التورس وبلدية الخط وبلدية تكنت. وكان أول عمدة مركزي بها: الشيخ بن بابه وتلاه الشيخاني بن محمد جيل ثم أحمد ولد علي ولد المؤيد. كما كان نائبها في البرلمان السابق بابه بن سيدي وتلاه البانون بن اباه بن أمينو ثم بابه بن سيدي مرة ثانية. أما شيخها في مجلس الشيوخ السابق فهو: أواه بن لوليد ثم محمد سالم (ميماه) بن محمد سيديا.

الإقتصاد
كانت للمذرذرة مكانة اقتصادية وتجارية كبيرة ففي غربها سبخة "انترَرْتْ" التي تنتج وتصدر الملح وكان من مصادر الدخل الاقتصادي لإمارة الترارزة لفترة طويلة، كما كانت المذرذرة مصدرا هاما لجني وتصدير الصمغ العربي وتشكل غابات شجر القتاد الكثير بإگيدي مصدرا هاما لهذه المادة. وقد جذبت مدينة المذرذرة إليها في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي العديد من التجار واستقروا بها فترة وخاصة من تجار منطقة آدرار وكبعض تجار تكنة وشرفاء تيشيت وأولاد بالسباع وغيرهم.

الثقافة
ظهرت بالمذرذة وبمنطقة إگيدي عموما محاظر كانت لها دور بالغ في تأصيل ونشر الثقافة العربية الإسلامية بموريتانيا بل وفي بعض بلدان غرب أفريقيا. فمحاظر أولاد ديمان وإديقب وإدابلحسن وتندغة والمجلس وغيرهم مشهورة في موريتانيا. والأعلام البارزون من أمثال أحمد بن العاقل ومحنض بابه بن اعبيد والشيخ أحمد بن سليمان وامحمد بن أحمد يوره الديمانيون وأحمد البدوي مولود بن أغشممت المجلسيان والمختار بن ابلول وبابه بن محمذن بن حمدي الحاجيان والشيخ سعد بوه القلقمي وأبناؤه والمختار بن ألما والمختار بن المحبوبي ومحمد اليدالي وغير هؤلاء شكلوا منارات علمية وصوفية كان لها أبعد التأثير في موريتانيا. وامتازت منطقة المذرذرة بكثرة المؤلفين والشعراء.

الفنون
عرفت مدينة المذرذرة اسرا فنية عريقة مثل أهل مانو (أهل الميداح وهو أعمر بن مانو) وأهل اعلي وركان واهل أحمد لولا وعرفت مدينة المذرذرة اسرا فنية عريقة مثل أهل مانو (أهل الميداح) وأهل اعلي وركان واهل أحمد لولا وأهل انكذي كانت أدوار جليلة في إغناء الفن الموريتاني التقليدي وإعطاء آلة "التدنيت" معنى ومغزى لا يستهان به. والفنان القدير المختار بن الميداح من خير الدلائل على ذالك العطاء الفني التقليدي الغني. ويعرف عن المختار هذا أنه لم يكن فنانا تقليديا فحسب بل كان على مكانة كبيرة من معرفة الفقه واشعر العربي والسيرة النبوية. فكان فصيح اللسان حلو الحديث يجالس العلماء والقضاة ويعطي رأيه في مسائل علمية ودينية. وإلى جانب هذا كان من أعظم الفنانين التقليديين فقد طور الألحان وأكسبها جمالا وروعة بليغين. وفي مجال الشعر الشعبي عرفت مدينة المذرذرة أسرة أهل هدار المعروفة بأدبائها المبدعين وشعرها الرفيع. فلا يمكن الحديث عن أدب اللهجة الحسانية إلا وذكرت فضائل امحمد بن هدار وإخوته العظماء سيديا وبابه وعابدين وبزيد وأبناؤهم وأحفادهم الكرماء. فلهذه الأسرة دور لا ينكر في تأصيل الشعر الشعبي الموريتاني والدفع باساليبه الفنية والأدبية إلى الأمام.

ويكيبيديا