في مقابلة مع موقع الأخبار (3)
البعض يقول إنه ليست هناك حاجة لشرحكم لكتاب شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، الذي ألّفه ببّها ولد أحمد العاقل، أكثر مما هو خدمة لتراث الاسرة ؟
محمد فال: التذكير بشمائل النبي صلى الله عليه وسلم أمر لذيذ لا يمل منه، فشمائله مصدر الخير، وهدفي من شرحه قد ذكرته في مقدمة الشرح، وهو أني أريد أن أتعلّم من خلال شرحي له.
أما إختياري لهذا الكتاب الذي ألّفه ببّها؛ فببّها لا شك أنه من أهلي الأقربين، ومن مشايخي الذين تلقيت العلم عنهم، وهذا لا ينبغي أن يصدّني ويمنعني من شرح كتابه، بل ينبغي أن يكون محفزا لي على ذلك، من أجل أن أعرفه أكثر، وأستفيد من علمه، وتأليفي لشرح كتابه هو أمر وافق فيه الشرع الهوى، وإذا وافق الشرع الهوى فهو الشهد بالزبد، ولست بدعا في هذا، فالمؤلفون دائما يؤلفون عن مشايخهم ومن يعرفون، هذا بغض النظر عن خصوصيات الكتاب، فأنا أرى أن للكتاب خصوصية، وهي أنه تعرّض لكثير من الشمائل، وتوسّع فيها، ولم يكن مثل بعض المؤلفات في الشمائل التي إقتصرت على جانب واحد، كالخَلق أو الخٌلُق أو العبادات، رغم أن سلوك رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّه شمائل، وببّها توسّع فيها، لأن سلوك النبي صلى الله عليه وسلم كله شمائل، وهذا من الدواعي التي حدتني إلى أن أشرح الكتاب، من أجل أن أتعرّف على كم أكبر من الشمائل، وليس فيه دعاية أبدا للأسرة، فهي غير محتاجة لها، ومثل هذا النوع لا يمكن أن يكون دعاية .. فقط يمكن أن يكون هذا دعاية لي أنا، وليس للمجموعة .. هو دعاية لي أنا لأنه يذكر إسمي في سجل مع شيخ جليل .. لا شك أن في هذا دعاية كبيرة بالنسبة لي أنا، ولم أكن قصدتها أبدا حين أردت تأليف الكتاب.
البعض يلقّبكم بشاعر الإداريين، وإداري الشعراء، كيف ترون هذه التسمية ؟
محمد فال: هذه المقولة أرجو أن تكون حقا، ولا شك أن لها ما يبررها، فأنا أصدرت ديوانا بعنوان "جذاذات" فيه مقطوعات من شعري كتبت أغلبها في فترتي بالمدرسة الوطنية للإدارة، وأيامي الأولى في المهنة والتوظيف واليا وحاكما، وسمّيته جذاذات لأنه مقطوعات غير طويلة، نادرا ما تجد فيه قصيدة طويلة، وهو يعكس تجربتي الأولى موظفا وتلميذا في إنتظار التعيين، وهذا هو المبرر الذي جعلهم يلقّبونني بشاعر الإداريين وإداري الشعراء، والديوان طبعه إتحاد الأدباء والكتّاب الموريتانيين جزاهم الله خيرا، وهو موجود، وقد قابلتني في شأنه الإذاعة الموريتانية سابقا، وأذاعوا منه نماذج، وبالمناسبة يقال إن الإدارة تختلف طبيعتها مع طبيعة الشعر، فالإدارة جفاف على جفاف، إلا أني قلت في مقدمة الكتاب أني لا أقر بذلك، فالشعر تعبير الشاعر عما أحس به، والإنفعالات التي تحدث للشاعر في عمله ونشاطه هي الشعر، وهذا الديوان محلّي جدا هو الآخر، وقد تبرأت من ذلك العيب في مقدمته، وقلت أن فيه بعدا عالميا قد يمر عليه القارئ في المرة الأولى ولا يشعر به إلا في القراءة الثانية أو الثالثة.
بوصف تجربتكم الإدارية والثقافية، نريدكم أن تلخّصوا لنا طبيعة الصراع بين العربية والفرنسية في الدولة الموريتانية، لأنه يقال إن العربية الآن إنتشرت، ولكن في قطاعات هامشية لا تتحكم ثقافيا وسلطويا ؟
محمد فال: أنا لا أعتقد أن هناك صراعا مقنّنّا ومخططا له، الإرادة السياسية تفرض أن العربية هي لغة الدولة، والدستور ينصّ على أن العربية هي اللغة الرسمية، وجميع الأنظمة كانت تسعى لرفع مستوى العربية، من عهد ولد دادّاه حتى اليوم، وعلينا أن ننبّه أن الناس الذين كانوا يتهمون ببغض العربية، وأنهم ضدها، أنهم برءاء من ذلك، وأنه مجرد إفك عليهم حسب تجربتنا بهم، كان يقال إن إخواننا الأفارقة ضد العربية، لكني لاحظت أن ذلك كذب، أنا عملت داخل البلاد ولاحظت أنهم يحبون العربية في مساجدهم ومنازلهم، ويتعلمونها .. هي مسألة إفتعلت على أيدي بعض المثقفين الدارسين بالفرنسية، وإذا نقّب عنها وبحث الناس في حقيقتها سيجدونها زيفا وبهتانا .. هذا هو الواقع، وجميع الأنظمة من عهد ولد دادّاه وإلى اليوم، كان يسكنها هاجس رفع مستوى اللغة العربية، إلا أن الظروف لم تكن مواتية، في الأول كان من الصعب إبراز إداريين عربيين من الناس الذين لم يتكوّنوا التكوين العصري، فكان لابد أن يكوَنوا، فتم تكوينهم، ونحن قد أتينا من مسافات بعيدة جدا جدا، فأنا أتذكر أنه لم يكن يوجد من العربية إلا كلمات شعار الدولة، أو كلمات في رأسيات، أو النشيد الوطني فقط، وكل الأنظمة حاولت خدمتها .. ولد دادّاه زادها في فترته إلى معدل تسع ساعات في الثانوية، وترتّب على ذلك ما ترتب عليه، ثم أصبحت فيما بعد لغة مجلس الوزراء، والأمر في تطور مستمر، ولا أنكر أن هناك من يسوءهم وجود اللغة العربية وإنتشارها.
تقصد التيار الفرنكفوني ؟
محمد فال: لا يمكنني أن أسمّي أحدا، لأني لا أملك دليلا، لكني في نفس الوقت أؤكد أن هناك من يسوءهم الأمر، والناس والحمد لله جميعا مسلّمون بأن العربية لا بد أن يعتنى بها، ولا يقبلون التقصير، وكما قلت لك، المسألة لها جذور بعيدة، فأتذكّر أن ولد دادّاه كان يخاطب الأمة بمناسبة عيد الاستقلال بالفرنسية، وكان عامة الشعب التي لا تعرف الفرنسية يتندرون أثناء الإستماع للخطاب، بأنه إذا ذكر زمبابوي فمعناه أن الخطاب قد أوشك على النهاية، لأنه كان يتطرق للشأن الخارجي في نهاية خطابه، بعد ذلك أحسّ في آخر زمنه أنه لا بد أن يغير سياسته هذه، فلما أراد أن ينشئ الأوقية، عقد مهرجانا وتكلم بالحسانية، وإستحسن الناس إذا ذاك الخطاب، وأرى أنه لو كان طال به زمنه، لكان عدل عن مخاطبة الناس بالفرنسية، وهناك مسألة رئيسية، وهي أنه كان يستمع إليه المجتمع الدولي والخارج، فيحتاج إلى أن يتكلم بالفرنسية من أجل أن يظهر أهلية وكفاءة الدولة، فالدولة كانت في أزمة مصداقية دولية، مصداقية السيادة الدولية، فإستدعى ذلك أن يهتم بجانب الأجنبيين في الخطاب أكثر، وهذا أمر ينبغي ألا يغيب عن الحسبان، والقضية صعبة، واللغة لا ترسّخ بالقوانين والقرارات، والأزمة ليست أزمة العربية، فالفرنسية هي الأخرى تعيش نفس الأزمة تجاه الإنكليزية، فمن يستمع إلى RFI يكتشف أنهم يعانون نفس المشكلة، وقضية اللغات هي قضية عالمية، فالفرنسيون المتحمّسون للفرنسية، يغضبون إذا سمعوا كلمة من الإنكليزية، وأتذكّر أنه كان عندنا أستاذ من الكبك من دعاة الفرنسية، وإذا سمع كلمة من الإنكليزية منا، يغضب، وحتى أني أتذكّر أنه قال لنا أن "تلكس" يقال لها "تلكوبي" وأنwek-end يقال لهLa fin de la semaine إذن معناه أن قضية اللغة ليست خاصة بالعربية، فهي صراع لاشك أنه بعيد الغور، ويتطلب أجيالا من أجل الحل، فلا تحل مشكلته بجيل واحد، والمهم أن تكون هناك إرادة تمنع من الإنتكاسة.
ما هو تقويمكم للثقافة الشنقيطية؟
محمد فال: الثقافة الشنقيطية القديمة، أبطلت التصنيف التقليدي الذي كان عند النقّاد والمؤرخين للأدب العربي، فأنتم تعرفون أنهم يقسمون التاريخ الأدبي إلى عصور: الجاهلي، وصدر الإسلام، والأموي، والعباسي الأول والثاني، والإنحطاط، والنهضة، وعصر الإنحطاط نحن لم نشهده، بل كانت فينا إذ ذاك نهضة قوية معروفة، حتى إن شوقي ضيف خصّصّ أخيرا جزءا لموريتانيا، لتفادي ذلك الخطأ في وصف حقبة معينة بعصر الإنحاط، وإعتبارها شاملة لكل أقطار الوطن العربي، فكتب عن الأدب الموريتاني، وأشاد به، فما سمّوه الإنحطاط نحن لم نشهده، أما اليوم، فالناس يتحدثون عن الركود الثقافي، لكن ذلك نسبي .. توجد نوادي، ووجود هذه المواقع الإلكترونية خدم الثقافة، وإذا كان هناك اعتبار للواقع الثقافي أنه متدن، فهو مجرد إعتناء بموريتانيا، لا يرضى لها إلا الكمال.
هناك نوعان من المثقفين، مثقفون يخدمون السلطة، ومثقفون يخدمون المجتمع، كيف تنظرون إلى هاذين النوعين ؟
محمدفال : هذا التقسيم قديم منذ قيام الدولة الاسلامية، دائما كان هناك شعراء البلاط، وشعراء ليسوا مع البلاط، وعلماء الدولة، وعلماء ضدها، وهذا يقتضيه التوازن، فالتوازن ضروري ولا بد منه، ومثقفوا السلطة هم هؤلاء الذين يناصرون الدولة وسياستها، ويجعلون ثقافتهم لخدمة الدولة .. هؤلاء إذا كانوا فعلوا هذا عن قناعة، فأنا لا أرى فيه بأسا، أما إذا كان المثقف حرباء، فذاك ما لا ينبغي، ومسؤولية المثقف حينئذ يتحملها كاملة، وموريتانيا ليست بدعا في هذا، فأنتم تعلمون أنه كان هناك علماء البلاط، وعلماء ليسوا مع البلاط، ولا بد من ذلك، فالعلماء لا بد أن يبقي بعضهم مع السلطة من أجل تنويرها وتبصيرها، فما ذا سيكون لو كان العلماء إستقالوا، ولم يكونوا مع هارون الرشيد، وإذا كان أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة لم يدعم الرشيد لكان الرشيد قام بكثير من الإنحراف، مع أن الرشيد كان فاضلا وعالما لكنه يبقى محتاجا إلي عالم، ولو كان مالك لم يوجّه أبا جعفر المنصور ولم ينصحه لإنحرف .. إن الهروب لم يكن على إطلاقه، هو نوع من الورع لكنه قطب لا بد منه في التوازن، يكون هناك قطب قوي في الهروب من السلطة، من أجل أن يظهر أن الإندفاع إليها بالنسبة للعلماء لا ينبغي أن يكون على إطلاقه، وليس معنى هذا أن العالم يفتي السلاطين بالباطل، إن يحيى إبن أكثم كان مع المأمون، وعنده مقامات شهيرة، فقد كان المأمون سيأمر بسب الصحابة تحت تأثير دعاية الشيعة، فلما إستدعى يحيى إبن أكثم، قال إذا سبّوا معاوية اليوم سيسبّون غدا عثمان، وبقية الصحابة، وذلك أمر خطير، والشيعة كانوا قالوا إنهم يريدون أن يسبّوا معاوية قليلا.
إشتهرتم بالكتابة في الشأن الاجتماعي، وأخيرا كتبتم مشيدين ببعض الأنظمة، كيف نفسّر ذلك ؟
محمد فال: على كل حال زمن حرية الصحافة لم يكن موجود،ا ولما وجد أخيرا، أرخيت لقلمي العنان، وفعلا ساهمت في حملة محمد ولد عبد العزيز .. قلت فيها تائية، قال أهل الخبرة في الشعر إنها لا بأس بها، ولما وجدت الإعتراضات على نتائج الإنتخابات، قلت أبياتا كان لها صدى، رددت فيها على قضية أن الباء تنتقل من مكان إلى مكان، بمقالة إستثمرت فيها مقولة الأشاعرة أن "العرض لا ينتقل" !! هذا هو قناعتي، والحياد لا يتنافى مع تعبير المرء عن قناعته إذا وجدها، ومن يقرأ مقالاتي كلّها لا شك أنه سيجد موقفا بارزا .. أنا كتبت في وسط الحملة الرئاسية الأولى (1992) مقالا بعنوان "التنين ذو الرؤوس السبعة" أحدد فيه التحديات التي ستواجه الرئيس الذي سينتخب، وقد نشرته في الشعب، وبيّنت فيه موقفي ورسالتي إلى الرئيس القادم.
قلتم إنكم كتبتم في مواضيع متعددة أخيرا - حين سمح بالحرية الصحفية - إذا لم يسمح بالحرية الصحفية، هل ترون أن ترك الكتابة والكلام هو الأولى، وأن محاولة إبداء الموقف والآراء لا بد أن يعطى لها الإذن من الأنظمة ؟
محمد فال: لا آمر بالسكوت ولا بالكلام، المهم عندي أن الإنسان الذي لديه موقف، ووجد حرية صحافة يعبر عنه، أما إذا لم توجد، فالناس ينقسمون قسمين، قسم يجابه، وقسم يلتزم مذهب التقية، وهو مباح، وفي الجانب الفقهي يقولون ان هناك بعض الأمور مباحة تحت التهديد !! وهناك أمر يحتاج تهديدا شديدا.. قال خليل "وأما الكفر وسبّه صلى الله عليه وسلم فإنما يباحان بالقتل"
هل تختمون لنا بكلمة أخيرة، توجهونها للحقل الثقافي الموريتاني ؟
محمد فال: لست في مركز أوجّه منه مثل هذه الكلمة، إلا أني أريد أن أقول إننا محتاجون جدا إلى دار للنشر .. نريد أن يكون النشر متوفرا، وقد سمعنا سابقا أنه ستفتح دار للنشر، فإبتهجنا لذلك، وإن من مثبطات الحركة الثقافية في موريتانيا غياب دور للنشر، وأنا شخصيا متضرر من غيابها، ولدي كتب جاهزة في إنتظارها .. منها كتاب بعنوان " إنضاء الطية لتحصيل الطية من المضاف والمنسوب في الثقافة الشنقيطية" وازيت به كتابا ألّفه أبو منصور الثعالبي، يسمّى ثمار القلوب في المضاف والمنسوب، وقد حاولت أن أخدم من خلاله الثقافة الشنقيطية، ولدي كتب أخرى، لذا أوصي الجهات المعنية بتشجيع النشر، أما أن أقدّم نصائح فلست أهلا لذلك، فأنا مستهلك أكثر من منتج.
هناك تعليقان (2):
Good interview ..
Thanks Ould Abdallatif ..
Thanks Alakhbar and Mederdratoda ..
GOOD ..
إرسال تعليق