في مقابلة مع موقع الأخبار (1)
كيف إنتهجتم أسلوبكم الخاص في الكتابة عن الشأن الإجتماعي ؟ وكيف تصنّفونه ضمن الأدب النثري ؟
محمد فال: نحن المنتجون، ليست وظيفتنا التصنيف، وإنما النقّاد هم الذين يقومون بذلك، وأنا شخصيا حاولت أن أكتب النثر، لأني لاحظت أنه كان هناك تضخم في الجانب الشعري في موريتانيا، وحاولت أن أتأثّر بالناثرين الأوّلين، وأحيي طريقتهم، مثل الجاحظ، والصاحب بن عباد، وإبن العميد، وحتى الحريري، الذي كتب المقامات.
وحاولت أن أكتب بلغة راسخة في التراث، موسومة بالأصالة، لأني أرى أن اللغة لها روافد، منها ماهو متحرر يدخل في اللغة ما ليس منها، ومنها ما يحافظ على مكوناتها الأصلية، وأنا أعتمد على هذا الرافد الأخير، وكتاباتي تخدم هذا الهدف.
أما ما يتعلق بالمحتوى، فإني كتبت في النقد الإجتماعي، والسياسي، محاولا إثارة بعض المواضيع ،وفي خضم كل ذلك ظل هاجس المحافظة على اللغة الأصيلة الفصيحة، والإعتناء بها، يسيطر علي، ويحضر بقوة في ذهني.
من القضايا الاجتماعية التي طرحتموها، قضية إنعكاس الهجرة من الريف إلى المدينة على القيم الاجتماعية، سواء ما تعلّق منها بالقيم القديمة، مثل المروءة .. أو ما تعلّق بالأمانة تجاه المال العام .. عالجتم كل هذه الأمور .. فكيف تعيدونها للقارئ الآن ؟
محمد فال: لا شك أن للهجرة تأثيراتها الكثيرة، وفيما يتعلق بإنهيار القيم القديمة التقليدية، كالمروءة والشهامة .. فإني كتبت مقالا عن المروءة، حاولت أن أحدّد فيه مفهوم المروءة ،وخلصت إلى قاعدة، وهي أن لكل وضعية جديدة مروءة جديدة، وضربت لذلك مثلا، وهو أن ما كان يجب في السنة صار يجب في الشهر، وما كان يجب في الشهر صار يجب في الأسبوع، وما كان يجب في الأسبوع صار يجب في اليوم.
إذا لابد أن تولد مروءة جديدة خاصة بهذه الوضعية، وقلت إن هذا لا يغيّره الأفراد، وإنما التاريخ هو الذي يغيّره، حين يجمع محصّلة يعبّر عنها بالممكن، لا بالمراسيم والقوانين، وطبعا يمكن أن يقام بأعمال تخدم في الموضوع لكنها لا تملك الفصل والحسم النهائي من أجل الحل، أما ما يتعلق بالقيم التي تتعلق بالأمانة ،فقد كتبت عنها أيضا، كتبت كثيرا عن المال العمومي، وأتذكّر أني كتبت مرة مقالا بعنوان "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت" ،أردت أن أقول فيه إن التفتيشات الإدارية غالبا لا تبرز الحقيقة، حتى أني شبّهت التقارير التي تقدّم بشأن الموضوع، بصحائف المقرّبين، فالفواتير صحيحة، وكل شيئ صحيح، والواقع يخالف ذلك، فمن أين للموظفين بقطعان الإبل التي لا يمكن أن تشترى برواتب لا تتجاوز العشرين ألفا، وقد قلت في هذا المعنى "ورواتب العشرين منها ممكن عقد الدثور بمغرب وبمشرق"، وهو بيت من قطعة تتحدث عن الموضوع، وكتبت المقامة الحذامية، التي تلخّص تاريخ موريتانيا، مما قبل عهد المرابطين، إلى عهد "الكزرة"، وعدد من جنس هذه المقالات صدر مؤخرا في كتاب بعنوان "عيبة الشتيت"، طبعته دار الفكر، وقد نشرت عنه وكالتكم، وكالة الأخبار سابقا مقالا كتبه أحد الأساتذة، وهو مختار ولد أحمد بزيد.
هناك موضوع آخرعالجتموه، وهو نظرة المجتمع الموريتاني في بدايته للدولة الحديثة .. الدولة الوطنية .. فقد كان ينظر إليها على أنها إمتداد للمستعمر .. هذا موضوع عالجتموه في إحدى المقالات .. كيف تنظرون لنظرة المجتمع هذه؟
محمد فال: لا شك أن الحكومة الأولى، المنبثقة عن جيل الإستقلال، كانت من العمّال الذين كانوا يعملون مع المستعمر، ولا شك أنهم تأثّروا بثقافة المستعمر وتكوينه، ولن أكون قاسيا عليهم بالقول إنهم كانوا إمتدادا للفرنسيين.
إنه كان من الطبيعي أن يتولوا الأمور إذاك، بقانون الموضوعية، لأنه لا يوجد غيرهم، ولا شك أن الشعب كان يرى أن الدولة مفروضة عليه من الخارج، فما كان موجودا هو القبائل والفوضى، وكانت هناك إمارات تمارس قدرا من السلطة، كان قطعا ضروريا للتوازن، لكنه لم يكن يؤدي جميع وظائف الدولة، لذا حين ذهب المستعمر وحلّ هؤلاء مكانه، كان الناس يرون أن رجال الدولة إذ ذاك، مجرد أغصان نبتت من شجرة المستعمر(أنكري النصارة)، بعدما إجتثت، وفي هذا قساوة.
الجيل الأول فعل ما يستطيع ،وكان على قدر المسؤولية الصعبة، فأدخل ما يستطيع من إصلاحات، رغم أنه لم يكن هو نفسه يتصور إمكان هذه الإصلاحات، والشعب كان في طور إستثنائي، يجعلنا لا نحاسبه.
وأنا عندي نظرة، وهي إعتبار الواقع سلّم لفهم أي قضية، وقد قال لينين، إن "الواقع عنيد".
الفرنسيون، كانوا موجودين، والأنظمة الأولى حاولت أن تقرّب الدولة من الشعب، لتكون حكومة وطنية، تمثّل الشعب، وتخدم الشعب .. وهذا فهمه صعب، وما أؤكده هو أن الحكومة الأولى قامت بإنجازات لا يمكننا إلا أن نقول إنها وطنية.
بالنسبة لسلوك التحايل تجاه الدولة، هل هو إمتداد للتحايل على الفرنسيين، الذي كان الفقهاء يبررونه، فالإتاوات التي كان النصارى يفرضونها كان يتم التحايل عليها، ولما جاءت الدولة الوطنية قوبلت بشيئ من هذا التحايل الإداري، على إعتبار أنها إمتداد للمستعمر ؟
محمد فال: ما قلته صحيح، إن الإيمان بالدولة، وكون المواطن صالحا محصنا يساند المنتخب الوطني، ويعرف العلم الوطني، لم يكن الناس إذاك متساوين في إستيعابه، ولم يكونوا يقومون به ،ولا مستعدّين له، غير أن علينا أن نفهم أن التحايل على الدولة قديم، فالرّاعي النميري يقول "أخذوا الحوار من الفصيل غلبة قسرا"، ويكتب للأمير أفيلا، هذا نفس الشيئ، يقول أن جامع الصدقة يأخذ منهم حوارا، ويكتب للأمير أنه أخذ أفيلا، وهو دون ذلك.
إن من سلوك المواطن، أيا كان، الإحتيال على الدولة، وهو أمر طبيعي، وليس ضعفا في الضمائر المهنية، وإنما هو ضعف في البشر، ليس أكثر، هذا ما أعتقده، وقطعا غياب الدولة أصلا كمؤسسة في حياة المجتمع البدوي، لعب دورا كبيرا في إنهيار الضمير المهني.
إلا أني قلت لك أيض،ا أنه راجع إلى طبيعة في الإنسان، وخصوصا البدوي، وضربت لك مثالا ببيت الراعي، في قصيدة يمدح بها أحد الخلفاء الأمويين.
mederdratoday@gmail.com
هناك تعليقان (2):
Comme on dit "il faut battre le fèr tant qu'il est chaud, il me semble qu'il y a un un petit livre ou -disons- un essai qui s'appelle رسالةُ الفيش بين كسكس والعيش
que je pensais écrit par ce Monsieur. Est ce que ma remarque est pertinent ou non , si non autant pour moi, si oui est ce que vous l'avez omis sciemment ou il en vaut pas la peine d'être ajouté à ses travaux litteraires.
Moi en tout cas c'est le seul que je connais pour lui , les autres j'en ai jamais entendu parlé.
إمتيازه أنه حافظ على وظائفه رغم إنتقاده لبعض الأمور العامة
إرسال تعليق