الأحد، 25 يناير 2009

فئة الصنّاع
دعوة للتأمل والإنصاف
محمدفال ولد أحمد ولد بومبيرد

أعد السيد محمد فال ولد أحمد ولد بو امْـبَـيرد بحثا تحت عنوان: "لمـْـعَـلــْــمين والواقع المرير" كان سابقة من مثقفي هذه الشريحة للتنبيه، بشكل علني مكتوب، على ما يعانونه من تهميش وإقصاء.
وقال السيد محمد فال (المنحدر من مقاطعة المذرذره) إن فئة الصناع مظلومة إلى درجة أننا لا نجد منها أي وال ولا حاكم ولا برلماني.
وجاء في المقال (الذي يعتبر ثورة على جبروت الطبقية): "إن المتتبع لشأن هذه الفئة العاملة من التركيبة الاجتماعية في المجتمع الموريتاني والبيظاني بوجه الخصوص والمسماة ب"الصناع" أو" لمعلمين" أو "لمشاغيل" حسب المناطق الجغرافية في هذا البلد، فإنه لا محالة مصطدم بواقع قلما تجد له مثيل في تاريخ المجتمعات الحديثة من حيث المعاملة التي تعامل بها هذه الشريحة والنظرة الازدرائية التحتية التي ينظرهم بها كافة مكونات المجتمع بلا استثناء، ناهيك عن الظلم القائم والتمييز العرقي غير المبرر".
ومضى صاحب المقال (البحث) يقول: "إنه وبكل بساطة واقع غريب لا مثيل له ولا تستحقه هذه الفئة من مجتمع بذلت الغالي والنفيس خدمة لديمومته ولاستمراريته في ظروف صحراوية غاية في القسوة. حيث أخذت على عاتقها مسؤولية الإنتاج والتصنيع وتوفير حاجيات ومتطلبات المجتمع التي لا يمكن العيش من دونها، غير مدركة ما يترتب على ذلك الدور من مذلة واحتقار وازدراء من طرف المجتمع؛ فالمجتمعات تقدر شرائحها بقدر عطائها. والصناع في جميع المجتمعات محترمون احتراما يليق بدورهم الثقافي والحضاري والتاريخي، ويقدرون بوصفهم خدموا مجتمعاتهم في مختلف فتراتهم التاريخية وبالتالي يكونوا جزء من تراث وتاريخ وحضارة مجتمعاتهم. فالصانع الموريتاني بالمفهوم الطبقي يعيش في مجتمعه المنتمي إليه عرقيا وثقافيا ودينيا وتاريخيا وهو في وضعية اجتماعية وسياسية ومهنية مهينة وغير لائقة.
فعلى المستوى الاجتماعي، يعيش في وضعية غير مقبولة وينظر إليه وكأنه غريب أو دخيل على هذا المجتمع، ومرمي في مؤخرة الهرم الاجتماعي ومنسي دوره الفعال الذي كان يلعبه في الفترات التاريخية. وعلى المستوى السياسي فهو في وضعية مزرية لا تليق به ولا بدوره التاريخي الطويل الذي كرسه خدمة لهذا المجتمع، ولا حتى في كمه الديمغرافي الكبير، فهو اليوم مقصي إقصاء شاملا من الناحية السياسية، فلا يحق له التخندق في المناصب القيادية من التكتلات السياسية الكبيرة.
مما جعله غير موجود تحت قبة برلمان دولة المساواة والحقوق، ومقصي من الحكومات المتلاحقة والإدارات العامة ، فهو بكلمة واحدة معزول سياسيا في هذا البلد المنتمي إليه عرقيا واجتماعيا".
وأردف الكاتب يقول: "إن علوة المكانة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق أو تتبلور إلا إذا كانت هنالك شرائح من المجتمع أخرى مصنفة على أنها الأقل شأنا من غيرها وموضوعة في مكانة اجتماعية متأخرة حتى تكتمل صورة المجتمع الطبقي، وهذا من وجهة النظر الموضوعية والإنسانية تجن وظلم لا مبرر له على الإطلاق، ومسؤولية تاريخية يتحملها المدافعون عن هذا التمييز والمكرسون له والساكتون عليه خاصة انه يستهدف شرائح كرست حياتها المهنية خدمة لهذا المجتمع. وهذا ما قد يفسر تلك الهجرات المتتالية عن تلك المهن من طرف أسر كثيرة من الصناع والتوجه إلى تخصصات أخرى أكثر قبولا وأكثر احتراما لدى المجتمع حيث أنك تجد أن بعض أسر الصناع الممارسين لهذه المهنة أدركوا ، وفي البداية، إن هذه المهنة الممارسة من طرفهم قد جلبت لهم العار والاحتقار وقرروا التخلي عنها، واستبدلوها بمهام أكثر قبولا لدى المجتمع، ونجحوا في ذلك وهم الآن قبائل من التركيبة الاجتماعية يتمتعون بكل صلاحيات المجتمع".
ثم يقول: "هذه الشريحة الاجتماعية من المجتمع الموريتاني تحمل نفس الخصائص والأصول والعادات والتقاليد للمجتمع البيظاني فهي جزء لا يتجزأ من التركيبة الاجتماعية لهذا المجتمع ، ولم تأت من خارجه ، ولا توجد لها أصول غير الأصول المعروفة للمجتمع البيظاني ، لكن المجتمع طبعهم بمهنتهم بغض النظر عن أصولهم . وأصولهم كما أشرنا مختلفة اختلاف أصول القبائل الموريتانية ، فمنهم من ينتمي إلى القبائل العربية المعروفة (قبائل بني حسان) ومنهم من ينتمي إلى القبائل البربرية (صنهاجة ، لمتونة، ومسومة وغيرهم)، ومنهم من له أصول زنجية ، ومنهم الشرفاء.
وحتى أنه بإمكانك أن تميز وبكل بساطة أصول هذه الشريحة الاجتماعية عن طريق عملها ومنتوجاتها التي تصنعها ، حيث نجد صناعا يمارسون صناعة لها طابع قتالي كالأسلحة مثلا، والبنادق، والسهام والرماح، والسروج، والخناجر ، وهذا ما يعني أن هذا النوع من الصناع في الغالب ينتمي عرقيا إلى القبائل العربية المعروفة باعتبارها القبائل الحاملة للسلاح. كما نجد صناعا آخرين يوفرون منتوجات أخرى غير المنتوجات القتالية تعكس انتماءهم العرقي البربري الأصلي كالحلي والمجوهرات وآلات وأدوات الخيمة الموريتانية المعروفة ويبدعون فيها أيما إبداع.
وهذا يعني أن شريحة الصناع جزء لا يتجزأ من هذا النسيج الاجتماعي والطابع الوحيد الذي يربطها هو طابع المهنة وخصوصية العمل اليدوي الذي تخصصت فيه خدمة لبقاء هذا المجتمع المنتمية إليه عرقيا ودينيا وثقافيا، وهذا يدخل من باب تقسيم المهام في المجتمع كل حسب تخصصه وقدرته على إتقان المهام المناطة به. ولكن إذا كان الأمر هكذا بمعني أنه إذا كان الصناع الموريتانيون يحملون نفس الأصول البيظانية ونفس العادات والتقاليد فلما هذا التمييز في حقهم ولماذا هذا الاحتقار وما هي الجرائم التي ارتكبوها حتى ينظر إليهم بهذه النظرة الإزدرائية. وإذا كان امتهانهم لهذه الصنعة التقليدية لعنة عليهم فلماذا لا يتركونها ويمارسون مهام أكثر قبولا عند المجتمع؟ وأكثر مردودية عليهم ويتركون هذه الخدمة شبه المجانية التي لم تجلب لهم إلا العار والاحتقار؟.
إن الجواب على هذه التساؤلات يتطلب الرجوع إلى تاريخ مجتمعنا وعاداته وتقاليده الاجتماعية والطريقة التي ينظر بها إلى الممارسين لمجمل الأعمال اليدوية والتي تتطلب مجهودا عضليا، فالصانع لم يرتكب جريمة أكبر من ممارسته لهذا العمل فلو لم يمارس هذا العمل الذي لم يرغم عليه أصلا لما كان على هذا الحال من الاحتقار والإزدراء، ولكان كباقي المجتمع يتمتع بنفس الحقوق ونفس الامتيازات التي يتمتع بها باقي المجتمع.
ولعله من الغرابة أن الشخص الذي يمتهن هذه المهنة بقناعته الشخصية يغصب عليه من طرف القبيلة ويشطب على اسمه من سجلات القبيلة ويدرج اسمه في لائحة المملوكين. وهذا ما يفسر تلك الهجرات الممتالية لبعض أسر الصناع من قبائلهم الأصلية إلى قبائل أخرى طلبا للتقدير والاحترام، والأمثلة كثيرة على ذلك، فالمتتبع لشأن الصناع وتاريخهم يدرك أن نسبة 85% منهم تقطن أو تسكن مع قبائل غير قبائلها الأصلية، كما أنك تجد من القبائل الموريتانية ما كانت الهجرة إليه كبيرة ، وذلك راجع إلى أن تقديرهم للصناع في تلك الفترات كان تقديرا جيدا والعكس صحيح، فقد نجد قبائل لا توجد فيها أسر الصناع وإذا وجدت فتوجد منهم نسبة ضئيلة أو أسرة واحدة، والأمر راجع حسب رأينا إلى طبيعة المعاملة التي يتحلي بها الصناع من قبيلة لأخرى".
أما ما يتعلق بتركهم لهذه المهمة والتي لعنتهم اجتماعيا فتركهم لها لا يعني بالضرورة انتقالهم من وضعية اجتماعية إلى أخرى وبشكل سريع، فالطابع الاجتماعي لا يغيره إلا المستوى الفكري للشعوب والمجتمعات والتطور الثقافي والمستوى المعيشي والتاريخ الطويل.
ناهيك عن أن هذه المهمة الممارسة من طرفهم كانت ومازالت مدرة للدخل ، كما أنها أصبحت جزء من حياتهم اليومية الروتينية ومتوارثة لديهم، وبالتالي يكون التخلص منها مسألة صعبة. لكنه من الملاحظ أنها بدأت تتلاشى في صفوف الشباب المتعلم، بدأوا يمتنعون عن ممارستها لما تحمله من مذمة لدى أوساط المجتمع.
وضعيتهم الاجتماعية:
إذا ما نظرنا إلى شريحة الصناع اليوم في المجتمع البيظاني وما تعانيه من تمييز واحتقار وازدراء بهم دون استثناء سواء منهم المتعلم والعالم والفقيه والمثقف والجاهل والقوي والضعيف كلهم بلا استثناء.
وإذا ما نظرنا إلى هذه اللعنة التي أحلت بهم فإننا نلاحظ أن الشريحة الاجتماعية الممارسة لمهنة الصناعة التقليدية أصبحت في نظر الجميع ملكا لهذه القبلية أو تلك (أمعلمينَ)، والأخطر من هذا أن بعض الصناع أنفسهم أصبحوا مقتنعين أنهم فعلا ملك لهذه القبيلة أو تلك هبة من الله.
وهذا ما يفسر ذلك العجز والإحباط لأفراد هذه الشريحة التي كانت وما زالت تسعى بكل ما لديها من كفاءات ومتطلبات من فكر ومهارات أن تكون هي الموفر الوحيد لكل حاجيات ومتطلبات المجتمع، التي كان في أمس الحاجة إليها، في ظروف صحراوية غاية في القساوة.
لكنه من غير المفهوم من مجتمع يفترض أن يحترم الآخر ويقدر إنجازاته إلصاقه بالممارس لهذه المهمة الشريفة كلها هو سيئ ومشين ومذمة كالكذب والجبن والهلع والطمع والجشع وغيره كثير. المهام المشينة (التقواد) والغلط وحب الطعام (السلعة) إلخ...
وهذا لا يمكن أن يكون عفويا ولا اعتباطيا، إنما له دوافع كثيرة منها على وجهة الخصوص مثلا أن هذه الشريحة أجتمعت فيها بعض الخصائص التي يراها بعض المنتبهين والمتعلمين من المجتمع أنها خصائص خطيرة جدا، من هذه الخصائص مثلا: الذكاء الخارق وسرعة البديهة وهذا يعني أن من اجتمعت فيه هذه الخصائص يكون مؤهلا للاتجاه إلى تخصصات أخرى أو معارف أخرى كانت وما زالت في نظر الكثيرين تخصصات شرائح أخرى من المجتمع ومحتكرة لها، وبالتالي يكون من الخطر على هؤلاء توجه هذه الشريحة إلى هذه المعارف لأنها وبكل بساطة قد تسبق الجميع لما تتمتع به من ذكاء خارق وسرعة للبديهة، وقدرة على الاستيعاب والفهم.
هذا بالإضافة إلى أن القائمين على هذه المعارف تقليديا والمحتكرين لها لن يقبلوا أبدا أن ينافسوا من طرف شريحة اجتماعية أكثر منهم قدرة على الفهم والاستيعاب.
وهذا قد يكون أحد الأسباب التي جعلت هذه الشرائح الاجتماعية الممارسة تقليديا لهذا النوع من المهن والتخصصات تقف أمام شريحة الصناع وتعلن عليها حربا إعلامية لا مثيل لها في تاريخ مجتمعاتنا على الإطلاق.
وبدأت هذه الحرب الغير معلنة ظاهريا بإلصاق اللعنات عليهم لتشويه صورتهم لدى المجتمع حتى يقتنع الجميع بأن هؤلاء القوم وذكاءهم الخارق وعلمهم يجب أن يكون محصورا في تخصصهم (الصناعة التقليدية) فقط.
أما التخصصات الأخرى العلمية والفكرية والدينية وحتى الأمنية فهي من تخصص أناس آخرين والممارس له من غيرهم لا يؤخذ منه ولا يقبل وهذا يدخل في مجال الاحتكار المعرفي الذي كان سائدا في مجتمعنا.
هذا ولم نعثر على وثيقة واحدة ولا رواية ولا تحفة فنية تفيد أن هذه الشريحة الممارسة لهذا العمل اليدوي خرجت عن دينها يوما من الأيام حتى تلصق بها هذه المذام ، كما أنها لم تدخل حربا مع هذا المجتمع حتى يعاديها بهذه الطريقة ، وحسب علمنا لم تمارس هذه الشريحة الاجتماعية في هذا البلد أعمالا مشينة ولا مقررة جريمتها الوحيدة هي تلك الملكة التي أوهبها لها رب العباد مما خولتها أن تكون مؤهلة أكثر من غيرها للتنافس وكسر جدار الاحتقار المعرفي.
وهذا ما يفسر تسلط البعض عليهم وطبعهم بخصائص يرفضها المجتمع، وهذا إجراء وقائي أكثر منه دفاعي. ومن الأمثلة على ذلك أنهم في فترة من الفترات نعتوهم باليهودية حيث قالوا إن أصولهم يهودية باعتبار أن هذه الصنعة كثيرة الممارسة من طرف اليهود، حتى يبتعد منهم المجتمع أكثر بوصفه إسلاميا يدرك ما قيل عن اليهود في القرآن الكريم. كما نعتوهم بالفرعونية، حيث قالوا إن جدهم الكبير هو فرعون ذو الأوتاد وهذا ما يفسر ما أشرنا إليه بأن شغلهم الشاغل هو سحقهم اجتماعيا حتى لا يكونوا قدوة تحظى باحترام الجميع، كما ذهبوا إلى القول إن المشرك الذي كسر رباعية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو جدهم الكبيرالذي إن حدروا منه حتى يبتعد منهم المجتمع أكثر ويحتقرهم أكثر، بل ويرفضهم، وقد تكون قصة أحد الأمراء مع أحد رجالات الصناع شاهدا على هذه الحملة من طرف المجتمع على هؤلاء الصناع.
والقصة هي أن: أحد الأمراء كان يصلي بصانع تقليدي مشهور بالعلم والمعرفة لديه محظرة كبيرة يرتادها طلبة العلم ويحظى باحترام الجميع.
وفي يوم من الأيام جاء رجلان ولاحظا أن هذا الصانع يحظى باحترام الأمير وتقديره. وبدآ يفكران في طريقة يقنعان بها الأمير بأن هذا الشخص لا يستحق أن يحظى بهذه المكانة الاجتماعية المرموقة، بل يجب إستبداله بمن يستحق هذه المكانة أكثر منه.
ومن هنا بدآ بكتابة أبيات من الشعر على ورقة قديمة وألصقوها بكتاب حتى أصبحت وكأنها جزء منه، وجاءا إلى الأمير وتبادلا معه أطراف الحديث، فسأل أحدهم، السيد الأمير: من هو إمامكم هذا ومن أي قوم هو؟
قال الأمير هذا صانع تقليدي منا اشتهر بالعلم والمعرفة والصدق فنصبناه إماما وقاضيا فينا، فقالا له لكن (لا خير في الحداد ولو كان عالما). فقال هذه مقولة مشهورة لكننا لم نجد لها سندا، فقالا السيد الأمير إن إمامكم هذا لا يختلف اثنان على علمه وورعه إنما مشكلته الوحيدة أن المصلي به يجب عليه أن يعيد صلاته على الفور، فقال الأمير لماذا يعيد صلاته؟ فقال إن المنحدر من هذه الفئة من المجتمع لا يصلى به ولا تقبل منه شهادة ويجب عليه حج البيت الحرام يوميا لأنه مشهور بالكذب والنفاق وأصوله يهودية، ولدينا دليل في كتابنا هذا يؤكد لكم هذا يا سيادة الأمير وقرآ عليه الأبيات المكتوبة في ورقتهم الملفوفة سلفا في الكتاب والتي هي:
شهادة القين ترد أبدا
والمصلي به يعيد سرمدا
لأنه مشهور بالكذب
وأصله يهودي في النسب
فتعجب الأمير من هذا وعزل الصانع بل وطرده من حيه .
وهذا قد لا يكون غريبا فالأمراء في فتراتهم التاريخية يقبلون بكل ما قدم لهم من غير اختصاصهم ويعملون به. وهذه القصة مشهورة ومعروفة لدى الكثير من الباحثين، ونحن نعرف أصحابها بالأسماء لكننا لسنا في وارد ذكرهم تفاديا للإحراج، لكننا سردناها هنا من أجل التأكيد للقارئ أن ما يعاني منه الصناع لم يكن اعتباطيا ولا عفويا، إنما جاء نتيجة مخططات ومكائد حيكت بحكمة وذكاء وتم إقناع المجتمع بها حتى ترسخت وتوطدت وانتهى الأمر.
كما أنها تفسر أيضا نظرة المجتمع لهؤلاء القوم المتمثلة أساسا في محاصرتهم في محيط تخصصهم المنبوذ أصلا في المجتمع وهو (الصناعة).
وبعد ذلك يتم إقناعهم بالمكانة الاجتماعية المترتبة عن ذلك وهي مؤخرة الهرم الاجتماعي بامتياز، وعدم التفكير بالخروج منها طلبا لتخصص آخر أو مكانة اجتماعية أخرى وكأن الأمر قدر.
وحتى تترسخ هذه الوضعية وتتوطد في المجتمع كرس المجتمع وقته لتربية أجياله على هذا النمط، وذلك عن طريق نسج كم هائل من القصص الفكاهية عن الصناع موجه أساسا لأطفالهم حتى يتربوا على أن هذه الفئة من المجتمع ليسوا محل ثقة واحترام ولا يستحقون التقدير وليسوا كباقي الفئات الأخرى من المجتمع ولا يتمتعون بأبسط الصلاحيات وأنهم وبكل بساطة أشخاص غير مرغوب فيهم ومنبوذون ومحتقرون وعاجزون.
والقصص المنسوجة هي عبارة عن مميزات تم إلصاقها بهم كالكذب- والهلع- (وحب الطعام)- الجبن (عدم الشجاعة)، حب الأكل (السلعة) أو ما يسمى "الهرد" كما يقال.
كل هذه المميزات المرفوضة من طرف المجتمع تمت صياغة القصص عليها باعتبارها من خصائص الصانع حتى يترسخ في الأجيال الابتعاد عن هؤلاء القوم وعدم الاندماج معهم في شتى مجالات الحياة، المهم منهم أنهم يوفرون للمجتمع جل المتطلبات اليومية فقط، أما الالتصاق بهم فهو محرم والقائم به يعاقب في الدنيا وفي الآخرة.
ومن الأمثلة على ذلك قولهم بأن المتزوج بهم يأتي يوم القيامة وأصبعه في دبره حتى يبتعد منهم المجتمع أكثر، أما في الدنيا فسيظل معزولا من طرف مجتمعه ويعير بزواجه منهم ويعير أبناؤه من بعده منهم ولا يقبلون مستقبلا في مجتمعهم وقبائلهم، والغريب في الأمر أن هذا التصرف اللاأخلاقي واللامقبول لا دينا ولا مروءة كان وما يزال مباركا من طرف المؤسسة الدينية أو مسكوتا عنه على الأقل.
فلم نجد فيما اطلعنا عليه من وثائق فتوى تشير إلى أن هذه الممارسات غير الشرعية بحق فئة من المجتمع مسلمين مسالمين يعملون ويعيشون بعرق جبينهم أنها ممارسات حرام ولا تجوز شرعا ومنافية لتقاليدنا الدينية السمحة ومتعارضة مع ما جاء في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه الكريم من تراحم واحترام ومساواة. حيث قال جل من قائل:
بسم الله الرحمن الرحيم إنا جعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكموفي الحديث الشريف "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".
بل تركوا العنان للمجتمع ليصب جام غضبه على هؤلاء القوم بتلفيق القصص تارة وتشويه الحقائق تارة أخرى لا لشيء سوى سحق وعزل فئة من المجتمع واللعب واللهو والضحك مع محيطه وعائلته وأولاده وهذا في الحقيقة التجن وظلم لا مثيل له على الإطلاق.
ومن الغريب أن هذه الشريحة الاجتماعية أصبحت مباحة للمجتمع بلا استثناء فأضعف خلق الله وأرذله يقف أمام المجتمع ويذم الصناع ويصفهم بصفات يعجز اللسان عن ذكرها، بل ويلعنهم أحيانا ويشهد له الجميع وينصرف وهو يدرك تمام الإدراك بأن التطاول على هذه الفئة من المجتمع لا يترتب عنه أي نوع من العقاب لا من طرف الصناع ولا من غيرهم فعرضهم ولحمهم مباح ومتروك بالمجان، وهذا ما استخفف بهم الناس وزاد في احتقارهم لأنهم وبكل بساطة لا يدافعون عن أنفسهم، وكما قيل في الماضي إن (من لا يدافع عن نفسه تأكله الذئاب)، وقول الشاعر:
من لم يذد عن حوضه بسلاحه
يهدم ومن لا يظلم الناس يظلم
وهنا أعطيك أخي القارئ مثالا بسيطا على هذا الاحتقار وعدم الخوف من ذمهم لعدم وجود عقاب أو ردع من طرف الصناع أنفسهم. يحكى أنه كان لأحد أكابر الصناع صديق وكان هذا الصديق مسافرا فلما أتى من سفره وأمضى ليلته الثانية ولم يأته صديقه الصانع أنشد يقول:
من مارت عن لمعلمين
أبلا عهد أش ثان
ولد أفلان لليلتين
عالم بي ما جان
ونذكر بأن ولد افلان اسم مستعار بدل الاسم الحقيقي الذي ذكره هو في أبياته لكننا تفادينا الاسم خوفا من الإحراج، وهنا قد يقبل من الشاعر أن يداعب زميله الصانع دون ذم الصناع الذين لا علاقة لهم البتة هذه القضية، لكن احتقاره لهم أصلا وعدم خوفه من رد يصيبه منهم أو باقي المجتمع هو ما حفزه على ذمهم وهم براء.
وهذا ما يفسر العجز التام والضعف لهذه الشريحة بحيث أصبحت عاجزة عن أبسط مقومات الحياة ألا وهي الدفاع عن النفس والكرامة. وقد يقول البعض إن الصناع أو بعضهم مستفيدون من هذه المكانة الاجتماعية المتواضعة بحصولهم على بعض الامتيازات مقابل القيام بمهام يرفضها المجتمع، ويبدي استعداده لدفع مبالغ معتبرة مقابل القيام بدلا عنه بهذه المهام كحمل مهر الزواج وأخذ نسبة منه تقدرب 10% من مجموع المهر وهذا مبلغ معتبر إذا ما نظرنا إلى المنافسة القائمة بين قبائل المجتمع الأثرياء والتباهي في المناسبات بما يقدمه العريس لأصهاره.
لكن الممارسين لهذه العملية المربحة لا يدركون بأن الخاسر الأكبر وبالدرجة الأولى هو حامل هذا المهر مهما بلغت استفادته منه، لماذا؟ لأنه وبكل بساطة تصرف وصفه المجتمع بأن الممارس له وضيع ولا قيمة له اجتماعيا، والتالي يكون هذا العمل من وجهة نظر المجتمع مخصصا لفئة الصناع بوصفها فئة مرشحة لكل ما هو مذموم وحقير، وهذا ما يجب إدراكه من طرف كل ممارس لهذا النوع من التصرف، والتخلي عنه نهائيا مهما كان مستوى الاستفادة منه.
والأمثلة كثيرة من هذا النوع، فظاهرة ما يسمى عندنا تقليديا ب (التقواد) حاول المجتمع وبكل مكوناته إلصاقها بالصانع وهي من تخصص أناس آخرين من كافة مكونات المجتمع. لكن رغم رذالتها هيئت للصانع، الذي كما أسلفت مهيأ لكل ما هو حقير ومذموم.
ومن هنا يكون للرد على السؤال الذي طرح في مقدمة هذا البحث معنى، وهو: هل للصانع دور فيما آلت إليه ظروفهم الاجتماعية؟.
فالمتتبع لشأن الصناع في المجتمع البيظاني يدرك بجلاء أنهم ساهموا كغيرهم من فئات المجتمع في نبذهم اجتماعيا بل يمكن القول بأنهم شاركوا في تدعيم وتجسد تلك التهم المزيفة ضدهم ولم يفهموا أنهم مستهدفون من البداية، الشيء الذي سهل الإجراءات المتخذة ضدهم اجتماعيا.
والمشكلة حسب رأيي أنهم لم يدركوا أن المجتمع وقف ضدهم بجميع مكوناته الاجتماعية، وبدأ بمهاجمتهم وصب اللعنات عليهم في الوقت الذي يدب الخلاف بينهم وتتفشى الصراعات بينهم وتلك الصراعات التي تمت تغذيتها من طرف المجتمع حتى تتسع الهوة بينهم جميعا، ناهيك أن الطمع والجشع وحب التقرب من الآخر للكثير منهم هو الآخر ساهم في ما آلت إليه ظروفهم.
هذا بالإضافة إلى اختلاف مدارسهم وثقافاتهم، الشيء الذي نتجت عنه أشياء كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر عدم التفاهم فيما بينهم وانعدام الثقة وتفاوت المستويات الفكرية وتفاوت الولاء للقبائل، فمنهم من لا يزال يرى أنه فعلا ملك لقبيلته ولا يمكنه التصرف بدون استشارتها، ومنهم من يرى أنه فعلا حر الأصل ومواطن يتمتع بما يتمتع به كافة المواطنين، ولا يقبل لأحد التصرف فيه وكأنه ملك له أو جزء من ميراثه.
ناهيك عن أن المجتمع يحاول دائما أن يفضل بعضهم على الآخر ويقنعهم بذلك حتى تتجسد فوارق اجتماعية أخرى بينهم. وهذا يلتمسه الشخص العادي عند الاجتماع معهم في مناسباتهم السياسية والمهنية، بحيث يجد أن هذا الصانع مشبع بأفكار مفادها أنه أفضل اجتماعيا من غيره لأنه وبكل بساطة من القبيلة الفلانية ولا يحق لأي صانع أن يقوده أو يرأسه، متجاهلا أن المجتمع لا يفرق بينهم، فكلهم منبوذون وكلهم مسحوقون وكلهم مرفوضون، وهذا من وجهة نظري معوق للتآخي والتآزر والتفاهم.
فالكثير منهم لا يدرك بأن مصيرهم واحد سواء الآتي منهم من الجنوب والآتي من الغرب ومن الشمال والجنوب، كلهم من الناحية الاجتماعية في خندق واحد سواء منهم من قبل أم لم يقبل، ونظرة المجتمع لهم عامة وليست خاصة. ناهيك عن أن المثقف منهم يرفض الجلوس معهم والتحدث معهم في شؤونهم الاجتماعية والسياسية بل ويغضب عند رؤيتهم فهم فئة أحاطت بها البلاوى من كل جانب حتى أبناؤها، أفلاذ أكبادها يرفضونها، أما أطرهم النخبة الذين من المفترض أن يؤطروهم ويتآزروا معهم ويساعدوهم فحدث ولا حر، فأبوابهم موصدة أمامهم حتى أنك تجدهم يخجلون عندما تذكر الأسماء، وتجدهم مع علية القوم يؤثرونهم ويتقربون منهم لعل ذلك يشفع لهم ويصنفوا بأنهم لم يعودوا صناعا بل أطر أكفاء متجاهلين بأن المجتمع لا يرحم وبأن الفوارق الاجتماعية لن تقبل لهم وحدهم نيل أي مكانة اجتماعية دون ذويهم، وأن شهاداتهم العالمية لا تعني للمجتمع الكثير، فالمجتمع له خصوصيته والفوارق الاجتماعية تعالج بطرق أخرى وبتضحيات أخرى غير التقرب من الجلاد والابتعاد عن الضحية.
هذا بالإضافة إلى ظاهرة التخلف، فهذه الشريحة تعتبر متخلفة ثقافيا مما جعلها غير مؤهلة لفهم الوضعية الاجتماعية التي آلت إليها في هذا المجتمع.
ولم يعطوا للعلم والتعلم ما يستحقه وخاصة العلوم العصرية وركزوا على أشياء أخرى كالمتاجرة والتصنيع اليدوي التقليدي وأشياء أخرى لغرض مادي بحت.
وكرسوا كل أوقاتهم لهذا النوع من العمل، وبالتالي لم يبق للعلم والمعرفة وقت كثير الشيء الذي أبقاهم متخلفين ثقافيا. وهذا ما جعلهم يختلفون كثيرا ومن الصعب عليهم التوافق والتآخي والتآزر، لأنهم وبكل بساطة متخلفون. فتجد سوقا متخصصا لهم وحدهم بكامله وتعجز أن تجد اثنين منهم متفقين في الرؤى والطرح، لكن تجد كل واحد منهم يكره الآخر بل ويمقته أحيانا، ويرجوا له كل الشر، وهذه حقيقة مرة لكنها قائمة.
فشبابهم المفترض أن يكون فوق التحديات ومسئول هو الآخر مكبل لأنه متخلف ثقافيا وحضاريا لدرجة أنه أصبح غير صالح لتبوأ مسؤوليات عامة ولو في تنظيماتهم النقابية والمهنية البسيطة.
أما الشيوخ منهم فقد مزقتهم المصالح والخلافات والنزاعات في أمور أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها أشياء ثانوية وغير مهمة مثل التنظيمات المهنية الضيقة، كالمناصب في المكاتب التقليدية، المعارض الدولية، وأشياء من هذا النوع، ناهيك عن أنهم يخافون من شبابهم المثقف ولا يثقون بهم على الإطلاق، ويرون أنهم لم يأتوا لمساعدتهم إنما أتوا لسحب البساط من تحتهم ورميهم في سلة المهملات، وهذا ما جعلهم في حرب دائمة معهم، واقع مرير يصعب السكوت عليه ويصعب معالجته، وساهم بشكل كبير في تكريس تلك النظرة الإزدرائية التي ينظر بها المجتمع إليهم وجسدها واقعهم المعاش يوميا وعلاقاتهم بعضهم ببعض.
فهم اليوم مقسمون إلى فئات كثيرة:
1- فمنهم المحبط من وضعيتهم لأنه بذل جهودا كثيرة في إخراجهم من هذه الوضعية المزرية وضحى بالغالي والنفيس ووجد نفسه عاجزا عن إنجاز أي شيء.
2- ومنهم الحائر والمستغرب من شريحة اجتماعية تجمعها المكانة الاجتماعية والمهنية والدينية، وهي عاجزة تمام العجز عن التفاهم والتآخي والتراحم.
3- ومنهم المتفرج كأن الأمر لا يعنيه وغير معني به ولا يهمه ولا يمكنه أن يساهم في توعية أهله أن العالم اليوم عالم تكتلات والمصلحة العامة لكل فئات المجتمع تتطلب التآخي والتراحم بين الفئة الواحدة من المجتمع وبينها وباقي فئات ومكونات المجتمع الأخرى.
4- ومنهم المنسحب الذي يدعي أنه لا ينتمي إلى هذه الشريحة ويدعوا نفسه إلى فئات أخرى من المجتمع أكثر قبولا، وهذا النوع لا يحظى بكثير من الاحترام من طرف الصناع أنفسهم ولا ينتظر منه الكثير.
5- ومنهم المضحي بوقته وماله من أجل أن تخرج هذه الفئة المهمة من المجتمع من نفق التباغض والتحاسد والخلافات إلى جو التآخي والمحبة والاحترام المتبادل.
وهذا لعمري هدف ينشده الجميع ولا يمكنه أن يتحقق إلا بتضافر كل الجهود، كل حسب مستواه، فالمثقف من هذه الشريحة يتحمل الدور الكبير، فعليه أن يكرس وقته في تأطير مجتمعه المنتمي إليه والممزق اجتماعيا وسياسيا حتى يدرك أن التلاحم والتآخي والمحبة هم الوسيلة الوحيدة لنيل احترام وتقدير الغير، وتبوأ المكانة الاجتماعية والسياسية اللائقة في المجتمع وفي الدولة.
فإذا نظرنا إلى الوضعية السياسية للصناع اليوم من حيث المناصب السياسية في الدولة ندرك أنها معدومة بحث لا يمكنك أن تجد من هذه الشريحة الكبيرة والمجذرة في المجتمع والمليئة بالكفاءات والشهادات العالية أية مناصب عالية في الدولة فلا وجود لهم في الحكومات المتعاقبة ولا تحت قبة البرلمان ولا الإدارات المهمة، ولا يمكن أن تجد منهم واليا ولا والية ولا حاكما ولا حاكمة ولا حتى رئيس مصلحة وكأن الأمر لا يعنيهم أو لا يحق لهم وخبرتهم الطولية في مختلف التخصصات لا قيمة لها، وهذا لعمري ظلم وتغييب لا مثيل له على الإطلاق.
فهم فئة اجتماعية تمثل ركيزة معتبرة من المجتمع ولا تنقصهم الكفاءات فمنهم الدكاترة والمهندسون وأصحاب الشهادات العالية وهم مخلصون لدولتهم، لكن المعوق الوحيد لهم هو أن المكانة السياسية اللائقة في الدولة لا تعطى بالمجان وتحتاج إلى تضحيات، وهم بعيدون كل البعد عن هذه التضحيات، فهم مختلفون وعاجزون عن توحيد الرأي الذي يجمعهم، مما جعل القائمين على الدولة لا يولون لهم اهتماما من حيث المناصب المقسمة في كثير من الأحيان على فئات المجتمع كل حسب دوره السياسي والاجتماعي.
وإذا نظرنا إليهم من الناحية الاجتماعية فستجدهم عاجزين اجتماعيا عن تبوأ المكانة الاجتماعية اللائقة بهم وبدورهم المحوري في هذا المجتمع وبتضحياتهم، الكثيرة من خدمة للمجتمع والسبب هو أنهم على اختلاف دائم فيما بينهم ولا يدركون أن هذا الخلاف القائم بينهم هو خلاف مقصود ومفتعل من طرف أطراف خارجية ويغذى دائما عندما يتطلب الأمر ذلك. حتى إنك إذا ما نظرت إليهم من الناحية المهنية فستجدهم عاجزين بل مغلوبين على أمرهم، وإطارهم القانوني الذي من المفترض أن يكون الجامع المانع للمهنيين منهم والمتخصصين منهم أصبح إطار تفرقة وإطار خلاف بينهم لأنه وبكل بساطة لا يخدمهم بل يخدم مصلحة فئات أخرى من المجتمع تحت ذريعة (المهن العصرية) التي هي في الغالب من إنتاجهم بمعنى أن نسبة 90% من الأعمال الحرفية من تخصصاتهم وتدار من طرفهم وهم اليوم مقصيون من مصدر القرار في الغرفة الوطنية للصناعة التقليدية والحرف ومن الاتحاديات الجهوية، وخاصة اتحادية نواكشوط المدارة من طرف آخر لا علاقة له إطلاقا بما يسمى بقطاع الصناعة التقليدية والحرف.
وبالتالي يكون الصانع الموريتاني المهني الذي يمثل نسبة 95% من منتسبي الغرفة معزولا ولا دور له على الإطلاق في عملية التسيير ولا حتى الاستشارة، والأموال الكثيرة التي تأتي باسمه من طرف الممولين الدوليين المهتمين بالقطاع تكدس وتكرس لأشياء أخرى وهذا لعمري هو ما جعل القطاع في تراجع دائم.
وعلى العموم فإنه يمكن القول إلى إن هذه الوضعية المزرية للقطاع وأهله راجعة إلى ضبابية الرؤية السياسية للدولة فيما يتعلق بتطوير وتثمين هذا القطاع الحيوي من قطاعات الدولة.
هذا بالإضافة إلى الخلافات القائمة بين القائمين والفاعلين والمهنيين من الصناع أنفسهم، مما أتاح الفرصة لأطراف أخرى لا علاقة لهم بالصناعة التقليدية لا ثقافيا ولا اجتماعيا ولا مهنيا بالسيطرة الكاملة على جميع المناصب القيادية في هذه التنظيمات المهنية.
وأصبح الصانع هو الضحية ولا دور له على الإطلاق، والغريب في الأمر أنه هو الذي ساهم في إقصائه بنفسه من حيث لا يدري.
وهذا كما أشرت آنفا راجع إلى ضعف المستوى الثقافي والسياسي للقائمين على هذه الحرف التقليدية والعصرية وامتناعهم عن القبول بالمثقفين منهم ذوي الكفاءة والقدرة على المساهمة الفعالة وفهم الأمور فهما صحيحا. وانطلاقا مما سبق ذكره في الجزء الأول من هذا البحث من معاناة هذه الشريحة الاجتماعية والظلم الحاصل لها من طرف المجتمع والقادة السياسيين في هذا البلد والتمييز والاحتقار والإقصاء والغبن السياسي.
وما تعانيه مهنيا من الوزارات ذات الوصاية من تغييب واستحقاق وتهميش، هذه المعاناة التي قد لا يراها غير المكتوي بنارها والتي تحتاج إلى إرادة صادقة لإزالتها أو على الأقل التخفيف من وطأتها على هذه الفئة من هذا المجتمع. لكنه وفي هذا المقام ولقناعتنا الراسخة بأن المسؤولية عن هذا الواقع مسؤولية الجميع، فهي مسؤولية مزدوجة يتحمل كل من الصانع والمجتمع والدولة جزءه منها.
وعليه فإننا نرى أنه من الضروري التحلي ببعض المسلكيات لكل من الصانع نفسه والمجتمع من جهة والدولة من جهة أخرى.
واجبات الصانع
1- فمن الناحية الاجتماعية يجب على الصانع أولا وقبل كل شيء أن يقتنع بأنه شخص مهم وفاعل ويمارس عملا شريفا وله الحق المطلق في مزاولة النشاط الذي يختاره بكل حرية ولا ينقص ذلك من شأنه شيئا.
2- كما يجب عليه أيضا أن يظهر للمجتمع بأن تلك التهم المزيفة بحقه والمحاكة ضده لا أساس لها من الصحة، وحتى يقنع الجميع فعليه أن يقنعهم بالممارسات قبل الأقوال ويثبت للجميع أنه فعلا جدير بالاحترام لأنه محترم ويحترم الجميع.
3- كما يجب عليه أن يظهرذلك في سلوكه ومعاملاته وأخلاقه وأن لا يعتبر نفسه أقل شأنا من غيرها، وأن ينفتح على الآخر.
4- وأن يتجه إلى العلم والمعرفة فبدون العلم والمعرفة لا يمكن أن يحصل أي تقدم.
5- أن يكتب عن تاريخه ودوره الحضاري المتميز في المجتمع حتى يظهر للجميع أنه كان وما زال يخدم المجتمع ولم يكن يوما عالة عليه.
6- وأن يطور عمله اليدوي حتى يتماشى مع التطور الحاصل للمجتمع، فمن غير المعقول أن يتقدم المجتمع ويستغني عن إنتاج الصانع التقليدي ويبقى الصانع ينتج نفس متطلبات المجتمع التقليدي بل هنالك متطلبات جديدة ومتطورة يجب على الصانع أن يقوم بتطويرها حتى يتسنى له تقديمها حتى يساير الركب. أما تلك المنتوجات التقليدية فهي مهمة لكنها من وجهة النظر الثقافية فهي جزء من تراث وتاريخ مجتمع، يجب أن تصان وتحفظ في المتاحف والدور المخصصة لذلك.
7- كما يجب أن يفهم أن المكانة الاجتماعية التي يسعى إليها لا يمكنها أن تتحقق بشكل انفرادي إلا إذا كان يقدر ويحترم نفسه أولا وأمثاله من الصناع والمشتركين معه في المهنة وفي التركيبة الاجتماعية، وأن يقدر جهودهم وأن لا ينجر في متاهات الخلاف والحسد والبغض لأقرانه، فالمثل الحساني يقول: "أل اعشاك وأعشاه فاكدح لا تكب".
8- كما يجب على الصانع الموريتاني أن لا يقلد في عمله الجانب المادي ويهمل الجانب الثقافي والتاريخي والحضاري، فهذه الجوانب الثلاثة هي التي تعكس للمجتمع التعريف الحقيقي للصانع الموريتاني.
9- كما يجب عليه أن يركز على المظهر اللائق لورشته أو محله وأن يحافظ على نظافتها ومظهرها الداخلي والخارجي حتى يكون هو في موضع لائق ومريح، وهذا ما يمكنه من الإبداع لأن ظروف محل العمل أساسية للعامل، كما أنها تعطي لصاحبها مكانة واحترام من لدن الزائرين والزبناء.
10- كما يجب على الصانع أن لا يضعف نفسه للآخر فهو قوي ولا يحتاج لمن يقدم له المساعدة المهم أن يكون إيمانه قويا ومعتمدا على نفسه دون غيره.
هذه النقاط العشرة التي تم ذكرها يجب على الصانع التقليدي أن يدرك أنها ضرورية له ولمجتمعه ومن الضروري التحلي بها حتى يثبت للمجتمع أنه فعلا جدير بالاحترام والتقدير، وأن لديه رسالة الهدف الأساسي منها هو خدمة هذا المجتمع المنتمي إليه عرقيا وثقافيا واجتماعيا. واجبات المجتمع
هذا المجتمع الذي يجب عليه هو الآخر أن يتفهم معاناة الصانع التقليدي الموريتاني وأن يقدر مجهوداته وأن يشجعه على هذا الدور الحضاري المتميز خدمة لمجتمعه وديمومة لاستمراريته، وأن لا يقزم هذا الدور حتى لا يحبط كما هو حاصل اليوم.
كما يجب أيضا على المجتمع الموريتاني بجميع مكوناته الاجتماعية أن يتخلى وأن يكف عن صب لعناته على الصانع الموريتاني وأن يحترم شعوره وإنسانيته خاصة أنه لا يستحق هذه الهجمة الشرسة فهو بطبيعته مسالم ويحترم الجميع. كما يجب عليه أن يتفهم أن الصناعة التقليدية والقائمين عليها هي في حد ذاتها جزء من تراثه وتاريخه فمن لا يحترم تاريخه ولا يقدر تراثه فهو نفسه غير جدير بالتقدير والاحترام، ولا مستقبل له على الإطلاق فكيف تشن حرب عشواء لا مبرر لها ضد من يحمل تراثنا وتاريخنا الطويل فمن لا تاريخ له لا حاضر له ومن لا حاضر له لا مستقبل له. كما يجب أن يتفهم أن عزل الآخر وتهميشه وسحقه اجتماعيا والتعالي عليه واحتقاره أمور أصبحت مذمة في المجتمعات الحديثة وغير مقبولة وتنم عن التخلف والجهل ويعاقب عليها قانونيا، فالمجتمعات لا تتقوى إلا بالعدالة والمساواة لدى جميع مكوناتها.
فإذا عمت العدالة الاجتماعية في أي مجتمع فإن المحبة والتقدير والتآخي والتآزر سيعمان في هذا المجتمع. كما يجب أن يقتنع أن هذه الشريحة الاجتماعية هي جزء لا يتجزأ من التركيبة الاجتماعية له، كما يجب عليه أن يدرك أنها تحمل نفس الأصول العرقية معه وأنه لا مبرر للتمييز ضدها وعزلها اجتماعيا.
كما يجب عليه أن يدرك أن هذا التمييز ضد شرائح معينة لم يعد مقبولا من طرف هذه الشرائح، ولم يعد مفهوما في ظل دولة القانون، ويجب التخلص منه وإلى الأبد لأنه وبكل بساطة يهز كيان وحدتنا الوطنية ولا يخدم إلا فئة قليلة من الإقطاعيين المتعودين علي هذا النوع من الممارسات والمدافعين عنه.
كما يجب على مجتمعنا أيضا أن يتخلى عن تلك الممارسات التقليدية المجحفة في حق الآخرين والتي لم تعد تتماشى مع متطلبات العصر والتي هي في حد ذاتها معوق أمام تقدم وتطور المجتمع.
كما يجب عليه أن يدرك أن التآخي والتآزر والاحترام وتقدير كافة الشرائح الاجتماعية المنتمية إليه مسألة ضرورية، والمجتمع في أمس الحاجة إليها، خاصة في هذه الظرفية الحرجة من تاريخه المعاصر المليء بالتحديات والأخطار وحتى المؤامرات الإقليمية والدولية.
فمن غير المفيد لمجتمع يطمح لمسايرة الأمم المتقدمة ويصبوا إلى أن يكون مجتمعا عصريا أن يمارس التمييز والازدراء والاحتقار لشرعية يشهد لها هو نفسه بنبالة رسالتها، وباحترامها لمجتمعها بكافة مكوناته وبوطنيتها وانضباطها واحترامها للقانون.
هذه النقاط العشر التي تم التطرق لها في البحث والتي ترى أن التحلي بها من طرف المجتمع سيساهم لا محالة في إنصاف المظلوم والقضاء تدريجيا على ظاهرة التمييز، ومن شأنها أن تحقق العدالة الاجتماعية لهذه الشريحة والتي فقدتها منذ أن أخذت على عاتقها مهمة الصناعة التقليدية تلك المهنة المربوطة اجتماعيا بكل ما هو مذموم ومحتقر. لكن يبقى السؤال المطروح في هذا المقام والأكثر إلحاحا هو:
ما هو الدور الذي يجب على الدولة أن تقوم به إنصافا واحتراما لشريحة كانت وما تزال تعاني من الظلم والحرمان اجتماعيا وسياسيا ومهنيا في مجمل فتراتها التاريخية.
فخصوصية دولة القانون أنها دولة المساواة والعدالة لكل ما لهذه الكلمة من دلالة (عدالة- سياسية-عدالة اجتماعية) فمن غير المعقول أن تظل الدولة والقائمين عليها في موقع المتفرج على تهميش وإقصاء فئة من أهم مكونات المجتمع وأكثرها إنتاجا وخدمة لها. فعلى الدولة الموريتانية أن تتحمل المسؤولية وتظهر للجميع احترامها وتقديرها لمجهودات يد الصانع التقليدي ومهاراته وخدمته لهذا المجتمع منذ نشأته إلى يومنا هذا. كما يجب عليها أن تقف أمام كل الذين يدافعون عن ظاهرة الفوارق الاجتماعية وتثبت لهم أن المواطنة وخدمة هذا الدولة هي المعيار الوحيد للمكانة الاجتماعية والسياسية.
وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا بتبلور إرادة سياسية واضحة المعالم يكون من شأنها التعريف بالدور المحوري الذي كان وما زال يلعبه الصانع التقليدي خدمة للمجتمع هذا بالإضافة إلى طرح استراتيجيه لتثمين وتعليم وتطوير الصناعة التقليدية والرفع من الإنتاجية حتى تتمكن من مسايرة الركب، وحتى تقضي على ظاهرة الفقر المتفشي في أوساطها.
كما يجب عليها ومن باب العدل والمساواة بين كافة فئات المجتمع وتقديرا للكفاءات أن تشرك أبناء هذه الشريحة في التعيينات السياسية والإدارية في الدولة، فمنهم الأكفاء المخلصون وأصحاب الشهادات العالية من الدكاترة والمهندسين والخبراء في شتى المجالات وإقصاؤهم من المشاركة في بناء الدولة الحديثة يثير مخاوف لدى هذه الشريحة، حيث يذكرهم بتلك المعاملة المجحفة في حقهم من طرف المجتمع التقليدي، فالتهميش والعزل والإقصاء ظاهرة وللأسف الشديد متجذرة في مجتمعنا ويجب على الدولة القضاء عليها ومحاربتها بشتى الوسائل المتاحة لها. لأنهاوبكل بساطة تخلق نوعا من الاشمئزاز والإحباط، وتولد الكراهية بين مكونات الشعب الواحد.
أما على المستوى المهني فإنه من المفيد أن تشكل وزارة خاصة بالصناعة التقليدية والسياحة لكنه من غير المفهوم أن تسند هذه الوزارة لمن لا يفهم الصناع فهما عميقا ويعي دورهم المناط بهم وله القدرة على صيانة وتثمين ما قدموه في الماضي وتطوير حاضرهم والتخطيط لمستقبلهم وتنظيمهم مهنيا كل حسب اختصاصه ،ويمكنه أن يرسم لهم دورهم في المستقبل ويهيئهم له حتى يتمكنوا من المشاركة الفعالة في البناء والتطور. فمن لا يملك القناعة على أن الصناعة التقليدية الموريتانية المشهود لها بالدقة والأصالة والنقاء والجمال أنها ورقة تعريفية لهذه الأمة وتاريخها ويمكنها إن فعلت ودعمت وشجعت أن يكون لها دور كبير في التنمية الاقتصادية للبلد، وتساهم في الدخل القومي وتقلص ظاهرة البطالة.
فهي ركيزة أساسية من ركائز جلب السياح وعملاتهم الصعبة لهذا البلد، كما أنها تمثل السفير الصامت في المعارض الدولية وتعكس الشخصية الموريتانية ومستواها الإبداعي والإنتاجي وقدرتها على التطريز والزخرفة والنحت بوسائل بدائية وبسيطة. فهي في الحقيقة كنز من كنوز الثقافة الموريتانية وجزء هام من تراثها الملموس.
لكنها وللأسف الشديد بدأت تندثر وتختفي ويختفي القائمون عليها، والمتخصصون فيها، وذلك عائد إلى أسباب منها ما هو اجتماعي مهني، فالشباب المتعلم والمفترض أن يرثها من الآباء لم يعد يرغب في ممارستها لارتباطها بوضعية اجتماعية معيبة.
كما أنها إلى حد الساعة لم توفق في إيجاد إطار قانوني جامع ومانع لها غير هذا الإطار الهزيل المعمول به حاليا والمليء بالتناقضات والأخطاء الفادحة والمقزم لها كمهنة وتنظيمات نقابية والمركز لقرارها السياسي في أشخاص محددين لا علاقة لهم بالقطاع وأهله وإنما جاءوا لتنمية مخططات ومكائد سياسية تمت حياكتها بدقة ، ولم تكن الإدارة الوصية بمنأى عن هذه المكائد.
هذه الأمور وغيرها كثير هي ما جعلت الصناع الموريتانيين في وضعية أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مزرية. الشيء الذي يتطلب التدخل السريع من الدولة وطرح برامج تنموية عاجلة تستهدف انتشال هذا القطاع من هذه الوضعية وإلا فإن جزء هاما من تراثها سيضيع وإلى الأبد.
هذه البرامج التي يجب أن تأخذ بعين الاعتبار مجالات متعددة.
1- كالتكوين الذي يعتبر الحلقة الأهم في المجالات المهنية فالشباب يجب أن يهيأ حتى يتمكن من أخذ واستيعاب ما لدى الشيوخ من خبرة ومهارة، وإلا فإن أدمغة القطاع سترحل ويرحل معها تراث أصيل ومهم.
2- الفصل بين الصناعة التقليدية التراثية وما يسمى بالمهن العصرية كالحلاقة والبناء والخياطة إلخ...... فالصناعة التقليدية التراثية هي جزء من تراث المجتمع وتاريخه وثقافته وقديمة قدم الإنسان الموريتاني، ومن غير الإنصاف دمجها مع مجالات أخرى عصرية لا علاقة لها بها وتستعمل فيها آلات ومعدات كهربائية عصرية. فقيمة الصناعة التقليدية التراثية تكمن في مزج الفكر باليد والآلات والأدوات التقليدية البسيطة لإخراج تحفة فنية تعكس انتماء المجتمع وثقافته وأصالته. فمن وجهة نظرنا كخبراء وباحثين في مجال الصناعة التقليدية نرى أنه من المؤسف دمج هذا التراث الأصيل بتخصصات مهنية أخرى تدرج في مجال القطاع الغير مصنف. وفشل الغرفة الوطنية للصناعة التقليدية والحرف العصرية في إحراز أي تقدم يرجع في الأساس إلى هذا الخلط الغير مبرر والغير معقول.
3- يجب إرجاع الصانعات التقليديات التراثيات إلى مجالهن الحقيقي جنبا إلى جنب مع الصانع التقليدي التراثي الذي تم فصلهن عنه عن قصد تحت شعار المهن النسوية فصناعات النساء التراثية هي في الأساس جزء لا يتجزأ من الصناعات التقليدية الموريتانية حيث تتطلب تظافر الجهود بين الصانع والصانعة بمعنى أن هنالك ارتباط عضوي وضروري حتى تكتمل الصورة أو المنتج الفني، وهذا معروف لدى الجميع فالصانع التقليدي التراثي لا يمكنه أن ينهي الكثير من تحفه الفنية إلا بتعاون مع الصانعة التقليدية وعزلها عنه أو أبعادها عنه يعتبر شلا لاستمرارية الإنتاج في مجال الصناعات التقليدية الموريتانية. وهذا في الحقيقية يتطلب من الدولة مراجعة لهذا الإطار القانوني الممزق والمعوق لهذا القطاع الحيوي والمسمى بمدونة الصناعة التقليدية (code d’artisanat) واستبداله بإطار قانوني جديد للصناعات التقليدية التراثية. ومن المهم أن يراعي هذا الإطار الخصوصية التاريخية والتراثية لهذه الشريحة من المجتمع الموريتاني، وردوها الحضاري، وقدرتها على الإبداع والابتكار.
4- كما يجب إصدار مقرر يكون من شأنه إنشاء بطاقة مهنية للصانع التقليدي الموريتاني بحيث لا يحق لمن لا تتوفر فيه مواصفات الصانع التقليدي أن يحصل عليها، وحتى تكون حدا لتلك الانتهاكات التي كانت وما تزال حاصلة في عملية الانتساب حيث أصبحت في الآونة الأخيرة عملية مربحة لمن لديهم الإمكانيات المادية بحيث ينسبون مئات الأشخاص الذين لا علاقة بالقطاع وبالتالي يسيطرون على الساحة السياسية ويفوزون في الانتخابات لا لشيء سوى الحصول على ما تقدمه الدولة من دعم مالي لتصرف فيه كما هو حاصل اليوم في الغرفة الوطنية الحالية. وإذا لم تقم الدولة بالوقوف أمام هؤلاء المتمصلحين على حساب أهل القطاع الأصليين فإن كارثة ستحل بمن يحسب عليهم هذا القطاع ويمارسون نشاطاتهم في حقله.
5- القيام بإحصاء شامل لكل الصناع التقليديين والتراثين على الصعيد الوطني. 6- تنظيم ملتقيات وأيام تشاورية حول الصناعة التقليدية التراثية ويشارك فيها بعض الخبراء في مجال الصناعة التقليدية، وبعض الصناع المهرة، وشخصيات وطنية ودولية مهنية لترقية هذا القطاع الهام.
7- كما يجب على الدولة أن تنشئ صندوقا وطنيا لترقية الصناعة التقليدية، ويوجه هذا الصندوق لتزويد الصناعة التقليدية بالمواد الأولية والآلات الضرورية للعمل، ويؤمن لهم متطلبات الحياة الأخرى في فترة الإنتاج والتشويق.
8- كما يجب إنشاء مؤسسة وطنية لشراء وتسويق منتجات الصناعة التقليدية التي لم يستوعبها السوق الوطني.
9- إنشاء أحياء صناعية في كافة عواصم الولايات وقرية صناعية على مستوى العاصمة نواكشوط، ودور للصناعة
التقليدية مزودة بورشات نموذجية عصرية و بآلات والأجهزة الضرورية لتكوين الصناع رجالا ونساء قل حسب تخصصه.
10- إنشاء دليل وطني للصناعة التقليدية يحمل نماذج الصناعة التقليدية التراثية الحديثة يكون من شأنه أن يعرف بهذه الصناعة وبمنتوجاتها وتحفها الفنية.
11- ضرورة إلصاق بعض صور المنتوجات للصناعة التقليدية على الطوابع البريدية وبطاقات شحن الهواتف. الوزراء بإلزامية استخدام منتوجات الصناعة التقليدية في كل مرفق من المرافق العمومية على الأقل في أحد المكاتب أو قاعة الاجتماعات كما هو الحال في بعض الدول المهنية وبتطوير صناعاتها التقليدية.
12- تشجيع المستثمرين في مجال الصناعة التقليدية ومنحهم قروض ميسرة، وبعض التسهيلات الأخرى مثل تخفيف الضرائب الجمركية على الآلات والمعدات والمواد الأولية التي سيستوردونها من الخارج. 13- إصدار قرار من الوزارة الوصية بإلزامية فتح محل أو اثنين لبيع منتوجات الصناعة التقليدية في كل الفنادق والنزل الوطنية.
14- طرح إستراتيجية جديدة للمعارض الدولية تتمثل أساسا في النقاط التالية:
* طرح الشروط التالية للمشاركة:
1- أن يحمل المترشح بطاقة مهنية ثبت انتماءه إلى الفصيلة المهنية من الصناعة التقليدية للمشاركة في المعارض الدولية.
2- أن يوقع التزام شرف بأن يمثل دولة تمثيل يليق بها وأن يرجع على وطنه فور إنهاء مدة إقامته وأن لا يعرض إلى المنتوجات الموريتانية الأصيلة.
* إنشاء لجنة وطنية للمعارض: ويراعي ضرورة تمثيل المنظمات المهنية للصناعة التقليدية فيها بشكل عادل ونزيه. وتأخذ على عاتقها مسؤولية تنظيم وتسيير المشاركة في هذه المعارض بكل مسؤولية موضوعية وحياد.
* ترميم وتجديد المعرض الوطني حتى تتحسن وضعية المنتجين فيه، وزيادة محلات العرض فيه حتى يحتوي الجميع، ويرجع العارضين المتناثرين في العاصمة، ويكون سوقا متخصصا بزيادة الزوار والسياح الأجانب وعلى غرار الأسواق المتخصصة في مجال الصناعة التقليدية في البلدان المجاورة".

إمام الدين ولد أحمدو
المذرذرة اليوم

هناك 9 تعليقات:

غير معرف يقول...

بحث قيّم يستحق التأمل والنقاش

ولد التاكلالت

غير معرف يقول...

اظن ان غياب الوازع الديني في المعاملات اليومية وشعورنا بالاكتفاء الداتي من الدين والاخلاق وعدم انفتاحنا علي المجتمعات الاخري التي سبقتنا للاستفادة من تجربتها الفكرية والحضارية
هي اسباب رئيسية لمختلف الامراض الاجتماعية التي نعاني منها وعلي راسها مشكلة التفاوت الطبقي
ويكفي الحدادين فخرا ان الصحابي الجليل خباب ابن الارت كان حدادا وكان يؤم الصحابة في الصلاة وكانت له افضال كثيرة وردت في الاحاديث الصحيحة

غير معرف يقول...

حبذا لو قدّر لنا الباحث المحترم عدد فئة الصنّاع ونسبتهم من عدد سكان البلد..

غير معرف يقول...

رد على ولد الخط

فئة الصناع ياولد الخط فئة عريضة من المجتمع الموريتانى،وعلى الأقل الإنصاف أن تحصل على ما يناسب وجودها فى المجتمع على قرار باقى الطبقات الإجتماعية الأخرى.

غير معرف يقول...

صاحب البحث او النص الطويل علي الاصح متهم علي الصناع لانه منهم وهذا ينقص من قيمة ما كتب فحبذا لو كان صاحب النص من فئة اخري ثم انه اورد في نصه بعض العبارات الساقطة والتي لا ترد على السنة الفئات المحترمة العالية ويقال ابدأ بنفسك فاذا اؤاد ول بومبيرد ان يرفع من شان فئته فعليه اولا ان يبدأ بنفسه ويهذب الفاظها الي غير ذلك عندها يمكنه البدء في الحديث عن تغيير طبقة او فئة كاملة وشكرا

غير معرف يقول...

اود ان اقول لنفسي وللجميع ان المشكلة التى يعاني منها مجتمعنا اليوم هي مشكلةدينية بحة قبل كل شيىء التفاضلية فى المجتمع ينبغي أن تكون بالتقى وليست بالبيظانى أو الحرطانى أو لمعلم أو.............(ان أكرمكم عند الله أتقاكم صدق الله العظيم)هذه الآية لما نزلت قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضاع النسب.ليس الفتى من يقول كان أبى.....لكن الفتى من يقول هاأنذ!!!!!!ان هي الا أسماء سميتمها أنتم و آباؤكم ماأنزل الله بها من سلطان.صدق الله العظيم

غير معرف يقول...

في تقديري أن أي طرح يؤسس على الطبقية والدفاع عن طبقة بعينها من المجتمع وإظهارها كضحية لطبقة أخرى وتحميل المجتمع مسؤولية ماحاق بها أو مايزعم أنه لحقها من ضرر معنوي يفتقر للموضوعية وبفقد المصداقية وإن كانت الحجج المبسوطة على مستوى معين من الوجاهة.

إن إعتبار الوطن مزرعة يتعين علينا تقاسمها على أساس عرقي أو طائفي إنما هو طرح خاطئ من أساسه ،ويكرس الطبقية والفئوية أكثر مما يقضي عليها ويذكي الصراع بين أفراد المجتمع أكثر مما ينشر روح الإخاء والمسوات .

إن جهود القضاء على الطبقية يجب أن توجه نحو تقوية دولة القانون حيث ينمحي الإحساس بالقبيلة والفئة والعرق ويعلوا عليهما الإحساس بالوطن والأمة والهوية الوطنية المشتركة .

ولذلك فإن الذي يتحدث عن حرمان فئة المعلمين من مناصب عليا في السلم الإداري والوظيفي فوق أنه يخطئ فهو أيضا يذكي الطبقية والفئوية ويقزم "فئة المعلمين" إلى أنها مجموعة تظالب بنصيبها من الكعكة وتعفي نفسها من الإحساس بأننا بعد لانزال نتخبط في الخطوات الأولى نحو دولة القانون وأن الأولى الآن هو لأزاعة طغمة الفساد والمفسدين وتطهير الإدارة ومختلف السلطات من المفسدين وفتح الباب أما المنافسة النزيهة في خدمة الوطن ووضع الكفاءة"القوة والأمانة" معيار محدد في تسلم الوظائف والمراكز وأن القضاء على الطائفية والفئوية والجهوية والقبلية والمحسوبية وكل هذه الصفات الوسخة أنها معركة كل الموريتانيين ويتعين عليهم أن يخوضوها بشجاعة وقوة .

مؤدلج

غير معرف يقول...

المشكله حقيقيه وخطيره يغير الطرح كان سطحي والمعالجه ضعيفه

ishagh brahim khlil يقول...

شكرا للجميع ان نقاش مثل هذه الامور لا ينبغي ان ياخذ علي انه تحيز او اذكاء للطائفية او ما الي ذلك بل يجب ان يكون مدعاة لمراجعة شاملة لتاريخ هذا البلد . فليس الصناع وحدهم من يعانون من الاقصاء او التجاهل فهناك فئات اخري .... هذا علي الصعيد المحلي و ان نظرت وجدت ان من يعتبرون او يعتبرون.... هم انفسهم مقصيون و مهمشون علي الصعيد الاقليمي و القاري و الدولي في عصر القرية الواحدة. فالحذر الحذر من الاغترار و لننظر الي انفسنا ككل و لا ننجر وراء مصالح ضيقة و لنتذكر دائما ان من تنكر لمواطنيه تنكر له الاخرون
و الله يحفظ الجميع