الاثنين، 23 أغسطس 2010

محمد فال ولد بومبيرد
يكتب للمذرذرة اليوم

(3)
وضعية لمعلمين

إذا ما نظرنا إلى شريحة الصناع اليوم في المجتمع البيظاني وما تعانيه من تمييز واحتقار وازدراء بهم دون استثناء سواء منهم المتعلم والعالم والفقيه والمثقف والجاهل والقوي والضعيف كلهم بلا استثناء.
وإذا ما نظرنا إلى هذه اللعنة التي أحلت بهم فإننا نلاحظ أن الشريحة الاجتماعية الممارسة لمهنة الصناعة التقليدية أصبحت في نظر الجميع ملكا لهذه القبلية أو تلك (أمعلمينَ)، والأخطر من هذا أن بعض الصناع أنفسهم أصبحوا مقتنعين أنهم فعلا ملك لهذه القبيلة أو تلك هبة من الله.
وهذا ما يفسر ذلك العجز والإحباط لأفراد هذه الشريحة التي كانت وما زالت تسعى بكل ما لديها من كفاءات ومتطلبات من فكر ومهارات أن تكون هي الموفر الوحيد لكل حاجيات ومتطلبات المجتمع، التي كان في أمس الحاجة إليها، في ظروف صحراوية غاية في القساوة.
لكنه من غير المفهوم من مجتمع يفترض أن يحترم الآخر ويقدر إنجازاته إلصاقه بالممارس لهذه المهنة الشريفة كلما هو سيئ ومشين ومذمة كالكذب والجبن والهلع والطمع والجشع وغيره كثير. المهام المشينة (التقواد) والغلط وحب الطعام (السلعة) إلخ...
وهذا لا يمكن أن يكون عفويا ولا اعتباطيا، إنما له دوافع كثيرة منها على وجهة الخصوص مثلا أن هذه الشريحة أجتمعت فيها بعض الخصائص التي يراها بعض المنتبهين والمتعلمين من المجتمع أنها خصائص خطيرة جدا، من هذه الخصائص مثلا: الذكاء الخارق وسرعة البديهة وهذا يعني أن من اجتمعت فيه هذه الخصائص يكون مؤهلا للاتجاه إلى تخصصات أخرى أو معارف أخرى كانت وما زالت في نظر الكثيرين تخصصات شرائح أخرى من المجتمع ومحتكرة لها، وبالتالي يكون من الخطر على هؤلاء توجه هذه الشريحة إلى هذه المعارف لأنها وبكل بساطة قد تسبق الجميع لما تتمتع به من ذكاء خارق وسرعة للبديهة، وقدرة على الاستيعاب والفهم.
هذا بالإضافة إلى أن القائمين على هذه المعارف تقليديا والمحتكرين لها لن يقبلوا أبدا أن ينافسوا من طرف شريحة اجتماعية أكثر منهم قدرة على الفهم والاستيعاب.
وهذا قد يكون أحد الأسباب التي جعلت هذه الشرائح الاجتماعية الممارسة تقليديا لهذا النوع من المهن والتخصصات تقف أمام شريحة الصناع وتعلن عليها حربا إعلامية لا مثيل لها في تاريخ مجتمعاتنا على الإطلاق.
وبدأت هذه الحرب الغير معلنة ظاهريا بإلصاق اللعنات عليهم لتشويه صورتهم لدى المجتمع حتى يقتنع الجميع بأن هؤلاء القوم وذكاءهم الخارق وعلمهم يجب أن يكون محصورا في تخصصهم (الصناعة التقليدية) فقط.
أما التخصصات الأخرى العلمية والفكرية والدينية وحتى الأمنية فهي من تخصص أناس آخرين والممارس له من غيرهم لا يؤخذ منه ولا يقبل وهذا يدخل في مجال الاحتكار المعرفي الذي كان سائدا في مجتمعنا.
هذا ولم نعثر على وثيقة واحدة ولا رواية ولا تحفة فنية تفيد أن هذه الشريحة الممارسة لهذا العمل اليدوي خرجت عن دينها يوما من الأيام حتى تلصق بها هذه المذام ، كما أنها لم تدخل حربا مع هذا المجتمع حتى يعاديها بهذه الطريقة ، وحسب علمنا لم تمارس هذه الشريحة الاجتماعية في هذا البلد أعمالا مشينة ولا مقررة جريمتها الوحيدة هي تلك الملكة التي أوهبها لها رب العباد مما خولتها أن تكون مؤهلة أكثر من غيرها للتنافس وكسر جدار الاحتقار المعرفي.
وهذا ما يفسر تسلط البعض عليهم وطبعهم بخصائص يرفضها المجتمع، وهذا إجراء وقائي أكثر منه دفاعي.
ومن الأمثلة على ذلك أنهم في فترة من الفترات نعتوهم باليهودية حيث قالوا إن أصولهم يهودية باعتبار أن هذه الصنعة كثيرة الممارسة من طرف اليهود، حتى يبتعد منهم المجتمع أكثر بوصفه إسلاميا يدرك ما قيل عن اليهود في القرآن الكريم.
كما نعتوهم بالفرعونية، حيث قالوا إن جدهم الكبير هو فرعون ذو الأوتاد وهذا ما يفسر ما أشرنا إليه بأن شغلهم الشاغل هو سحقهم اجتماعيا حتى لا يكونوا قدوة تحظى باحترام الجميع، كما ذهبوا إلى القول إن المشرك الذي كسر رباعية الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو جدهم الكبيرالذي إن حدروا منه حتى يبتعد منهم المجتمع أكثر ويحتقرهم أكثر، بل ويرفضهم، وقد تكون قصة أحد الأمراء مع أحد رجالات الصناع شاهدا على هذه الحملة من طرف المجتمع على هؤلاء الصناع.
والقصة هي أن: أحد الأمراء كان يصلي بصانع تقليدي مشهور بالعلم والمعرفة لديه محظرة كبيرة يرتادها طلبة العلم ويحظى باحترام الجميع.
وفي يوم من الأيام جاء رجلان ولاحظا أن هذا الصانع يحظى باحترام الأمير وتقديره.
وبدآ يفكران في طريقة يقنعان بها الأمير بأن هذا الشخص لا يستحق أن يحظى بهذه المكانة الاجتماعية المرموقة، بل يجب إستبداله بمن يستحق هذه المكانة أكثر منه.
ومن هنا بدآ بكتابة أبيات من الشعر على ورقة قديمة وألصقوها بكتاب حتى أصبحت وكأنها جزء منه، وجاءا إلى الأمير وتبادلا معه أطراف الحديث، فسأل أحدهم، السيد الأمير: من هو إمامكم هذا ومن أي قوم هو؟
قال الأمير هذا صانع تقليدي منا اشتهر بالعلم والمعرفة والصدق فنصبناه إماما وقاضيا فينا، فقالا له لكن (لا خير في الحداد ولو كان عالما).
فقال هذه مقولة مشهورة لكننا لم نجد لها سندا، فقالا السيد الأمير إن إمامكم هذا لا يختلف اثنان على علمه وورعه إنما مشكلته الوحيدة أن المصلي به يجب عليه أن يعيد صلاته على الفور، فقال الأمير لماذا يعيد صلاته؟ فقال إن المنحدر من هذه الفئة من المجتمع لا يصلى به ولا تقبل منه شهادة ويجب عليه حج البيت الحرام يوميا لأنه مشهور بالكذب والنفاق وأصوله يهودية، ولدينا دليل في كتابنا هذا يؤكد لكم هذا يا سيادة الأمير وقرآ عليه الأبيات المكتوبة في ورقتهم الملفوفة سلفا في الكتاب والتي هي:

شهادة القين ترد أبدا
والمصلى به يعيد سرمدا

لأنه مشهور بالكذب
وأصله يهودي في النسب

فتعجب الأمير من هذا وعزل الصانع بل وطرده من حيه .
وهذا قد لا يكون غريبا فالأمراء في فتراتهم التاريخية يقبلون بكل ما قدم لهم من غير اختصاصهم ويعملون به.
وهذه القصة مشهورة ومعروفة لدى الكثير من الباحثين، ونحن نعرف أصحابها بالأسماء لكننا لسنا في وارد ذكرهم تفاديا للإحراج، لكننا سردناها هنا من أجل التأكيد للقارئ أن ما يعاني منه الصناع لم يكن اعتباطيا ولا عفويا، إنما جاء نتيجة مخططات ومكائد حيكت بحكمة وذكاء وتم إقناع المجتمع بها حتى ترسخت وتوطدت وانتهى الأمر.
كما أنها تفسر أيضا نظرة المجتمع لهؤلاء القوم المتمثلة أساسا في محاصرتهم في محيط تخصصهم المنبوذ أصلا في المجتمع وهو (الصناعة).
وبعد ذلك يتم إقناعهم بالمكانة الاجتماعية المترتبة عن ذلك وهي مؤخرة الهرم الاجتماعي بامتياز، وعدم التفكير بالخروج منها طلبا لتخصص آخر أو مكانة اجتماعية أخرى وكأن الأمر قدر


Tel 2240979

هناك 22 تعليقًا:

  1. غير معرف23 أغسطس, 2010

    موضوع مهم ومقال مفيد لكنه طويل جدا وبشكل يتعب القارئ

    ردحذف
  2. غير معرف23 أغسطس, 2010

    محمد فال، هذا المقال نشرته عشرين مرة و أصبح متعبا يا أخي... لا يمكنك أن تغير وضعية الصناع حتي يغيروا ما بأنفسهم...

    ردحذف
  3. غير معرف23 أغسطس, 2010

    محمد فال، هذا المقال نشرته عشرين مرة و أصبح متعبا يا أخي... لا يمكنك أن تغير وضعية الصناع حتي يغيروا ما بأنفسهم...

    ردحذف
  4. غير معرف23 أغسطس, 2010

    احديفيل

    ماادور ش فزوايا
    انت كاع من زر لعرب واكبيل امل اكول عن عندكم مؤهلات لحمل السلاح وأدها بنو حسان
    ول ذوك مزلت خايف منهم

    ردحذف
  5. غير معرف23 أغسطس, 2010

    محمدفال

    كل ما اقوله لك ان مقالاك هذه جلب للصناع من المفسدة اكثر مما تجلب من المصلحة
    وانت كاتب هذا المقال لا تقوم بشيء ملموس لتغير من وضعيتك غير احترار هذه الاسطر
    انا اعرفك قليلا واعلم انك عترف بشكل ما بالمكاتة الاجتماعية التي اعطاك المجتمع وهذا تناقض شديد

    ردحذف
  6. غير معرف24 أغسطس, 2010

    هل اصبح عندنا بيرام جديد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    ردحذف
  7. غير معرف24 أغسطس, 2010

    اننى لاافهم هذا المستوى من التعليقات الساقطة على هذا البحث الممتع والشيق
    شكرا محمد فال

    ردحذف
  8. السلام عليكم

    أخى محمدفال
    مقالك متميز ومعالجتك أكثر تميزا..وأرجو أن تواصل على نفس المنوال فلم يعد من المقبول أن تبقى الأمور ترواح مكانها..كل الشعوب تحررت وكل الرواسب الإجتماعية سقطت.
    كل مافى الأمر أن البعض كان يستغل الموروث الدينى والشعبى للإضطهاد وإستعباد الآخرين خدمة لمصالحه الشخصية وليس من المقبول ابدا ان لانسعى إلى تغيير هذا الواقع.
    وأعتقد أن كل البشر سواء فى ذلك ولديهم نزعة إلى السيطرة والتملك وقد طالعت مؤخرا كتاب محمد المختار الشنقيطى"الخلافات السياسية بين الصحابة..رسالة فى قدسية المبادئ ومكانة الأشخاص" بينت بوضوح أن الإنسان لديه ميوله الخاصة.
    وقد أردت من خلال ذلك أن أبين أن البعض حاول ويحاول جاهدا أن يبقى دائما السيد والأخرون يقبلون يده.
    لقد سقط عصر الجبروت
    شكرا محمدفال مرة أخرى وإلى الأمام
    القافلة تسير والكلاب تنبح

    ردحذف
  9. مسؤول حكومى سامى24 أغسطس, 2010

    شكرا محمدفال
    أنت من طينة نادرة فى هذا البلد
    وأعتقد ان من يدافع عن حقوق ومساواة الناس يعمل من أجل الجميع وعلى الجميع ان يحترمه.
    ليس من المقبول ان تبقى هذه الفوارق التافهة قنابل موقوتة لانعرف متى تنفجر وأين ستتطاير شظاياه
    شكرا محمدفال مرة أخرى

    ردحذف
  10. موضوع مميز يستحق التقدير
    وأعتقد أنها معالجة فريدة من نوعها،وأنا أدعو محمد فال إلى مواصلة هذا الجهد الجبار

    ردحذف
  11. شكرا محمد فال وإلى الأمام

    ردحذف
  12. أحد الأرقاء25 أغسطس, 2010

    السلام عليكم

    ياإخوة أنا أعتقد أن مشكلة بيرام ولد أعبيد ليست فى أنه دافع عن شريحة مهانة ومهمشة..مشكلته الوحيدة أنه هاجم العلماء العاملين فى البلد وتعرض بالقدح لخيرة العلماء وفى الحقيقة لم يترك صديقا يدعمه فى معركتهز
    ولذا اعتقد أن هذا التوضيح ضرورى فليس عيبا أن نقول إن محمد فال مثل بيرام لأنه دافع عن فئة مهمشة فمن حقه ذلك وله أن يتشبه أو يشبهه الظلامين بما يشاؤون.
    العبيد فى موريتانيا يعانون الأمرين فى دولة لاتحترم مواطنيها وتحكمها فئة البيظان،ولذا فإننى أدعو لعبيد ولى حلف فضول لإسقاط هيمنة البيظان خصوصا الفئات الظلامية المعروفة
    ليس من المقبول التسليم بالظلم

    ردحذف
  13. شكرا على المعالجة وشكرا للمذرذرة اليوم على الجهد المميز

    ردحذف
  14. شكرا لكم
    رائع جدا

    ردحذف
  15. غير معرف25 أغسطس, 2010

    هذا زين ماأحسدكم

    ردحذف
  16. غير معرف25 أغسطس, 2010

    شكرا واعتقد أن من ينتقدون هذا النضال المحترم هم مجموعة من الإنتهازيين الذين يعيشون كالبكتيريا الضارة
    شكرا محمد فال

    ردحذف
  17. ولد المذرذرة25 أغسطس, 2010

    شكرا على هذه المعالجة الرصينة وننتظر المزيد

    ردحذف
  18. فيتاغورس25 أغسطس, 2010

    فى الحقيقة ان أعشق لغة الأرقام ..لكننى كذلك أحب المعالجات الرصينة والطرح المميز
    شكرا محمدفال شكرا المذرذرة اليوم

    ردحذف
  19. غير معرف25 أغسطس, 2010

    ما هو الفرق بين الصناع التقليديين و مجموعة لحركات ؟ هل هما من أصل واحد ؟

    ردحذف
  20. غير معرف25 أغسطس, 2010

    Lemaallem adlouh chrif, teakhara baathen

    ردحذف
  21. الصناع التقليديين ليست أصل يا هذا، بل هى مجرد مهنة شريفة فى العالم ووضيعة فى موريتانيا

    ردحذف
  22. غير معرف01 سبتمبر, 2010

    an sakr boumbayrd merci

    ردحذف