الدكتور محمد الحافظ ولد اكاه
في مقابلة خاصة (4)
أما عن التكوين الفكري في البدايات، فأعتقد أن التيار الإسلامي عانى كثيرا في هذا الصدد، وكان داء عدم الغربلة أخطر ما نواجهه في تلك الفترة، فنحن نقرأ كل ما يصل إلينا من كتب الإسلاميين، وبالأخص كتب الشهيد سيد قطب رحمه الله، وبخاصة كتابه معالم في الطريق، الذي يؤسس إلى حد ما لفكرة المزايلة مع المجتمع، ويقدّم مقولات الجاهلية المعاصرة إلى غير ذلك، وأعتقد في هذا الجانب أن الله تعالى عصم التيار الإسلامي في هذا البلد من أن يتحول إلى تيار تكفيري،ن تيجة لضغط الظروف .. بين نخبة علمية رافضة لهذا الوافد الجديد، وحركات سياسية تعمل على التشويه .. وشباب يقرأون معالم في الطريق .. ومع ذلك فقد تميّز الشباب حينئذ بمستوى كبير من الصبر والجلد في التعامل مع هذه الإكراهات جميعا، وتجاوز كل تلك المضايقات التي كانت تصل إلى حد غير مطاق في الجامعة وفي الثانويات وفي الأندية والمحاضرات .. ولعل القاضي أحمد الحسن بن الشيخ، أحسن التعبير عنها بطرافة حينما قال على لسان بعض مكونات الساحة حينئذ:
ألا خبّر الإخوان عنا فقد رأوا
نضال كماة في الحروب أباة
إذا شبّت الحرب العوان فإننا
مغاويرها في ساحة الندوات
غداة اقتحمنا جمعهم بخرائد
أوانس أمثال الدمى خفرات
بكرن بكور الطير يقدمن جمعنا
يفديننا في جرأة وثبات
إذا كبّر الإخوان ثرن كأنما
أسود الشرى في الريط والحبرات
أبا خالد هلا رأيت هجومنا
على القوم بالصيحات والصرخات
فلو قاموا بالعنف أمسكن باللحى
ولكنهم قد قاوموا بأناة
فلو أبصرت عيناك عفراء بينهم
تشد بنعيلها بدون خشاة
رأيت فتاة حرة عربية
تشق طريق المجد للفتيات
فإن نك لم نربح إثارة فتنة
ولم نجن فيها طيّب الثمرات
فما نعموا في ندوة جمعوا لها
بترتيل آيات ولا بعظات
فأعطوا وأعطينا وكل وبذله
على حسب الإمكان والقدرات
وأنا أعتقد أن ما يتمتع به العمل الإسلامي اليوم في موريتانيا من وضوح في الرؤية وترتيب للأولويات وتحديد للأهداف ومن قوة في المجتمع وقبول في أوساطه المتعددة لم يكن وليد اللحظة ولكنه بحمد الله صبر وبذل الكثير من الشباب والشيوخ والنساء، تقبّل الله منهم، ورحم من قضى نحبه، ووفّق وثبّت الباقين لكل خير.
مع بداية الثمانينات سيظهر التيار الإسلامي بقوة، تظهر الجمعية الثقافية الإسلامية، كما سيتخذ النظام السياسي (ولد هيداله) قرارات ذات صبغة إسلامية .. في أي سياق تقرأون تلك المواقف ؟
ولد اكاه: لما تأسّست الجمعية الثقافية الإسلامية على ما أعتقد سنة 1982 دخلها الجميع، وأعتقد أن بعض الإخوة الناصريين سعوا إلى الوصول إلى قيادتها في تلك الفترة، وكانت الشخصية الأكثر قبولا وتأهيلا لإدارتها هو فضيلة الشيخ محمد المختار كاكيه، ولعلّه كان مرشح السلطة حينئذ لشغل هذا المنصب، كما كان اسما مقبولا ومحترما في صفوف التيار الإسلامي.
ومن خلال الجمعية الثقافية الإسلامية قطع العمل الإسلامي في موريتانيا أشواطا كبيرة جدا، فنظّمت المخيمات العديدة للشباب، وتتالت سلاسل المحاضرات والدروس والملتقيات، وأصبح الخطاب الإسلامي حقيقة قائمة وفعلا ملموسا.
وأعتقد أن الشيخ محمد المختار كان رجلا كبيرا يحظى باحترام الشباب حينئذ، ولعله كان حريصا على أن يشتد عود العمل الإسلامي في البلد ويبلغ قوته.
رأى البعض أن قرارات ولد هيدالة "الإسلامية" كانت محاولة لترسيخ نظامه الذي يعاني مشكلات داخلية وضغطا خارجيا قويا ؟
ولد اكاه: من الصعب أن أقول لك إن نظاما سياسيا في فترة من الفترات عمل كذا بناء على معطيات أحددها لك، لكنني أظن أن الرجل لو كان يبحث عن توطيد حكمه حينئذ، لما اتخذ قرارات ذات صبغة إسلامية، لأن معايير الرسوخ والبقاء لدى الأنظمة العربية المعاصرة له، وتلك التي تحكمنا اليوم، هي رهن القرار السياسي والقوة الاقتصادية للغرب ولقواه ومؤسساته النافذة، وولد هيداله كان في خصام مع أكثر هذه الدوائر، أعتقد وهذا ما يعرفه الجميع عنه، أنه شخص متديّن تديّنا عاميا بدويا، يتّخذ من الصدق والصراحة عنصرا أساسيا في تكوين شخصيته، وأستبعد عامل الصفقة أو المناورة السياسية.
السراج + المذرذرة اليوم
mederdratoday@gmail.com
Tel 2240979
أشكر الدكتور على المقابلة الطيبة وأبارك له التاريخ النضالي، لاكني في نفس الوقت أختلف معه في خطابه خاصة ما تعلق منه ببقية التيارات كالكادحين والناصريين .. حيث تجاوز الخطاب الإسلامي اليوم عقدة الصراع مع الكادحين والصدام مع الناصريين إلى علاقة تنسيق وتعاون وتفاهم مع التيارين ومع بقية التيارات السياسية في الساحة الوطنية .. وبالتالي لم يعد هناك مبرر لإعادة إنتاج صراعات الثمانينيات.
ردحذفمع التقدير