وتوالت حلقات الزمان، وإذا المرحومة تخطو بتؤدة إلى عقدها السابع، بجسد مالت شمسه إلى الغروب، راسمة على محيّاه ألوان المغيب النبيل، فقد كانت رغم السنين والأحوال، "كهله من ذوك الكهلات" اللائي يصدق عليهن الوصف العربي القديم "كهله شهله"، كانت ضحكتها المجلجة، وهي تستعد للوقوف من جلساتها، وهي تردد باسمة "وتركوك قائما"، تترك رنينا غريبا في مسامعنا ونحن أطفال، وإن بدا أن حلقتها الأخيرة، والصوت يختفي في ظلال الفرح، تنتهي إلى نشيج مبحوح.
وأخيرا يكتب العمر الذي يستعد لأذكار المغيب، والجفاف الصارخ الذي يعصف بالزرع والضرع على المرحومة أن تسكن نواكشوط، في أحد أحيائه الصغيرة، تسكن بين عدد من بنات وأبناء أخيها، لم يعد لهم والد سواها، كما لم يعد لها ابن بعد بلال سواهم، فقد استطاعت أيدي السنين، أن تكسو "ذكرى بلال" غلالة رقيقة من الصبر والتناسي، تشفّ عن الجرح الغائر، وتمنح الذكرى النبيلة أجنحة من الألم الجميل.
ولك أن تسأل الآن - وقد أطلت عليك من ذكر المرحومة، عن "ذكرى بلال"، و عن من هو بلال ؟ وما لهذا الجرح النبيل، والألم الجميل ؟؟
ولي أن أجيب أن "كوكه" -التي لا تذكر من تاريخ ميلادها سوى أنها اكبر بأكثر من عشرين سنة من ابنها بلال، الذي ولد "عام النيسان"، أي قبل 74 سنة من كتابة هذه السطور- "رحلت" بها إحدى بنات سيّدها الأول إلى أصهارها الجدد في بادية الخط .. ولم تمض أشهر كثيرة حتى زفّت كوكه إلى أحد العبيد من ذات المخيّم، فأنجبا طفلا وسيما، سمّياه بلالا .. ونشأ بلال كما ينشأ أبناء العبيد والإماء في حيّه، يرفرف بكل أجنحة البراءة، وكل صور البؤس والمأساة، ولن يكون أسهلها الرق الذي سيكتب قصة فراق لانهاية له، بين بلال وأبويه.
وفي ظل تلك الظروف انتقلت كوكه إلى سيد جلف في نفس الحي، ولم يكن في الأمر كبير غرابة .. لا على الأمة ولا السيد، ففي عالم الصحراء تتّسع التجارة لكل شيئ .. للإنسان والقيّم والأرض.
وتقول كوكه -كما حدّثتني الشيخة التي نقلت إلي نعي المرحومة- قطعنا عرض "البحر" (نهر السينغال)، واجتزنا ضفة "القوارب" الجنوبية بإتجاه السنغال ذات صيف حار، ومكثنا عدة أشهر مع أسرة من أقارب "عربي"، قبل أن نعود إلى الخط من جديد، وهنالك كنت على موعد مع خبر غير سار ولا مبشّر.
لم يكن بلال من بين أطفال العبيد الذين هرعوا إلى استقبالي والرفقة العائدة، وظل الأسى يبتلع سؤالي المتردد .. أين بلال ؟؟
قبل أن أجد الإجابة الصاعقة عند "عربيّ"، الذي قال إن "توجّاط" قتلت بلال .. وتضيف كوكه .. "بكيت كأحر ما يكون البكاء، وأشد ما يكون الألم والشوق إلى طفلي الوحيد، ومادت بي الأرض حتى لو انشقت لي ما ترددت في الولوج إلى بطنها الذي يضم بين أصداء القبور جثمان بلال، ثم قطعت يد التصبّر حبل الألم الطويل، وجفّت المدامع، وتذكّرت أن الموت طريق كل حي، وأنا جميعا ميّتون، ولن أكون أول فتاة فقدت وحيدها، ولن يكون أول طفل غادر والديه، وتذكرت ما أخبرت به من قبل .. أن أطفال المسلمين يعيشون في رياض من الجنة، مع سيدنا ابراهيم عليه السلام، وهم ينتظرون القيامة ليأخذوا بأيدي آبائهم، ويدخلوهم الجنة، فهوّن هذا الأمل ذلك الألم، وإن لم يمحوه بتاتا.
ورغم ذلك لم يبرح طيفه الوديع ناظري، فلقد كنت أراه في قسمات كل لداته بيضا وسودا، أراه يخرج من بين الأشجار، وينساب مع زقزقة العصافير، وأنسام السحر، وتذكّرني كل ضحكة بريئة برنين ضحكاته الساحرة، وتنكأ كل دمعة يذرفها صبي جرحه الغائر في فؤادي.
أحببت من أجله كل الأطفال، كل الصغار من الشجر والإنسان والطير والدواب، وكنت أشبّه كل طفل جميل ببلال.
وتواصل الحزن النبيل يزرع لي عمرا جديدا، تتشابك فيه الذكرى والشوق، والصبر والألم، لولا أن "حرطانية" سليطة اللسان، قالت لي ذات مرة غاضبة -وأنا أستعيد على صويحباتي مشهدا باسما من ذكريات بلال، وأدعو له بالرحمة-
على من تترحمين ؟! إن بلال لم يمت، ولكن "عربيك، باعه ضحى، بأوقيات بيض، لرفقة من أهل الساحل، فأردفوه على حمرهم، وساروا به لتبتلعه التلال، ويتوارى خلف المغيب.
ولا يجد الحزين أشدّ عليه من نكء الجرح، ولا المريض من السقم بعد الإبلال، وتفيق كوكة من صرعة الخبر الصاعق، فإذا الألم لا يدع فسحة للصبر، وإذا رقعة الشكوى تملأ كل رحاب الفؤاد الجريح، وإذا العمر خريطة للأحزان، ودفتر مسطور من دفاتر الثكل العنيد.
لم أفهم القصد من هذه القصة بالذات هل هو تناول لماعاشه العبيد من معانات علي أيدي أسيادهم في القرون الماضية أم أن صاحبه يود أن يلفت الأنظار الي ماتعيشه هذه الطبقة من مخلفات للرق لكم مني فائق التقدير والأحترام
ردحذفEncore cette histoire dégoutante de Bilal, la patience est-elle toujours récompensée ?
ردحذفMa3nana an mavih chi 6Ari el7amdolilah ,ma7den di amredeet Bilal 5Alga ala ma3naha
An mavih jedid
أخ له نظريا وجد نفسه مأسورا بتقاليد أكل عليها الدهر وشرب.. أهلها يظنون أنها من الاسلام والاسلام منها بريئ.. أشعر بالفعل أني أخ لبلال إن لم أكن هو!! فرغم أني لم أتجرع طعم هذا الظلم فإني أحس بأن رائحته ـ بل وحتى عذا به ـ وصل إلي.. فلا شلت يدك \"كاتب هذه السطور\" وقيض الله للأمة من يرفع عن مظلوميها الظلم..
ردحذفما اروع هذا وما احزنه
ردحذفهذه قصة محزنة ومبكية والله، ولكن إن ربك لبالمرصاد
ردحذفكم من بلال ..وأم بلال ...يعيشون بين ظهرانينا، وهم يحملون ذات الألم النبيل الذي حملته كوكه أكثر من سبعين سنة.\\\" لاسامحك الله يا هذا لقد ابكيتني امام الملإ وانا رجل!!
ردحذفأصدق وأجمل مقال كتب في الصحافة الموريتانية ، ونسأل الله أن يجازيهم بأحس الجزاء.
ردحذفحسبنا الله ونعم الوكيل؛ إنا لله وإناإليه راجعون... أقسم بالله لقد بكيت... جزاك الله خيراأيها الكاتب؛ يبدو أن الكاتب صادق العاطفة، ولعل القصة واقعية وغير خيالية، لما تتركه في النفس البشرية من أثر وانفعال. إن من البشر من قلربهم من حجر. حسبنا الله ونعم الوكيل، اللهم إننا لم نحضر ولم نأمر، ولم نرض، اللهم لا تواخذنا بما فعل السفهاء منا.أين هؤلاء من نهي المصطفى صلى الله عليه وسلم من التفريق بين الأم وولدها؟ حسبنا الله ونعم الوكيل؛ اين هذا من أمه صلى الله عليه وسلم الرفق بما ملكت اليمين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الحمد لله الذي جعلنا نعيش في وقت لا يوجد فيه عبيد حتى لا نظلمهم تحت إغراء سلطان المجتمع.استغفر الله استغفر الله اسستغفر الله..ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. اللهم ارحم البؤساء وارفع الظلم عن المظلومين.
ردحذفارجوكم من الكاتب وعنوانه.
ردحذفاللهم ان هذا منكر تنكره وانكره
ردحذفحسبنا الله ونعم الوكيل ,انها الجاهلية بأبشع صورها.انا لله وانا اليه راجعون
ردحذفلم أفهم القصد من هذه القصة؟ ولم أفهم ما المقصود بالسلسلة الموصوفة.
ردحذف