الجغرافيا والعقد الإجتماعي الجديد
إن بناء الدول على أساس من قانون الفتح والتضامن العرقي (كما كان الحال في الإمبراطورية الرومانية والمغولية)، أو على قانون الفتح وأخوة العقيدة (كما كان حال الإمبراطورية الإسلامية) لم يعد مناسبا أخلاقيا، ولا ممكنا عمليا.
فالدولة المعاصرة لا تتأسس على الإشتراك في الدين أو العرق، بل على أساس الجغرافيا.
وإذا تحدّثنا بلغة الفقهاء، يمكن أن نقول إن العقد الإجتماعي الجديد هو عقد ملكية عقارية، ولكل شريك في هذا العقد حق الإنتفاع بالعقار، وحق الشفعة، وحسن الجوار، وعليه واجبات الصيانة، والدفاع، وإعادة البناء.
وليس اختلاف العقيدة أو العرق بمؤثر على هذه الحقوق والواجبات، فما يجمع بين كل الدول المعاصرة هو هذه الأوّلية لعامل الجغرافيا على العوامل الأخرى التي كانت أساس العقد الإجتماعي في الإمبراطوريات القديمة، مثل الإشتراك في المعتقد أو العرق.
واللافت للنظر أن العقد الإجتماعي الجديد المؤسّس على الجغرافيا أكثر انسجاما مع التجربة الإسلامية الأولى في المدينة على عهد النبوة، وهي تجربة سابقة على العصر الإمبراطوري في التاريخ الإسلامي، وأوْلى بالإعتبار مصدرا للأخلاق والقوانين السياسية الإسلامية.
واللافت للنظر أن العقد الإجتماعي الجديد المؤسّس على الجغرافيا أكثر انسجاما مع التجربة الإسلامية الأولى في المدينة على عهد النبوة، وهي تجربة سابقة على العصر الإمبراطوري في التاريخ الإسلامي، وأوْلى بالإعتبار مصدرا للأخلاق والقوانين السياسية الإسلامية.
فحينما أسّس النبي صلى الله عليه وسلم أُولى دول الإسلام في المدينة، كان من بين مواطنيها مسلمون ويهود.
وقد منحت الدولة الجديدة اليهود حرية الديانة وكامل المواطنة، لأنهم أعضاء مؤسّسون في العقد الإجتماعي الذي قامت على أساسه الدولة، ولم تأخذ الدولة من اليهود ضريبة الجزية التي أخذها المسلمون من المواطنين غير المسلمين فيما بعد.
والمتأمّل في دستور الدولة النبويّة يجد قبولا بتعدد الهوية، وإقرارا بالمعاني المتعددة لمفهوم الأمة، فهو يؤسّس للأمة الإعتقادية التي ينتمي إليها كل المسلمين داخل المدينة وخارجها، والأمة السياسية التي يدخل فيها المسلم وغير المسلم على قدم المساواة.
والمتأمّل في دستور الدولة النبويّة يجد قبولا بتعدد الهوية، وإقرارا بالمعاني المتعددة لمفهوم الأمة، فهو يؤسّس للأمة الإعتقادية التي ينتمي إليها كل المسلمين داخل المدينة وخارجها، والأمة السياسية التي يدخل فيها المسلم وغير المسلم على قدم المساواة.
لذلك نصّت الوثيقة على أن "يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم" (المادة 25)، ثم عمّمت الوثيقة هذا الوضع ليشمل جميع القبائل اليهودية بالمدينة (المواد 25-35).
فدستور المدينة جعل كلا من المسلمين واليهود أمة -مختلفة- بالمعنى الإعتقادي، لكنه دمجهما في أمة سياسية واحدة، تجمع بينها الجغرافيا والحقوق السياسية.
ومن هذه الحقوق والواجبات السياسية أن "اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين" (المادة 24)، وأن "بينهم النصر على مَن دهم يثرب" (المادة 44) وأن "بينهم النصر على مَن حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبرَّ دون الإثم" (المادة 37).
ومن هذه الحقوق والواجبات السياسية أن "اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين" (المادة 24)، وأن "بينهم النصر على مَن دهم يثرب" (المادة 44) وأن "بينهم النصر على مَن حارب أهل هذه الصحيفة، وأن بينهم النصح والنصيحة والبرَّ دون الإثم" (المادة 37).
وهذا تقنين عادل واعتراف بالهوية المتعددة لمواطني الدولة الواحدة، كما أنه اعتراف بأن الأخوة بين البشر أوسع من انتمائهم الإعتقادي، وبأن انتماءهم الإعتقادي أوسع من هويتهم الوطنية والقومية.
وفي هذا عبرة عميقة، إذا وعيناها ستكون خير عون لنا على ترتيب العلاقة بين العروبة والإسلام، وبين المواطنين المسلمين والمواطنين غير المسلمين في الدول العربية المعاصرة.
محمد ولد المختار
mederdratoday@gmail.com
فكر ناضج وعميق ورؤية جديدة وشجاعة
ردحذفdiscours clair
ردحذفqui est cet auteur SVP
ننتظر بقية الحلقات
ردحذف