الأربعاء، 17 فبراير 2010

ذكرياتي مع المدرسة الأولى

نشأت في حي ملكاش، أصحو على ثغاء "جديان أهل يريكيت"، وأستنشق دخان مخبزة أهل الصبّار، وقت الضحى، وأمسي على أذان المرحوم أنمراي ولد محمود، من المسجد الجنوبي (مسجد ححام).
وبين ذاك وذاك أرتاد مدرستي الأولى (المدرسة رقم 1)، تلك المدرسة التي تعلّقت بها قبل سن التمدرس، وكنت أحشر نفسي بين تلامذة الصف الأول، متأبطا كتابي (كتابك يا ولد)، وكلما شاهدني مديرها المهيب (السيد محمد ولد بوهم) صرخ في وجهي: إذهب إلى أهلك ليبحثوا لك عن "حكّامة" .. وفي أحد الأيام، وبينما كان التلاميذ مصطفّين لصلاة العصر، والمدير من ورائهم يراقب حركاتهم وسكناتهم، تحولت تلك الكلمات إلى صفعة ...
وفي السنة الموالية تحقق الحلم، وأصبحت تلميذا رسميا، لكنه كان منقوصا، فقد ألغي الكتاب الذي كنت أزدهي به على بقية التلاميذ (كتابك يا ولد) ليحل محله كتاب الشامل.

لقد صعب علي أن لا يحفل أحد بكتابي المليء بالصور والألوان .. وأي معلم حظينا به ذلك العام إنه المرحوم الفاضل دداه ولد عبد الملك، والذي ظل يدرّسني حتى السنة الثالثة، وكان ذلك في المبنى الجنوبي المهدد بعاديات الدهر .. ذات مرة سجّلني رئيس القسم من بين المشاغبين، فشرعت أصرخ من شدة الخوف، إلى أن حضر المعلم الفاضل، فهدّأ من روعي وهددني، إذا شاغبت مرة أخرى، بأن يكتب إسمي بأصبعه على كفه كتابة لا تنمحي أبدا ! ولسوء حظي شاغبت مرة أخرى، ونفذ وعيده، وكانت الطامة .. فبعد إنتهاء الدوام، تعلقت بكمه وأنا أبكي وأتوسل بأن يمحو إسمي من كفه، فظل يمسح بسماحة لا نظير لها كفه بكفه، وبقيت مقتنعا بأن الإسم لم يزل مكتوبا إلى أن أقسم بأنه قد إنمحى !
لقد كان الرجل حليما عظيما مهيبا ومؤثرا في تلاميذه، ولا أزال أجد في نفسي بعضا من معالمه، في تعاملي مع تلاميذي ومع طلابي.
وفي السنة الرابعة، وفي نفس المبنى، حوّلت إلى مدرسة أبكاك، وكان معلّمنا السيد الفاضل محمذن ولد عمر، وكان للفصل ديكوره الخاص .. صندوق حديدي مزركش بأهلة حمراء، له صرير صباحي مميز، لوحات، مساطر صفراء، دفاتر وكتب، وحبل أخضر، ودرّة عمرية، وأشياء أخرى.
وكان معلّمنا "متين اليد"، لا يضع درته عن كتفه، كثيف العطاء، حريصا على الوقت، ذات صباح قدّم لنا درسا في العقيدة، عن البعث وإخراج الناس من القبور، وأشفعه بدرس في العلوم عن النحلة وما تفرزه، ثم طلب منا إدخال بعض الكلمات في جمل، وكان من بينها عبارة "أفرز"، فجمعت بين الدرسين وكتبت "يفرز الله الناس من قبورهم يوم القيامة"، ولما أتيته بالدفتر ليصححه، رأيته ولأول مرة يبتسم إبتسامة عريضة مشرقة، وحاول أن يفهمني أن عبارة أفرز، وإن دلّت على الإخراج، لكن لا يصح إسنادها إلى المولى عز وجل.

طبعا لم أفهم ذلك، وبعد سنوات .. وبعد أن أكملت كل مراحل دراستي في المذرذرة ثم في جامعة (...) جمعني نقاش مع أحد المثقفين ممن تعرفت عليهم في الغربة، أثناء تحضير الدكتوراه، وكان قوي الشعور بالإنتماء إلى جهته، وتشعّب الحديث، إلى أن بدأت أشعر بأن صاحبي بدأ يتعالى علي، ويدّعي بأنه بحكم الجهة أكثر عمقا، حضاريا وثقافيا من غيره، فسألته متى بنيّت المدرسة التي تخرجت منها ؟ فأجاب مع بداية الثمانينات .. فقلت له -ولم يكن يصدق- أما مدرستي فقد بنيت منذ قرابة قرن من الزمان .. عندها قطعت جهيزة قول كل خطيب.

لكن "جهيزة" اليوم بحاجة إلى كل الخطباء ليعرضوا قضيتها في محافلهم، قبل أن يصيبها ما أصاب ذلك السجن الذي تشرّف بأن نزل فيه ذات مرة العلامة والشاعر إمحمد ولد أحمد يوره، ثم تحولت لبناته بكل بساطة إلى أرضية لإحدى البقالات.

بباه ولد أمين ولد الداهي

mederdratoday@gmail.com

هناك 21 تعليقًا:

  1. غير معرف17 فبراير, 2010

    مقال طريف يحمل الكثير من المعاني والدلالات
    وتذكرني بدايته بطلعة محمد أحمد الميداح التي يقول في مطلعها يوك هاذ مكان *** لاهل أعل وركان

    إلى أن يقول:
    لمبار ألنعرف طاح
    والدنديره والبيت
    عاد يخي أمراح
    جديان أهل يركيت

    فنرجو من أهل الحل والعقد في المقاطعة مزيد الاهتمام بالمدرسة الأولى قبل أن تلقى مصير السجن وغيره من معالم الصنكة


    تلميذ سابق

    ردحذف
  2. شكرا على المقال الرائع
    وشكرا لفريق المذرذرة اليوم الرائع على جهوده الطيبةالمباركة التى اكدت أنهم من معدن نفيس.
    هذا المقال كسابقه الذى كتبه الأستاذ القدير محمد ولد أحمد الميداح،يؤكد الوضعية المأساوية التى تعيشها المنشئات فى المقاطعة والتى يتم التلاعب بها من طرف بعض الأقزام الحاقدين على التاريخ.
    يجب رسم خطوات عملية لمواجهة هذا الإستنزاف الثقافى الممنهج،كما تجب المسارعة فى ذلك.
    إخوتى الكرام يؤسفنى القول إن جهود المذرذرة اليوم الساعية إلى وقف تدمير المدرسة الأولى لم تثمر شيئا ففى الوقت الذى أتحدث فيه تكون مدرسة المذرذرة اليوم سويت مع الأرض
    لقد سويت مع الأرض
    لقد سويت مع الأرض
    لقد سويت مع الأرض
    اللهم إنا نشكو إليك مبانى هدمت

    ردحذف
  3. ابن الصنكة17 فبراير, 2010

    يجب أن يحاسب كل المسؤولين عن تدمير المبنى القديم لمدرسة المذرذرة
    والتاريخ لايرحم

    ردحذف
  4. ولد التاكلالت17 فبراير, 2010

    مقال رائع ..

    ردحذف
  5. ولد المذرذرة17 فبراير, 2010

    نرجوا أن يتحرك منتخبوا المذرذرة وخاصة نائب المذرذرة السيد باب ولد سيدي وشيخ المذرذرة السيد ميّمّاه لوقف تدمير مبنى المدرسة كإرث تاريخي للمقاطعة

    ردحذف
  6. غير معرف17 فبراير, 2010

    الجديان والدخان والأذان صور فنية جميلة ومؤثرة

    ردحذف
  7. هل كاتب المقال هو إبن إمام المسجد الجامع في المذرذرة ؟

    ردحذف
  8. أحمد ولد أحمدسالم18 فبراير, 2010

    شكرا جزيلا لبباه على المقال الخاص بالمدرسة وشكرا للأديب محمد ولد أحمد الميداح على مقاله أيضا عن المدرسة ونرجو من بقية أبناء المذرذرة أن يكتبوا عن تجاربهم وذكرياتهم عن المدرسة كجهد ومساهمة في النضال ضد تدمير المدرسة

    ردحذف
  9. ماهي الجهة التي تقف وراء تدمير المدرسة ؟ وهل هناك عجز في مجال القطع الأرضية في المذرذرة ؟!

    ردحذف
  10. غير معرف18 فبراير, 2010

    اللّ فم

    ردحذف
  11. غير معرف18 فبراير, 2010

    Merci bebbah pour cet article.

    ردحذف
  12. غير معرف18 فبراير, 2010

    ahssente we evete we ejete jezaka allahou khayren
    ebnou nivrar

    ردحذف
  13. مقال ممتاز يا بباه يمكن ان يشكل لبنة لقصة رائعة

    ردحذف
  14. غير معرف18 فبراير, 2010

    هذا المقال ينم عن موهبة ناشئة يتمتع بها كاتبه
    فنرجو من المذرذرة اليوم الاهتمام بها وتنميتها حتى يشتد عود صاحبها
    وربما يصبح مثل حنفي ولد دهاه في المستقبل
    أما من المسؤول عن تدمير المبنى القديم للمدرسة فلا شك أنه يستمع إلينا أو يقرأ المقال في هذه اللحظات

    محمد فال

    ردحذف
  15. غير معرف19 فبراير, 2010

    هل كان ولد بوهم يقصد -حين خاطب بباه يومها- حكامة لشعر الرأس ؟
    وهل لا يزال بباه بحاجة إلى حكامة لشعر الرأس اليوم ؟

    ربما نجد إجابة السؤال الأخير عند أحد الحلاقين في قرية زلطن أو مدينة الزوارة الليبيتين !!

    زميل لبباه

    ردحذف
  16. غير معرف22 فبراير, 2010

    Non Bebbah,

    Votre maison est suffisament loin d'Ehel Yargueit pour etre deranger par "Jedyan" et du four d'Ehel Sabbar.

    Ehel Sangué mtaarvé

    ردحذف
  17. بباه لقد وشى بك مقالك بانك كاتب كبيروظريف ما شاء الله ذكرتنا بكتابات محمد فال ولد عبد اللطيف وذالك راجع الى صدقية مشاعرك بالدرجة الاولى.والح عليك ان تواصل.

    ردحذف
  18. غير معرف24 فبراير, 2010

    حقيقة مقال فيه الكثير من البراءة والبراعة، قريب المأخذ عميق المعنى، ينم عن تعلق بالمكان وعن حنين إلى ذلك الزمان
    محمد

    ردحذف
  19. غير معرف01 مارس, 2010

    thanks MR babah
    you have well well done by bieng calling others to protect our beauty full and lovly school you have mantion many good things in your article but one of them it was that the hand of your teacher was so havey this had stopped me and i was thinking about the hand of my spiritual teacher how soft his hand was and he use to beat me and in stead of crying i start laughing and how he was a uniq in any espect of the life do you know whos my teacher was his name IMMEIN OULD EDDAHI TO KNOW WHO am i please let me know on limtarrag@gmail.com

    ردحذف
  20. you have mantioned many good things in your article but one of them it was that the hand of your teacher was so havey this had stopped me and i was thinking about the hand of my spiritual teacher how soft his hand was and he use to beat me and in stead of crying i start laughing and how he was a uniq in any espect of the life do you know whos my teacher was his name IMMEIN OULD EDDAHI TO KNOW WHO am i please let me know on limtarrag@gmail.com

    ردحذف
  21. غير معرف01 مارس, 2010

    that the hand of your teacher was so havey this had stopped me and i was thinking about the hand of my spiritual teacher how soft his hand was and he use to beat me and in stead of crying i start laughing and how he was a uniq in any espect of the life do you know whos my teacher was his name IMMEIN OULD EDDAHI TO KNOW WHO am i please let me know on limtarrag@gmail.com

    ردحذف