الخميس، 5 نوفمبر 2009

الأديب محمدفال ولد عبد اللطيف
في مقابلة مع موقع الأخبار (2)


تكلمتم عن بداية الدولة، وعهد الإستقلال، وجيل الاستقلال .. كيف تقارنون بين وضع الثقافة اليوم، ووضع الثقافة عند جيل الإستقلال، وفي أيام إنتقال الدولة الموريتانية من مرحلة المستعمر والبدو ؟

محمد فال: المستوى الثقافي كان لا بأس به، لكنه منحصر في شريحة قليلة من المواطنين، يمكن أن نقول أنه كان لا بأس به من ناحية الكيف، أما تنوعه وشموله لجميع شرائح المجتمع فلم يحدث إلا بعد الدولة الحديثة.
لقد كان الأشخاص المثقفون، محصورين بمستوى يكاد يكون متوارثا، ولما جاءت الدولة الحديثة، أضحى التعليم متاحا أمام الجميع، وكل أحد ينال منه ما يريد ،وهذه إيجابية من إيجابيات الدولة الحديثة ينبغي أن نعترف لها بها.
كما كانت الفنون محصورة في علوم اللغة العربية والشريعة، أما بعد وجود الدولة الحديثة فقد توسعت المعارف وتنوعت الفنون .. إذا الثقافة يمكننا أن نقول إنها زادت من ناحية الكم، لكن ذلك إنعكس على الكيف؛ حيث كثر المثقفون، والمعدل العام أضحى ضئيلا، وهذا ما يعبر عنه بعض المسؤولين بمحو الأمية، فالتهذيب أصبح محو أمية ولم يعد نخبويا.

بالنسبة لمؤلفاتكم .. يطبعها طابع المحلية، وفي فتاوي الشياطين، طبع كتابكم طابع العالمية، بمعالجتكم فيه موضوعا عالميا، لأن الشياطين يرتبطون بالإنس عموما .. كيف جاءت هذا الخاصية لهذا الكتاب ؟

محمد فال: أنا لست مؤمنا بمحلية أي شيء، وأرى أن للعالمية تجليات تظهر في المحليات .. كل شيء يعالجه الإنسان أو يكون همَا لإنسان في فترة ما ،لابد أن يكون له بعد عالمي، وهذا إذا إتفقنا عليه تكون المسلَمة التي بني عليها السؤال قد سقط نصفها، ومن وجهة نظري بقي أن أجيبك عن خصوصيات كتاب "فتاوى الشياطين"، فالأبطال فيه عالميون، وذلك ما جعلكم تعتبرونه عالميا، وحاولت أن أستغل إرتباط الشياطين في الذاكرة الموريتانية، بل والإسلامية عامة بالشر، فهم مصدر الشر .. وحاولت أن أظهرهم يفتون الناس بحسب النصوص المعمول بها في شريعتهم.
وهناك بعض من القراء والنقاد، أعطى لكل ولاية من ولايات الوطن شياطين من جملة الشياطين المذكورين في الكتاب، يفتون في المشاكل التي تطرح في تلك الولاية خصيصا، مثل المشاكل العقارية، ومثلها .. والحقيقة أن ذلك لم أقصده، لكني لا أتبرأ منه.

ألا يمكننا أن نعتبر كتاب فتاوي الشياطين نقدا لبعض الفقهاء أو بعض الفتاوي ؟

محمد فال: لا مطلقا بل العكس، فأنا حاولت أن أضع فيه الفقه على الواجهة، وفي الساحة، من أجل أن يسأل الناس ما هذا ؟ وما هذه الأساليب ؟ فيقال هذا أسلوب الفقهاء، يجيبون به الفقهاء، وهذه فتاوي أحكام ونوازل، فيتعرَفون بذلك على هذا الجانب من الفقه.
فالنوازل فضلا عن قيمتها التاريخية والدينية والقانونية، فيها جوانب يمكن أن توظف من الناحية الأدبية ،والبعض من الناس قالوا إنه يمكن أن تكون في الكتاب سخرية من بعض الفقهاء، وأنا لم أقصد ذلك، ولا أتحمَل المسؤولية ولا يمكن أن أتحملها، فمن الخطير أن يسخر الإنسان من حملة الشريعة، وأنا لا يمكن أن أدخل تحت تلك الراية.

بعض كتبكم رغم أنها بالعربية كتبتم عناوينها بالحسانية رسالة الفيش مثلا، ما السبب ؟

محمد فال: هذا صحيح، والهدف منه شد القارئ، فالشيء المخالف للعادة يلفت إنتباه الناس، ويجذب أنظارهم، ومن هدف الكاتب أن يشدَ القارئ، إلا أني لا أسلَم أن العنوان في رسالة الفيش جاء بالحسانية، وغير فصيح، فالفيش إذا نظرت في القاموس تجد الفيش والفياش، وهي تدل على معنى المفاخرة.
أما في كتاب "تكوس"، فتكوس لا شك أنها كلمة محلية، وقد حاولت في الكتاب أن أؤصَلها في اللغة العربية، وقلت إن كاس البعير معناها مشى على ثلاثة أرجل، أو أنها يمكن أن تكون مشتقة من الكأس، ورغم كل ذلك أنا أعترف أنها كلمة عامية.

القارئ لأدبكم، وتآليفكم، يلاحظ أنكم تتحدثون عن التمييزات الإجتماعية، وتعتدُون بها .. ألم يتجاوز العصر التمييزات الإجتماعية، ولم يعد يستوعبها كما يقولون ؟ أم أنه مازال يسمح ببقائها ؟

محمد فال: هناك نوعان من الخطاب، خطاب سياسي لا يقبل من أهله أن يقولوا إلا كلاما موزونا، وهناك خطاب عام عند الناس أرى أن الكاتب لا يمكن أن يتجاهله، وهو أن التمييزات الإجتماعية مازالت موجودة، وليس معنى ذلك أن الناس غير متساوين أمام القانون .. هي موجودة وهذا هو الحق، ويمكن أن يوصف من يستخدمها بأنه يتبنى قناعات خاصة، وأنا لا أرى ذلك، وأعتبر أن على الكاتب أن يعبًر عفويا، وإذا عبَر عفويا فإنه سيتحدث عنها، ولا يمكن أن نعتبر ذلك من قبيل الإستخفاف ونحوه، وهو الواقع .. وما تضمًنته إنجازاتي أنا، من التطرًق لهذه التمييزات الإجتماعية، فإنه ليس بالكثير، وأغلبه حدث في فترة شبابي الأولى، حين لم أكن محاسبا، فالشباب لا يحاسبون على كثير من الأمور، وخصوصا أني كنت إذاك أمارس وظيفة الحكام الإقليميين، فكنت واليا مساعدا، وعندي مستوى من الغرور يمنعني من التنبًه إلى أبعاد بعض التصرفات.

في نفس القضية .. البعض قالوا إن كتاب الفيش بين كسكس والعيش، يعكس الصراع الجهوي الصامت في الوطن بين ( أهل الشرك وأهل الكبلة)، وأن طرحا كهذا لا يخدم الفكرة الوطنية ؟

محمد فال: هذا من الناحية الواقعية ليس موجودا، فالعيش في كل مكان، وكسكس في كل مكان، وأنا لم أقصد هذا الفهم، وطبعا لا أقول فيه إلا ما قاله أبوسفيان بن حرب يوم أحد، لمّا مثّل المشركون بشهداء المسلمين، "ذلك أمر لم آمر به ولم يسؤني" .. هذا بالرغم من أنني في صلب الكتاب، حاولت أن أبرهن، أن القضية قضية تكامل، فهي حبًة من الزرع أو القمح، طحنت وعجنت، فالبعض "كسكسها" والبعض "عيًشها"، وهي في ذاتها حقيقتها واحدة .. ومن الطريف توظيف هذا الأمر في الصراع الجهوي، فدائما يوجد صراع بين المناطق والمدن على مر تاريخ المسلمين، فالدًارس للأدب، يجد الصراع بين أهل الكوفة والبصرة، والقارئ للأدب الأندلسي يجد الصراع بين غرناطة وقرطبة .. ومثل هذا مما كتب فيه الكتًاب كثيرا .. وهي صراعات أدبية لا تصل لمستوى الصدام أبدا، وإنما تعبًر فقط عن ترف فكري .. وأنا في الحقيقة لم أقصد هذه القراءة، ولم تكن هدفا مسبقا بالنسبة لي، ولمًا حدثت، فإني أتبناها، والكتًاب يقولون إنهم دائما يكتبون أشياء، فيقرأ الناس والنقًاد منها تحليلات لم يقصدوها، لكنهم لا يتبرءون منها أبدا.

هل معنى ذلك، وتحديدا إذا أخذناكم كنموذج، أن الكتًاب والأدباء ليسوا حساسين تجاه القضايا الاجتماعية ؟

محمد فال: لقد قلت في مقابلة سابقا مع جريدة الراية، حين سألوني عن إلتزام الأديب، إن موقف الأديب الإرادي في الإلتزام ضئيل، فهو عبارة عن تفاعله العفوي مع بعض القضايا والمسائل.
إذا الأديب لا ينتج شيئا تحت الطلب، فلا يطلب منه أن ينتج إبداعا معينا، وإذا حدث ذلك فإن المؤلف سيكون جافا وباردا، أما ما ينتج عن تفاعل الأديب مع واقع معين، فذاك هو موقفه حسب وجهة نظري، وهو الذي سيكون له صدى وقيمة.
والأصل عندي أن الأديب لا يجب عليه شيء، كما أن الله لا يجب عليه شيئ، وكذلك الأديب .. فالحادث والقديم يجتمعان في الصفات المنفية، لأنها لا وجود لها .. فالله يوصف بالبقاء، والعبد يوصف بالبقاء، لأن البقاء صفة عدمية لا وجود لها، والأمر هنا نفي شيء، فالأديب لا يجب عليه شيء، ولا يؤمر ولا ينهى، اللهمً إلا إذا تفاعل مع موضوع، أو أحسً به، فإنه سيولد إبداع معين، لا نعرف طبيعته، ولا ينبغي للأديب أن يتجاهل الواقع، فالواقع يتجاهله السياسيون، ويغلفونه وينكرونه .. وليس معنى ذلك أننا نخدم أي قضية غير عادلة، بل هذا هو الواقع المحض، الذي يتكلم به الناس في أسواقهم.

mederdratoday@gmail.com

هناك تعليق واحد: