سيرة رئيس سابق (1)
جاء عمر بن عبد العزيز إلى الخلافة قدرا من الله على غير انتظار فأدرك أن فرصة الإصلاح التي أتيحت له قد لا تتكرر مرة أخرى فكان في سباق مع الزمن.
فقد ملئت الأرض ظلما وجورا من وجهة نظر عمر بن عبد العزيز ولا بد أن تملأ عدلا، ولا بد أن يتم ذلك في ظرف قصير لأن مرور الزمن وحده لا يكفي لإنجاز الإصلاح، وكانت المهمة كبيرة، وكيف لا ؟ والدولة مترامية الأطراف تمتد من بحر الصين إلى بحر الظلمات.
وأدرك عمر أنه لا يمكن أن تتم ذرة من الإصلاح الحقيقي مادام المسؤولون الذين مارسوا الفساد في الماضي والذين كانوا هم أداة الظلم يحتلون مناصب الدولة.
فكان لا بد من ثورة إدارية، فليسقط جميع الولاة الظلمة وليتم إختيار المسؤولين على الأساس الإسلامي وحده: الكفاءة والتقوى.
وتم لعمر بن عبد العزيز ما أراد فكان ولاّته مضرب المثل في الأمانة والتقوى، حتى قيل من ولاّه عمر بن عبد العزيز، فهو ثقة.
وكان لابد من ثورة داخل قصر الحكم ذاته، فلتسقط الكسروية والقيصرية، ولتسقط البروتوكولات الأعجمية.
ومن الآن فإن أبوابَ القصر مغلقةٌ أمام المرتزقة، من الشعراء المداحين والمداهنين والمتملقين والكذابين، ولكنها في نفس الوقت مفتوحة أمام المخلصين الناصحين.
"لما استخلف عمر بن عبد العزيز انقشع عنه الشعراء والخطباء، وثبت معه الزهاد والفقهاء، وقالوا ما يسعنا فراقه حتى يخالف فعله قولـــه"]).
والأبواب مفتوحة كذلك أمام المظلومين ، بل إن الخليفة يعطى جائزة تتراوح ما بين مائتي دينار إلى ثلاثمائة دينار (الدينار=4.25 غراما من الذهب) لكل من يرفع شكوى تكون سببا في إقامة العدل ورفع الظلـــم.
ترى من يسكت على ظلم الولاة بعد الآن؟.
"اليوم ينطق كل من كان لا ينطق" كما قال أحد العلماء واصفا عهد عمر بن عبد العزيز.
انشغل عمر بن عبد العزيز برفع المظالم، فكان إذا صلّى العشاء جلس في رد المظالم، وإذا أصبح جلس في رد المظالم، ولم يكن لديه وقت يستطيع أن يضيعه ولم تكن له عطلة سنوية ولا عطلة أسبوعية.
قيل لعمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين، لو ركبت في نزهة فتروّحت، فقال من يجزي عني ذلك، فقالوا تجزيه من الغد قال: قد غلبني عمل يوم واحد، فكيف إذا إجتمع علي عمل يومين؟.
لقد كان عمر رضي الله عنه في سباق مع الزمن.
كانت خريطة الأرض الإسلامية أمام ناظر عمر بن عبد العزيز، وكان لا بد أن ينشر فيها العدل، وأن يمحو منها الظلم، وكان يشعر كل الشعور بأنه مسؤول عن ذلك أمام الله عز وجل، وكانت المهمة كبيرة وشاقـــة.
قال عمر بن ذر، قال مولى لعمر بن عبد العزيز حين رجع من جنازة سليمان مالي أراك مغتما؟ فقال: "لمثل ما أنا فيه يغتم ليس من أمة في مشرق الأرض ولا في مغربها أحد إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه غير كاتب إلي فيه ولا طالبه مني".
إن عمر رضي الله عنه يؤدى الحقوق إلى أهلها إمتثالا لأوامر الله الذي يأمر بالعدلِ، وأداءِ الأمانة إلى أهلها، والذي يفرض القيام بواجب الرعايــــة.
إن عمر يدرك جيدا مدلول قول النبي صلى الله عليه وسلم «ما من وال يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرّم الله عليه الجنة».
ويدرك أن هذه الرعاية تقتضي من الإمام الإهتمام التام بكل فرد من أفراد الرعية، والتقدم إليه بحقوقه كاملة غير منقوصة، من غير حاجة إلى طلب ولا وساطة ولا رشوة ولا إنتظار، ويدرك أن الأمر جد وأنه فرض لا تطوع، وأن التهاون في حقوق الرعية جريمة.
ولذلك يغتم إغتمام من يشعر بالتقصير مهما بذل من جهد وإغتمام من يعرف أن قول المنافقين للمقصر: وفَّيت وللمسيء: أحسنت وللغاشِّ: نصحت، لا ينفعه عند الله فيغتم ويتغير لونه وينحل جسمه حتى ينكره من يعرفــه.
تقول زوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان: دخلت عليه يوما وهو جالس في مصلاه، واضعا خده على يده ودموعه تسيل، فقلت له: ما بالك ؟ وفيم بكاؤك ؟ فقال: ويحك يا فاطمة، إني قد ولّيت من أمر هذه الأمة ما ولّيت، ففكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، واليتيم المكسور، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، والأرملة الوحيدة، وذي العيال الكثير والرزق القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربّي سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم يومئذ محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجّة، فلذلك أبكـي.
فقد ملئت الأرض ظلما وجورا من وجهة نظر عمر بن عبد العزيز ولا بد أن تملأ عدلا، ولا بد أن يتم ذلك في ظرف قصير لأن مرور الزمن وحده لا يكفي لإنجاز الإصلاح، وكانت المهمة كبيرة، وكيف لا ؟ والدولة مترامية الأطراف تمتد من بحر الصين إلى بحر الظلمات.
وأدرك عمر أنه لا يمكن أن تتم ذرة من الإصلاح الحقيقي مادام المسؤولون الذين مارسوا الفساد في الماضي والذين كانوا هم أداة الظلم يحتلون مناصب الدولة.
فكان لا بد من ثورة إدارية، فليسقط جميع الولاة الظلمة وليتم إختيار المسؤولين على الأساس الإسلامي وحده: الكفاءة والتقوى.
وتم لعمر بن عبد العزيز ما أراد فكان ولاّته مضرب المثل في الأمانة والتقوى، حتى قيل من ولاّه عمر بن عبد العزيز، فهو ثقة.
وكان لابد من ثورة داخل قصر الحكم ذاته، فلتسقط الكسروية والقيصرية، ولتسقط البروتوكولات الأعجمية.
ومن الآن فإن أبوابَ القصر مغلقةٌ أمام المرتزقة، من الشعراء المداحين والمداهنين والمتملقين والكذابين، ولكنها في نفس الوقت مفتوحة أمام المخلصين الناصحين.
"لما استخلف عمر بن عبد العزيز انقشع عنه الشعراء والخطباء، وثبت معه الزهاد والفقهاء، وقالوا ما يسعنا فراقه حتى يخالف فعله قولـــه"]).
والأبواب مفتوحة كذلك أمام المظلومين ، بل إن الخليفة يعطى جائزة تتراوح ما بين مائتي دينار إلى ثلاثمائة دينار (الدينار=4.25 غراما من الذهب) لكل من يرفع شكوى تكون سببا في إقامة العدل ورفع الظلـــم.
ترى من يسكت على ظلم الولاة بعد الآن؟.
"اليوم ينطق كل من كان لا ينطق" كما قال أحد العلماء واصفا عهد عمر بن عبد العزيز.
انشغل عمر بن عبد العزيز برفع المظالم، فكان إذا صلّى العشاء جلس في رد المظالم، وإذا أصبح جلس في رد المظالم، ولم يكن لديه وقت يستطيع أن يضيعه ولم تكن له عطلة سنوية ولا عطلة أسبوعية.
قيل لعمر بن عبد العزيز يا أمير المؤمنين، لو ركبت في نزهة فتروّحت، فقال من يجزي عني ذلك، فقالوا تجزيه من الغد قال: قد غلبني عمل يوم واحد، فكيف إذا إجتمع علي عمل يومين؟.
لقد كان عمر رضي الله عنه في سباق مع الزمن.
كانت خريطة الأرض الإسلامية أمام ناظر عمر بن عبد العزيز، وكان لا بد أن ينشر فيها العدل، وأن يمحو منها الظلم، وكان يشعر كل الشعور بأنه مسؤول عن ذلك أمام الله عز وجل، وكانت المهمة كبيرة وشاقـــة.
قال عمر بن ذر، قال مولى لعمر بن عبد العزيز حين رجع من جنازة سليمان مالي أراك مغتما؟ فقال: "لمثل ما أنا فيه يغتم ليس من أمة في مشرق الأرض ولا في مغربها أحد إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه غير كاتب إلي فيه ولا طالبه مني".
إن عمر رضي الله عنه يؤدى الحقوق إلى أهلها إمتثالا لأوامر الله الذي يأمر بالعدلِ، وأداءِ الأمانة إلى أهلها، والذي يفرض القيام بواجب الرعايــــة.
إن عمر يدرك جيدا مدلول قول النبي صلى الله عليه وسلم «ما من وال يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرّم الله عليه الجنة».
ويدرك أن هذه الرعاية تقتضي من الإمام الإهتمام التام بكل فرد من أفراد الرعية، والتقدم إليه بحقوقه كاملة غير منقوصة، من غير حاجة إلى طلب ولا وساطة ولا رشوة ولا إنتظار، ويدرك أن الأمر جد وأنه فرض لا تطوع، وأن التهاون في حقوق الرعية جريمة.
ولذلك يغتم إغتمام من يشعر بالتقصير مهما بذل من جهد وإغتمام من يعرف أن قول المنافقين للمقصر: وفَّيت وللمسيء: أحسنت وللغاشِّ: نصحت، لا ينفعه عند الله فيغتم ويتغير لونه وينحل جسمه حتى ينكره من يعرفــه.
تقول زوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان: دخلت عليه يوما وهو جالس في مصلاه، واضعا خده على يده ودموعه تسيل، فقلت له: ما بالك ؟ وفيم بكاؤك ؟ فقال: ويحك يا فاطمة، إني قد ولّيت من أمر هذه الأمة ما ولّيت، ففكرت في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري المجهود، واليتيم المكسور، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، والأرملة الوحيدة، وذي العيال الكثير والرزق القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربّي سيسألني عنهم يوم القيامة، وأن خصمي دونهم يومئذ محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجّة، فلذلك أبكـي.
الشيخ محمد الأمين مزيد
mederdratoday@gmail.com
مقال متميز يدل علي قدر كاتبه
ردحذفطرح أصيل
ردحذفشكرا شيخنا مزيد