عطاء غزير في عمر قصير
خريف 1981 كانت جامعة نواكشوط قد فتحت أبوابها لأول مرة، ومع بدء الدروس فيها، استقبلت مدارجها وقاعات محاضراتها استاذا لامعا للآداب، لم يكن رغم حداثة سنه التي لم تتجاوز الاثنتين والعشرين بالنكرة، بل كان جمال ولد الحسن (وهو المقصود هنا) قد عرف قبل عودته من تونس ـ متخرجا بتفوق أذهل اساتذته ـ شاعرا مرموقا، وكاتبا متميزا، من مؤسسي رابطة الأدباء والكتاب الموريتانيين، ومن رموز الحركة الشعرية آنذاك، لا تفتأ اذاعة موريتانيا وصحيفتها اليومية الوحيدة متابعة نشاطه الثري، ونشر ثمرات ابداعه الغزير.ولذا فإن السنوات الخمس التي قضاها في الجامعة التونسية، لم تزده شهرة ولا تألقاً، حتى ولو كان استطاع الفوز بالمركز الأول في مسابقة التبريز في الآداب، التي لم يكن النجاح فيها متاحا لغالبية الطلبة، بل محصورا في صفوف نخبة قليلة متميزة.
ومن تونس عاد المدرس الشاب يحدوه طموح لا حدود له لدفع الدرس الاكاديمي والبحث العلمي في بلاده، ذات التراث الثقافي والديني العريق، وان كانت تعوزها التقاليد التربوية الحديثة، ويندر فيها الانتاج الفكري المعاصر، ولا يزال ارثها العلمي مطمورا في المكتبات الاهلية البدوية، غير متوفر للباحث والمثقف، مجهولا لدى غير الموريتانيين. وسرعان ما رسم ولد الحسن خطة واسعة تنوء بالرجل العادي لبلوغ هدفه المذكور، جمعت بين نشر واستنبات المعارف والمناهج الجديدة في البنية التربوية والثقافية المحلية، وجمع وتحقيق نصوص التراث الموريتاني بالطرق والأساليب الحديثة. وهكذا عرفت قاعات الدرس الأدبي لأول مرة في تاريخ البلاد العلوم اللغوية واللسانية الجديدة، ومناهج التحليل الاسلوبي المعاصرة، ولم تكن جهود ولد الحسن محصورة في الدرس الأدبي، بل تجاوزته الى حقول عديدة، كان اسهامه فيها بارزا، واطلاعه عليها كاملا، مثل الدراسات الاسلامية، وتاريخ وسوسيولوجيا المجتمع الموريتاني، واتجاهات الفكر العربي والعالمي.وفي عشرين سنة قضاها متنقلا بين التدريس والبحث، استطاع علم موريتانيا البارز تحقيق مطامحه، وتجسيد خطته الطموحة، قبل ان تخطفه يد المنون في ريعان شبابه وأوج عطائه، وقد بكته الاوساط الثقافية والعلمية والادبية بحرقة وألم، ورأت في رحيله المفاجئ نكبة أليمة لبلد اعطاه سنوات عمره العريضة وان كانت قصيرة حسب عبارة أحد نادبيه والمقربين إليه.ويذهل المرء من حجم انتاجه الغزير، في عمر لا يتجاوز اثنتين واربعين سنة، لم يعرف فيها طفولة الأطفال، ومراهقة المراهقين، وكأن حكمة الشيوخ وتبصرهم قد ولدا معه.فإلى جانب إنتاجه الشعري والذي لم يسع يوما لتدوينه، ولم يكن يراه ـ على أهميته الفائقة ـ سوى نمط من الهواية ترك الفقيد أعمالا عديدة، توزعت بين التحقيقات والدراسات والترجمات، تنضاف اليها دروسه ومحاضراته التي لم تكن أقل أهمية، ولا أقل تأثيرا من كتاباته المنشورة.ولقد وفق الراحل في نشر أهم وأبرز نصوص التراث الموريتاني محققة بالطرق المنهجية الدقيقة المبتكرة، وأشرف على تحقيق عشرات النصوص الأخرى، في سياق المجهود المهم الذي اضطلع به سنوات تدريسه في جامعة نواكشوط ومدرسة المعلمين العليا.ويذكر له الموريتانيون كلهم باعتزاز وامتنان، انه هو الذي عرف بثقافتهم وتراثهم في الوطن العربي، ونجح بذلك في تصحيح صورة الشناقطة في وعي ومخيلة بني قومهم.أما دراساته فقد تمثلت في تقديم محاولات جادة لكتابة تاريخ الثقافة الموريتانية أدبا وفكرا، لا شك في أنها نص مؤسس لتقاليد علمية وبحثية، بدأت تتخذ شكلا مؤسسيا وطيدا. ولا شك ان نجاح هذه الجهود راجع قبل كل شيء إلى شخصية الفقيد المتميزة المركبة، الجامعة بين خصال قل امتزاجها في الافراد العاديين.ومن هذه الخصال قدرة خارقة على الحفظ والاستيعاب، مكنته ـ على طريقة العلماء الشناقطة الأقدمين ـ من حفظ أساسيات التراث العربي الوسيط متونا ونصوصا ودواوين شعرية، حتى ولو لم يكن انتظم إلا في فترات متقطعة في حلقات التعليم المحظري (أي الدراسات التقليدية المحلية التي توفرها المؤسسات الأهلية المسماة محاظر).تنضاف إلى هذه الخصلة، ذاكرة حادة لا تنسى أدق التفاصيل، ولا تفوتها جزئيات الأمور، وقدرة غريبة على البناء والتركيب، وابداع الاطروحات والنظريات التحليلية، واستثمار النصوص والمعطيات في بلورة النماذج البرهانية المحكمة الدقيقة، بما كان يثير دوما اعجاب الدارسين، ويرضي فضول المؤرخين والباحثين في حقل الانسانيات اجمالا.وإلى جانب تكوينه التقليدي الرصين، استطاع الفقيد التسلح بثقافة حديثة قوية، بفضل اطلاعه الواسع على الكتابات الفكرية الاحدث، التي كان يتابعها بانتظام، ويحرص على اقتنائها في لغاتها الأصلية، فتظهر آثارها في أعماله ويستبطنها أسلوبه في الكتابة، الجامع بين وضوح الرؤية ودقة العبارة وجمال الاشارة.وترك الفقيد ورشات علمية عديدة، ومشاريع بحثية تقدم بعضها خطوات كبرى، لا شك ان الثقافة الموريتانية والعربية إجمالا بحاجة الى استكمالها، ولذا كان الحزن عليه مضاعفا، ومصيبة رحيله عصية التحمل.لقد تساءلت مرة في … «لماذا لا يكرم الكاتب العربي إلا بعد رحيله؟»، وأشرت الى نماذج بعينها كان قد كثر الحديث حولها في أعمدة الصحف، ولا شك ان هذا السؤال يتجدد طرحه … بعد رحيل علم اضاعته بلاده، وانتهى به المطاف في جامعات الاشقاء طلبا للرزق في بلاد الغربة، بعد ان استمرأ لفترة الانسحاب عن اضواء الشهرة وبريق المناصب في أماكن قصية من افريقيا الغربية، مكتشفا نوادر وكنوزا من تراثنا العربي الاسلامي في مناطق مجهولة نائية، كانت يوما ما في التاريخ منارات علم واشعاع ديني.وحين رنوت الى الجموع الغفيرة التي توافدت لتشييع جنازته في المقبرة المطلة على قرية البتراء بجنوب موريتانيا، قرأت في العيون الباكية تعبيرا عن الاحساس بالذنب الجماعي تجاه عَلَمٍ اعطى بلده وأمته الكثير، ولم تحفظ له مكانته إلا بعد رحيله.
السيد ولد اباه
كاتب وباحث
شرف للمذرذرة أن تخرج للناس قامة سامقة كالدكتور جمال ولد الحسن
ردحذفكان الدكتور في جزر القمروأقتضت الظروف أن يؤم جماعة المسجد المجاور له بحكم كونه أفصح منهم وكانوا شافعيين متعصبين لمذهبهم:
ردحذفذانَ عت انبات أنصبح
نرفد فالتخمام أنطـرح
عت إمام -اله ما نصلح-
نقبض عت أنرفع ليدين
وإنروغ السجود امجنّـح
وإنروغ إتناظير الكرعين
وإنبسمل عت أنستفتـح
وإنكًرَ مالك يوم الديـن
راجِ عند الحي القيوم
نرجع هك الْ لخيام إلين
افلمسيد انصـل مامـوم
داركً فهجيج الماموميـن
ويقول
ردحذفعندي كهلـت وتـات
خاترها عن لخـرات
لمتانـات الزينـات
وتات اهل التشهار
وهي منـها متـات
يكون اطريح العار
ولكوف اف كرجات
ومص أجوه التجار
ومهينه كان امشات
ألا تحـب تـجـار
وتغدج كاع اعيـات
ويعيثـره لغـيـار
غير ألّ فاتت رات
ليلة بيـظ وانهـار
كان الدكتور رحمه الله في جزر القمر عندما اصابته حمي الملاريا وهو بمفرده هناك فارسل الي اهله
ردحذفحامد لل يبسط
ويقض ما كط اغلط
ولاكط فش فرط
ولايفعل تعد
البارح وامجط
بايت وحد عند
عن سابكها ماكط
بت امجط وحد
الله يرحم و يغفرل
ردحذف